ملاحظات حول مسرحية تشيخوف – ( الخال فانيا)

قررت كتابة  الملاحظات الوجيزة  الآتية عن مسرحية تشيخوف  هذه بالذات لأني ما زلت أرى عنوانها بالعربية في بعض الأحيان – ( العم فانيا ) لحد الآن وليس – ( الخال فانيا ) كما كتبها مؤلفها تشيخوف عام 1897 ,

وسبب ذلك بالطبع يكمن في ان هؤلاء الذين يحولون (الخال ) إلى  (العم ) في هذه المسرحية يترجمون عنوانها عن لغات توجد فيها كلمة واحدة فقط  تطلق على الخال والعم معا, بما فيها اللغة الروسية- لغة تشيخوف نفسه, وعندما أرى ان عنوان المسرحية قد تحول إلى ( العم فانيا ) أستنتج رأسا ان كاتب المقالة أو مترجمها لم يطلع على نص المسرحية ولم يشاهدها طبعا على خشبة المسرح , وأبتسم , ومن ثمٌ أضطر ان أعتذر همسا  لروح تشيخوف على هذه الهفوة ( كدت أستخدم كلمة أخرى! ) العربية التي تؤكد عدم الإحساس بالمسؤولية عند بعض كتٌابنا عندما يسطرون الكلمات وينشرونها, وقد اعتذرت بهذه الطريقة آخر مرة بتاريخ 16/8/2013    عندما قرأت خبرا تفصيليا جدا عن هذا ( العم !) في جريدة الشرق الأوسط اللندنية الشهيرة . ونعود إلى المسرحية تلك. مضمونها تشيخوفي بحت,إذ توجد فيها أفكار يطرحها الأبطال أثناء مسيرة حياتهم اليومية الاعتيادية ليس إلا, وعن هذه المسرحية بالذات قال تولستوي كلمته الشهيرة عندما شاهدها وخرج من المسرح غاضبا – قولوا لتشيخوف وستنسلافسكي انه لا يمكن ان تكون هناك مسرحية لمجرد ان يرقد شخص على الأريكة وينظر إلى الحديقة عبر النافذة ويتحدث, وقد كتب المسرحي الروسي المعروف نيميروفيتش- دانجنكو في ما بعد لتشيخوف عن زيارة تولستوي للمسرح ومشاهدته لتلك المسرحية قائلا – ( تولستوي معجب بعبقريتك.. لكنه لا يستوعب مسرحياتك.. لقد حاولت ان أوضح له ذلك ( المركز) الذي كان يبحث عنه ولم يجده… وقال انه توجد في مسرحية الخال فانيا أماكن مدهشة , لكن لا توجد فيها تراجيدية الوضعية ..), ويقصد تولستوي بذلك المصطلح الحدث الأساسي الذي يتمحور حوله البناء المسرحي, أي ما أطلق عليه دانجنكو ( المركز), ويختتم رسالته تلك إلى تشيخوف ويقول – ( ..ولكن من الطريف ان نقول ان تولستوي كتب مسرحيته الجثة الحيٌة بتأثير من الخال فانيا..), وفي الواقع فان تولستوي لم يكتب مسرحيته تلك( بتأثير) من مسرحية الخال فانيا وإنما (جوابا )عليها, لأن تولستوي لم يعترف بمسرح تشيخوف الخالي من الأحداث والذي يعتمد على الأفكار والمزاج , أو كما قال أحد النقاد الفرنسيين المعاصرين عن هذا المسرح – ( كل دقيقة فيه مليئة, ولكنها ليست مليئة بالحوار وإنما بالصمت وبالإحساس بالحياة .), ولا مجال في إطار هذه المقالة بالطبع الاسترسال في الكتابة عن هذا الصراع بين مفاهيم بنية المسرح عند تولستوي وتشيخوف وكيف ان الزمن أثبت  صمود وازدهار واستمرار الانتشار عالميا للمسرح التشيخوفي ( مسرح الأفكار والأحاسيس الإنسانية الاعتيادية) مقارنة مع المسرح التولستوي ( مسرح الأحداث الدراماتيكية ) إن صحٌت كل هذه التعابير والتعريفات والصفات. والاستشهاد بموقف تولستوي هذا  يوجب علينا الاستشهاد بموقف مكسيم غوركي المعاكس تماما لرأي تولستوي  تجاه هذه المسرحية, الذي كتب إلى تشيخوف بعد ان شاهدها على خشبة المسرح قائلا – (شاهدتها وبكيت مثل امرأة…).ويطرح السؤال نفسه تلقائيا وهو –  كيف ولماذا استطاعت هذه المسرحية ان تجعل تولستوي يكتب مسرحيته الشهيرة ( الجثة الحية ) معارضا لها و جوابا عليها,  ولماذا بكى غوركي مثل النساء عندما شاهدها ؟

الفكرة المركزية في مسرحية الخال فانيا تتجسّد في( الخيبة ) التي يحسها الإنسان عند نهاية مسيرة حياته, هذه الخيبة المريرة والخانقة, لأن الإنسان لا يستطيع ان يلغيها أو يغيّرها , إذ لا يمكن ان يعيد مسيرة حياته من جديد ,وما اكثر خيبات الأمل التي تعرضنا لها جميعا ! وفي هذه الفكرة البسيطة والعميقة في آن واحد, الفكرة ذات الأبعاد الإنسانية الشاملة لكل المجتمعات –  تكمن عظمة تشيخوف الفنية والإبداعية, و التي تجعل فلسفة مسرحه مفهومة من قبل الإنسان, كل إنسان ,بغض النظر عن مجتمعه وقوميته . وهكذا نرى في هذه المسرحية كيف ان زوج أخت فانيا المتوفية البروفيسور سيريبريكوف, العالم الجليل, الذي كان فانيا ينظر إليه طوال حياته باحترام وتبجيل مع ابنة تلك الأخت واسمها سونيا, وكيف كانا يعملان معا – بكل إخلاص وتضحية – على خدمته,ولكنه اكتشف أخيرا أنانيته, وانه لا يفقه شيئا, وبالتالي فان الحياة قد ضاعت هباءً, وتحاول سونيا, ابنة أخته المتوفية, (والتي تناديه طوال الوقت بـ- الخال فانيا, ومن هنا جاءت المسرحية بهذه التسمية) , ان تدخل الطمأنينة على تلك الأجواء المريرة من خيبة الأمل هذه, وتقول لخالها فانيا ان السماء والملائكة ستمنح الراحة له… وهكذا نرى ان هذه المسرحية تنتهي بعدم انتصار أحد, وان الجميع هنا خاسرون ليس إلا, وأن تشيخوف يرسم كل هذه الأجواء ببساطة واعتيادية و دون أحداث دراماتيكية متشابكة, وهو ما جعل مكسيم غوركي يبكي وهو يشاهدها, وهو ما جعل تولستوي يحتج عليها لأنها لا تتضمن أحداثا وصراعات بين أبطالها, وهو شيء يتناقض ومفهومه للمسرح , ولهذا قرر ان يكتب مسرحيته الأخيرة – الجثة الحية جوابا عليها, كي يثبت وجهة نظره حول بنية الفن المسرحي .
هذه المسرحية التي تدور حول فكرة الخيبة في حياة الإنسان ما زالت تعرض على مسارح روسيا والكثير من مسارح العالم منذ ان كتبها تشيخوف عام 1897 ولحد الآن, بل انتقلت من المسرح إلى السينما, التي تم إنتاجها 11 مرة في مختلف البلدان, ومن الطريف ان نشير في نهاية هذه الملاحظات السريعة حول مسرحية الخال فانيا إلى  قائمة الافلام السينمائية تلك وهي كما يأتي- 1-عام 1957 في أمريكا// 2 – عام 1962 في فرنسا // 3 – عام 1963 في بريطانيا // 4 – عام 1967 في السويد // 5 – عام 1970 في يوغسلافيا // 6 – عام 1970 في روسيا // 7 – عام 1986 في روسيا // 8 – عام 1994 في أمريكا // 9 – عام 1994 في السويد // 10 – عام 1996 في بريطانيا // 11 – عام 2004 في ألمانيا .
وختاما أكرر الرجاء إلى زملائي الباحثين والمترجمين العرب ان يكتبوا ويترجموا ما يريدون عن ( الخال ) فانيا دون ان يحولوه إلى ( العم ) فانيا.

 

د.ضياء نافع

http://www.almadapaper.net

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *