الدورة العاشرة – 2018

 الدورة 10 لمهرجان المسرح العربي 

  • كلمة الإفتتاح لوزير الشؤون الثقافية التونسي محمد زين العابدين
  • الكلمة الإفتتاحية للسيد الأمين العام للهيئة العربية للمسرح أ.اسماعيل عبد الله
  • رسالة اليوم العربي للمسرح 2018 : المسرحي السوري فرحان بلبل
  • الكلمة الختامية للسيد الأمين العام للهيئة العربية للمسرح أ.اسماعيل عبد الله

كلمة السيد وزير الشؤون الثقافية التونسي

السيد محمد زين العابدين 

   تونس، أرض لمسرح حرّ   

                                                                                                                

إنه لمن دواعي الفخر والاعتزاز أن تحتضن تونس الدورة العاشرة من مهرجان المسرح العربي من 10 إلى 16 جانفي 2018 وأن تحتفي معكم بكل مفردات الفن الرابع، وإنه لمن دواعي سعادتنا أن تجتمع عزيمتنا مع إرادة الهيئة العربية للمسرح لتنظيم هذه الدورة في كنف الانسجام والتعاون المثمر الذي نرجو أن يستمر إلى ما بعد هذا الاحتفال البهيج.

إن تونس ذات الريادة المسرحية التي يشهد لها بها القاصي والداني والتي سعت نخبها المستنيرة إلى الالتقاء بأشقائنا العرب منذ مطلع القرن العشرين، إذ راهنت منذ أكثر من قرن على بناء إنسان متجذر في ثقافته ومحيطه ومتصالح مع ذاته، لم يكن ليغيب عنها أن المسرح يبقى على الدوام جسرا متينا يربط بين كل المسرحيين من أجل بناء شخصية عربية حديثة تضيف للحضارة الإنسانية من روحها وإبداعاتها.

إن الأنواع المسرحية المختلفة التي يزدهي بها مهرجان المسرح العربي، وإن المطارحات الفكرية العميقة التي تحفل بها الندوة الفكرية حول المعرفة والسلطة علاوة على النقاشات الثرية المرتقبة ستكون مناسبة راقية لخلق الاحتفال وزرع الأمل والمحبة بين المسرحيين العرب من أجل مسرح عربي دائم الإشعاع بمبدعيه، مؤلفين ومخرجين وممثلات وممثلين وتقنيين، وبجمهوره التواق دوما إلى تعبيرات تستجيب لما ينتظر من متعة الفن وأهمية السؤال، إذ الأسئلة الحارقة والجريئة هي وحدها القادرة على التقدم بمجتمعاتنا نحو أفق أكثر إشراقا.

  إن الحرية الفكرية التي تنعم بها بلادنا اليوم ما كان لها أن تتحقق لولا جرأة المبدعات من نساء المسرح ولولا ما تفرد به مبدعونا من المسرحيين، إذ بفضلهم جميعا تحقق للمسرح التونسي شوط كبير في مجال التميز والاختلاف جعل منه وسيلة من أهم وسائل التنوير نهتدي بها في مساعينا من أجل تفعيل قانون الفنان وإعادة النظر في التشريعات المتعلقة بالمهن المسرحية وصياغة قوانين جديدة حتى يكون المسرح التونسي فعلا جماعيا مندرجا بحق في الفضاء اليومي للمواطن ودليلا على ممارسته لحقه في الثقافة.

فأهلا ومرحبا بكم في تونس الثقافة والإبداع

 

  محمد زين العابدين

وزير الشؤون الثقافية

 حفل افتتاح الدورة العاشرة

من مهرجان المسرح العربي

 تونس 10 يناير 2018م

 

 

كلمة اسماعيل عبد الله – الأمين العام للهيئة العربية للمسرح

في افتتاح الدورة العاشرة

مهرجان المسرح العربي (تونس)

 10 / 1 / 2018

“.. نكرم اللواتي والذين بذلوا للمسرح حنطة أرواحهم، وخمير خبرتهم، ليكون مسرحهم خبزاً على موائد البسطاء”.

فدقوا دقات الحياة الثلاث وانطلقوا.. هذي الحياة لكم، وهذا مهرجانكم، المسرح مسرحكم”

معالي وزير الشؤون الثقافية د. محمد زين العابدين.

أصحاب المعالي السعادة..

أصحاب المقام من فنانات وفناني المسرح الذين حضروا هنا والذين يتابعون الحدث أينما كانوا

أصحاب المقام الرفيع، جمهورَ المسرح في تونس وفي كل أنحاء المعمورة الذين يتابعوننا من خلال البث المباشر.

مساؤكم مسرح وحياة ومحبة وحرية، جمال وخيال وأمل. مساؤكم مشموم ياسمين تونسي عطر كأرواحكم.

اسمحوا لي بداية أن أنقل لكم تحيات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى لاتحاد الإمارات العربية المتحدة، حاكم الشارقة، الرئيس الأعلى للهيئة العربية للمسرح، ومعها كل التهاني لكم باليوم العربي للمسرح وانعقاد الدورة العاشرة، وهو الذي تابع كل تفاصيل التحضير بفرح، كما يتابع كعادته كل المجريات، وكل ما سيبدعه جمعكم المبارك، فلا شيء يسعد روحه كمسرحي، كما يسعدها جمال المسرح.

هذا حجيج للمسرح العربي الجديد، حجيج لتونس، حجيج العشاق لأجملِ المواعيد، وفي اليوم العربي للمسرح، هنا، خير موعد، نوقد له مشاعل القلب ويعلو لسدته النشيد، فالليلة تتلو قامة من قامات المسرح العربي رسالتها، إنه الفنان والكاتب العربي السوري الكبير فرحان بلبل، لينضم إلى قافلة من كتبوا الرسائل السابقة، وليسطر بنور بصيرته صفحة جديدة من تراتيل المكتوين بنار التجربة، المتطهرين بنورها.

ما بين العاشر من يناير عام 2008، والعاشر من يناير 2018، تبدو السنون أكثر من عددها، وأقصر من الطموح، وما كان لذلك أن يكون لولا مساعيكم، فهذا البيت الذي أراده صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، بيتاً لكل المسرحيين العرب، بيتكم، وصدر البيت لكم، بإرادتكم وعملكم، وإذ يعلوا هذا الصرح فإنما يعلو بكم، وإذ يشع نوراً، فهذا نوركم، وإذ يقول للغد نحن قادمون لمسرح جديد ومتجدد، فإنما هو قولكم فالكلمة كلمتكم.

بكم لم يعد هذا الحدث مهرجاناً كما توحي به مفردة المهرجان، صار مؤتمراً، فيه تتباحثون، تقررون مدارات ومسارات، تولد فيه الرؤى والنصوص، تتناسج فيه المعارف، وتنسج غلالة الصباح القادم، هنا لا يغمض جفن إلا على حلم، ولا تتفتح عين إلا على أمل، هنا العملُ، والمسرح الأجملُ.

لا بد اليوم من توجيه الشكر، للشريك الذي لم يألُ جهداً من أجل إنجاح هذه الدورة، وزارةِ الشؤون الثقافية في الجمهورية التونسية، ممثلة بوزيرها الفنان د. محمد زين العابدين، وكلِ الذين عملوا معه ومعنا منذ أكتوبر 2016 وصولاً إلى هذه اللحظة، الذين سهروا  وعملوا، الذين زادونا إيماناً بمشروعنا، ولا بد من شكر العديد من المؤسسات والشخصيات على امتداد الأرض التونسية، الذين فتحوا آفاقاً جديدة للتعاون الذي لن يتوقف عند انتهاء المهرجان، بل يمتد مع كل نَفَسٍ مسرحيِ صاعد إلى ذرى العطاء.

هنا وفي عاشرة المهرجان، ينبض المشهد بدقات القلوب، تنفتح ستائر الروح، وتتوهج أنوار العيون، ونرفع راية السيد النبيل المسرح، لنعلن أن الحياة تزهو هنا، وتمضي للإمام من هنا ، كجدول ماء يشق شريعته، يسقي ويروي تربته ويستنبت الزهر على حوافه، هذا هو مسرحنا، وهنا مداه الجديد في تونس الخضراء.

الليلة نكرم عشرة من اللواتي والذين بذلوا للمسرح في تونس والوطن العربي حنطة أرواحهم، وخمير خبرتهم، ليكون مسرحهم خبزاً على موائد البسطاء، كفرح العيد، الليلة يبادلهم المسرح العربي وفاءً بوفاء، هذه الكوكبة التي اختارتها وزارة الشؤون الثقافية مشكورة، نقف اليوم أمام سيداتها وسادتها بكل التقدير، وكأنما بتكريمهم، نكرم جيلاً كاملاً من المسرحيين في تونس، جيلاً ناضل وليس له مبتغى سوى وجه المسرح واضح القسمات، بيّن النظرات، فصيحَ العبارات والصور، فكان. فكم نحتاج من تكريمٍ لنفي من رحل منهم ومن بقي على قيد الإبداع حقه؟ فها نحن في بلد محمد العقربي، علي بن عياد، وفضيلة خيتمي، سمير العيادي، والمنصف السويسي، وعبد الله رواشد، ورجاء بن عمار، والهادي الزغلامي، وعز الدين قنون، وسعيدة السراي، محسن بن عبد الله، محفوظ سليم، حاتم الغانمي، الحبيب بولعراس، عبد المجيد الأكحل، ، الطيب الوسلاتي، محمد المحظي، منية الورتاني، ويحيى يحيى.

الليلة نقف في حضرة  الذين ما زالوا على سروج خيلهم، من منى نور الدين وزهيرة بن عمار وجليلة بكار ولطيفة القفصي، وناجية الورغي، وليلى الشابي، وفاطمة بن سعيدان، فاضل الجعايبي وتوفيق الجبالي ومحمد إدريس وعيسى حراث وعبد القادر مقداد، وعز الدين المدني، البشير الدريسي ورجاء فرحات وعبد العزيز المحرزي، والفاضل الجزيري، ولن يكفي المقام لذكر العشرات ممن يستحقون الذكر من سيدات وسادة المسرح، لكن دعوني استحضر روح محمود المسعدي لتطل على هذا المشهد الذي يتجسد بحضوركم في الصالة وعلى الخشبة، أنتم يا شباب المسرح التونسي والعربي، يا غدنا وموعدنا..

يا صاحب السُدِ، سلاماً لروحك من مسرحيين شبابا هنا، وعوا قولك، وعرفوا الذئاب التي تلبست دماء البشر فاعارتهم وحشة وظمأ وجوعاً وأنبتت بافواههم أنيابا حديداً، فراحوا ينزفون عطر أرواحهم على منصات المسارح ومطارح الإبداع، يروون ظمأ الإنسان للجمال، وجوعه للحق، فتيةٌ لا يفسدون ولا يهدمون، بل يرتُقون جراح البسطاء بمراهم الحكمة، فتيةٌ معاولٌ للبناء في زمن الخراب، فسلاماً لروحك فيهم يا محمود المسعدي[1].

هذا قد أُذن للمسرح من هنا…

وَرَنَّ نَشِيدُ الْحَيَاةِ الْمُقَـدَّسِ                  في هَيْكَـلٍ حَالِمٍ قَدْ سُـحِر
وَأَعْلَنَ في الْكَوْنِ أَنَّ الطُّمُوحَ              لَهِيبُ الْحَيَـاةِ وَرُوحُ الظَّفَـر

أولم يقل شابيُ تونس ذلك؟       
إِذَا طَمَحَتْ لِلْحَيَاةِ النُّفُوسُ          فَلا بُدَّ أَنْ يَسْتَجِيبَ الْقَـدَرْ.

فدقوا دقات الحياة الثلاث وانطلقو.. هذي الحياة لكم، وهذا مهرجانكم، المسرح مسرحكم، عشتم وعاش المسرح.

إسماعيل عبد الله

الأمين العام للهيئة العربية للمسرح

10 / 1 / 2018

 

رسالة اليوم العربي للمسرح

(10 يناير 2018)

كتبها وألقاها المسرحي السوري

فرحان بلبل

نريد أن تُقفَلَ مخافر الشرطة في عقول المبدعين

 

بداية أشكر مجلس الأمناء في الهيئة العربية للمسرح على اختياره لي لإلقاء كلمة يوم المسرح العربي. وأتمنى أن يتبنى المسرحيون العرب هذا اليوم في كل أقطارهم. فيحتفلون به معاً. ويلقون كلمته معاً. وبذلك يصبح هذا اليوم عربياً بامتياز. فهو فخرٌ للمسرحيين العرب، ونافذةُ ضوء للمستقبل.

وقد عملت في المسرح أكثر من أربعين عاماً. وكان لي فيه مجموعة قواعد سرت عليها طوال هذه المدة. وهي أن يعالج المسرح هموم وقضايا عصره، وأن يتوجه إلى الجمهور العريض في شرائحه كافة، وأن يكون ممتعاً مثيراً فاتناً. ولهذا كانت فرقتنا المسرحية تجوب أنحاء سورية شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، وتقدم المسرحية الواحدة مرات كثيرة كانت تصل أحياناً إلى ثمانين أو مائة مرة. وكما اهتممت بالمسرح السوري فقد اهتممت بالمسرح العربي. فأدركت أكثر خصائصه وميزاته وعيوبه. ووجدت أنه يتنوَّع في أقطاره تنوع الإبداعات الخاصة بكل قطر، ويتمتع بخصائص واحدة رغم كل التباينات والتناقضات فيه. ومن هنا أصل إلى السؤال الأهم الذي يليق بهذا اليوم وهو:

         هل المسرح العربي المعاصر بخير؟

         لقد عرف العرب المسرح – كما هو مُتَداول في كتب النقد – منذ ما يزيد قليلاً عن قرن ونصف قرن. لكنهم خلال هذه المدة القصيرة أتقنوه وتفننوا فيه كتابة وإخراجاً وتمثيلاً، كما أتقنوا بقية أشغاله المتممة له. وما كاد القرن العشرون ينتهي حتى كان المسرح في جميع الأقطار العربية – على تفاوت بسيط بينها – قد توغَّل في حياة الناس. فأمتعهم وثقَّفهم وناقش معهم أخطر قضاياهم. فكانت ليالي العرب مع المسرح سمراً ومتعة وثقافة. وكان له في كل قطر طعوم وألوان. ومدارس واتجاهات. فإذا جمعت هذه الطعوم المختلفة وتلك المدارس المتعددة إلى بعضها البعض، تبين لك أن المسرح العربي صار واحداً من أغنى المسارح في العالم.

         لكنه منذ أواخر القرن العشرين حتى اليوم صار مضطرباً ضائعاً لا يعرف ماذا يجب أن يقول. ويتخبط في أشكاله فلا يعرف كيف يتقنها. وهذا ما جعله عاجزاً عن تأدية مهمته الاجتماعية والفنية والجمالية التي كان يقوم بها. وعجزُه هذا جعل جمهوره منفضاً عنه. فلم يعد يحظى اليوم إلا بنخبة ثقافية أو شبه ثقافية دون أن يحظى بجماهيرية واسعة كانت له في الكثير من مراحله.

         واضطراب المسرح العربي اليوم وضياعه نتيجة حتمية لأوضاع الوطن العربي الذي يعيش اليوم تمزقاً في بعض أقطاره، وتحمحماً مكبوحاً برغبة التغيير الاجتماعي في بعض أقطاره، وضبابيةً في النظرة إلى المستقبل في كل أقطاره. ولعل المسرح السوري اليوم يشكل النموذج الأوضح لكل الاضطراب الناتج عن التمزق. فهو متوقف في بعض مدنه. وهو ضعيف في بعض مدنه. وهو مكبوح مقيد في كل مدنه. فيكاد يكون ممسوح الملامح في تلك الأرض التي دفعت بالمسرح العربي من قبل خطوات إلى الأمام.

         وبهذه المناسبة أتمنى من الشعوب العربية أن تقف مع الشعب السوري في محنته التي ينزف دمَه فيها وهو الذي وقف معها في مِحَنِها. إن لم يكن ذلك بدافع رد الجميل، فبدافع أخوة الدم واللغة والمصير.

         إن هذا الضياع والاضطراب وغموض النظرة إلى المستقبل أوجاع يعاني منها كل المسرحيين العرب. وأظن أنها ستزداد إيلاماً ودفعاً إلى كثير من اليأس والإحباط. 

وهذا يعني أن المسرح العربي ليس بخير.

لكن الضياع والاضطراب وغموض النظرة إلى المستقبل – والحياة تفرض ذلك – ستكون مخاضاً موجعاً وطويلاً لانبثاق عصر مسرحي عربي جديد. وسوف يكون هذا المسرح الجديد شيئاً مختلفاً عما نعرف، ومستفيداً من تجربة المسرح العربي الطويلة في شتى أقطاره مما نعرف. لأنه سوف يستوعبها ويتتلمذ عليها ويعيدها إلينا خلقاً جديداً يدخل بالمسرح العربي في مرحلة جديدة.

إلا أن هذه الولادة الجديدة لن تتحقق مهما طال الزمن إذا لم يكن المسرح العربي حراً في قول ما يريد، وفي انتقاء الأشكال التي يريد.

لقد مكر المسرحيون العرب في الالتفاف على تقييد حرياتهم، وتلاعبوا على الرقيب الصارم في عهود الاستعمار وفي العهود التالية له. فقالوا ما يمكنهم قوله وأبدعوا الإبداع كله بهذا الالتفاف. ورغم مكرهم في التحايل على قيودهم فقد بدؤوا ينادون بالتخلص منها للوصول إلى التمتع بحرية القول والفعل منذ الدورة الأولى لمهرجان دمشق المسرحي عام 1969 وفي دوراته التالية. لكن أحداً لم يستجب لهم. فاستمروا في إبداعهم رغم كل القيود المفروضة عليهم.

فهل سيفيدهم التحايل على الرقابة اليوم وهم بانتظار انبثاق الميلاد المسرحي الجديد؟

يمكننا أن نجزم أنه بعد هذا الانهيار العربي الكاسح لن يكون إجبار المسرحيين العرب على التحايل على الرقابة إلا تحجيماً وإعاقةً لقدرة المسرحي العربي. لأنه سيكون عجزاً وليس إبداعاً. سيكون هروباً ولن يكون مجابهة.

ولهذا.

نريد أن يكون المسرح العربي حراً.

نريد أن تُقفَلَ مخافر الشرطة في عقول المبدعين.

نريد أن تتحطم القيود المفروضة على ألسنة المسرحيين وعلى أفكارهم.

نريد أن يزول الخوف من قلوبهم عندما يفكرون.

 فهل يستطيع المسرحيون العرب اليوم انتزاعها بأنفسهم والدنيا جحيمٌ من حولهم؟

إن هذه المطالب ليست فنية وفكرية فحسب، بل هي إنسانية تحفظ للمسرحي العربي كرامته حتى يستوي بها مبدعاً. وإن المطالبة بها والدفاع عنها والإصرار عليها هي التي تعطي احتفالنا بيوم المسرح العربي قيمته. فهو يوم لحرية التفكير ولحرية المطالبة بكسر كل القيود.

         وكل عام وأنتم بخير.

 

كلمة أ.اسماعيل عبد الله – الأمين العام للهيئة العربية للمسرح

في ختام مهرجان المسرح العربي

الدورة العاشرة (تونس)

10 / 1 / 2018

معالي وزير الشؤون الثقافية د. محمد زين العابدين.

أصحاب المعالي السعادة..

أصحاب المقام من فنانات وفناني المسرح الذين حضروا هنا والذين يتابعون الحدث أينما كانوا

أصحاب المقام الرفيع، جمهورَ المسرح في تونس وفي كل أنحاء المعمورة الذين يتابعوننا من خلال البث المباشر.

أحييكم بتحية المسرح، تحية الحياة، تحية الأمل والعمل.

نتوضاً من ماء قربص، ونيمم شطر قرطاج، نتلو من على مسرحها ديثرامب الحياة، ونحيي قومة المسرح على عتبات الأميرة عليسة التي نجت بالحضارة إلى حضن قرطاج.

طهرانية هذي المساءات التي امتدت من العاشر وحتى السادس عشر من جانفي، يناير، كانون الثاني، نورانية هذه القناديل التي عمرت الفضاءات وشريانات الشوارع فيما بينها بالسعي الحميد، كيف لا وقد جاء المسرحيون إلى تونس، ليعلنوا أن شعار مسرحهم هو (أكون).. ويتركوا لهاملت وكل أبطال التراجيديات الخالدة بقية السؤال والمسألة.

أما بعد، وأما قبل، و أما بين هذا و ذاك، ما بين لحظة البدء و لحظة النهاية، سفر سطرتموه بالمحبة و الإصرار، و هنا اسمحوا لي أن أقف بكل الاحترام، و أوجه الشكر الذي لا كلمات يمكن أن تحمل معناه و عمقه، إلى وزارة الشؤون الثقافية في جمهورية العزةِ تونس، ممثلة بوزيرها الفنان الدكتور محمد زين العابدين، و فريقه المكلف بهذا المهرجان، فرداً فرداً، من المنسق العام إلى المدير الفني إلى الهيئة العليا للمهرجان و اللجان الفنية العاملة أبطال الخفاء من تقنيي المسارح و الفضاءات و  لجان الاستقبال و التنقل على نقاط الحدود برها و جوها، إلى رسل الكلمة و الصورة في المجالين الفكري و الإعلامي، كل هؤلاء عملوا كما لو كانوا يعزفون سيمفونية واحدة خالدة، عناونها، المسرح و تونس صنوان لا ينفصلان.

واسمحوا لي أيضاً أن أوجه التحية لوسائل الصحافة المرئية والمقروءة والمسموعة التونسية التي جعلت هذا الحدث العربي، حدثاً وطنياً بامتياز، وشحته بأجمل وشاح هو وحدة الجسد العربي، وروح جانفي الحرية.

كما أحيي في هذه الوقفة أعضاء لجنة التحكيم الموقرة التي تكرمت بقبول مهمة التحكيم في هذه الدورة الفارقة وصاحب رسالة اليوم العربي للمسرح الفنان الكبير فرحان بلبل.

واسمحوا لي أن انقل لكم باسم الرئيس الأعلى للهيئة العربية للمسرح، صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى لاتحاد الأمارات العربية، حاكم الشارقة، خالص التهنئة لكم جميعاً، بالنجاح الباهر لهذه الدورة الكبيرة كبر نفوسكم، العالية علو هاماتكم.

أيها الجمع الكريم، أنظر من مكاني هذا فأرى الأرض العربية تحضر بكامل بهائها و شموخها، بكامل آمالها و آلامها، و أرى في ملامح مدنها من المحيط إلى الخليج ملامح تاريخنا و حاضرنا و مستقبلنا، و يلتمع وسط هذه الملامح وجه تلك المدينة التي ما فتئت المهج تحج إليها، أرى في عيونكم عيونها، ترنوا إلى غد حر، و امة كريمة، و باسمكم جميعاً أقول لها: لم و لن تغيبي عنا يا أم البدايات و أم النهايات، فعيوننا إليك ترحل كل يوم، و على اسمك نصلي، يا قدس العالم، يا صرة الكون و سره، يا أقرب نقطة بين الأرض والسماء، يا ست العواصم.

لأجلك يا مدينة الصلاة، أعلن دعوتي هذه لكل المسرحيين العرب في كل أصقاع العالم، أن يشرعوا ومن هذه اللحظة، بربط توقيت كل فعالياتهم من ندوات وورشات وعروض بتوقيت القدس، فالساعة الآن هي (….) بتوقيت تونس، (….) بتوقيت القدس، لتكن القدس وقتنا وميعادنا، ولتبق حاضرة في النهج الذي يجمعنا بجمهورنا.

ومن هنا، من تونس الخضراء، تونس الحياة، أحيي باسم الهيئة العربية للمسرح مبادرة المسرحيين المشاركين في هذه الدورة، بدعوة الهيئة العربية للمسرح لعقد ملتقى دولي حول فلسطين والقدس في المسرح، وهو الأمر الذي يشرفنا أن نعمل عليه معاً، ولن نكف عن حلم لقاء المسرحيين العرب على أرضها محررة كريمة.

أيها المسرحيون يا خلاصة العصر والأوان، كنتم فسيفساء المشهد العربي الجديد والمتجدد، تتحلقون حول ناره، وتحلقون بجناحي العلم والثقافة نحو علاه، تعلنون ولادة جديدة لمهرجان المسرح العربي، وتتوجون عشريته ببهائكم، ولنسطر صفحة جديدة في الدورة القادمة بتوقيع قاهرة المعز في أم الدنيا مصر العرب.

هي لحظة الختام، ولكن سأردد صوتنا الذي صدح في 2012:

لا تذهبوا عن المسرح بعيداً، لا تتركوه لبرد الوحشة، لا تتركوه للوحدة، لا تتركوه معتم الجنبات، لا تذهبوا وتتركوه ولو ساعة، فكيف للمرء أن يعيش دون خفقان قلبه؟ دون نبض روحه وعقله؟

لا تتركوا المسرح مستودعَ أسرار الحياة، حتى لا يصبح مستودعاَ لأشياء تثقله وتثقلنا. فها هو السيد النبيل المسرح فاتحاَ ذراعيه لكم دوماً، فامرحوا في أحضانه وشاغبوه وشاكسوه ولاعبوه.. لا تذهبوا بعيداً وتتركوه.

لا تذهبوا عن المسرح بعيدا،ً ليبقى القريب من الناس وتصيرون سادة الرؤى لدى الجموع.

تمسكوا بتلابيبه، ارتدوا جبته، اقرأوا أوراده، ولا تغادروا وِرده، توحدوا في المشهد الكوني، فلا شيء يوحد الكون كما الفنون والمسرح سيدها.

لا تذهبوا بعيداً، لا تتركوه، فنحن كبشر زائلون ويبقى المسرح ما بقيت الحياة.

إسماعيل عبد الله

الأمين العام للهيئة العربية للمسرح

 تونس – يناير 2018