فلانة”.. عائلة عراقية تنتظر حلا لن يأتي من خارجها

المصدر / العرب / نشر محمد سامي موقع الخشبة

مسرحية “فلانة” تدور حول القهر الاجتماعي الذي يمارس من جانبين، جانب يسعى إلى إثبات الأنا الشخصية وجانب مساهم بفعالية في تثبيت هذه الثقافة.

تعرض حاليا في منتدى المسرح التجريبي في دائرة السينما والمسرح ببغداد المسرحية الجديدة “فلانة” للمخرج العراقي حاتم عودة، عن نص لمواطنه هوشنك وزيري ويلعب أدوار البطولة فيها كل من بشرى إسماعيل وألاء نجم وباسل الشبيب وعمر ضياءالدين ونريمان القيسي.

الفنان حاتم عودة في بغداد، حيث قال عن فكرة المسرحية “العرض يدور حول القهر الاجتماعي الذي يمارس من جانبين، جانب يسعى إلى إثبات الأنا الشخصية بكل الوسائل، سواء كانت مقبولة أم غير مقبولة في ممارسة الظلم والقهر على من هو أضعف منه، وهذا القهر له أشكال عدة مثل الحرمان أو الإقصاء أو التهميش الذي يصل إلى الضرب والتعنيف أحيانا، أما الجانب الآخر فهو أيضا مساهم بفعالية في تثبيت هذه الثقافة عبر عدم محاولته القيام بأي تغيير، يخاف من المستقبل، ويعيش حياة كاملة كل شيء فيها يذكره بحرمانه وقهره”.

ومن هناك تفقد العدالة الاجتماعية معانيها، ويوضح عودة “وهكذا هي ‘فلانة’ كما ينادي الأب بناته، دون تمييز بينهنّ، في إشارة ضمنية إلى التغييب والتهميش اللذين يطالانهنّ وسط مجتمع ذكوري صرف، وفلانة هنا متشاركة مع فلانات لا حصر لعددهنّ في مجتمعاتنا الشرقية، وربما نتحدث من خلال هذا عن القهر الذي تمارسه السلطة على الفرد، إذا حاولنا إسقاط ذلك سياسيا”.

يقدم المخرج العراقي حاتم عودة حاليا في العاصمة العراقية بغداد مسرحيته الجديدة “فلانة” التي وضع لها النص الكاتب المسرحي العراقي هوشنك وزيري، “العرب” التقت المخرج والممثل والناقد حاتم عودة، بغية الوقوف على المعالجة الدرامية والفكرية والجمالية والإبداعية للمسرحية

وتدور أحداث المسرحية في إطار اجتماعي عن عائلة عراقية مكونة من أب وأم وعدة بنات، عاشوا ما يقارب العشرين عاما في منزلهم البغدادي ذي الطراز القديم، منقطعين بشكل تام عن أي وسيلة اتصال بالعالم الخارجي المحيط بهم، فتمضي حياتهم بجمود ورتابة عالية، وأيامهم متشابهة جدا في النسق والمضمون من دون أي تغيير.

وتظل ثيمة المسرحية متمثلة في أن هذه العائلة تعيش مشكلة داخلية تنتظر مبادرة لحلها من خارج محيطها البيتوتي الضيق، ومن دون أن يسعى أي طرف من أطرافها الداخلية لإيجاد سبيل للحل إلى أن تمضي السنين دون إحداث أي تغيير بواقعهم.

واعتمد المخرج العراقي في معالجته الدرامية للفكرة التي وضع نصها مواطنه هوشنك وزيري على الإيقاع الحركي، سواء بالشكل العام للعرض سينوغرافيا أو على مستوى الأداء الذي يتبناه الممثلون، حيث يرى في ذلك محاولة منه لتواشج المزاج العام للشخصيات مع الشكل العام للعرض على مستوى الضوء أو المؤثرات أو الديكور.

وعن تخليه عن معالجة مسرحية من إعداده ليتعامل في “فلانة” مع نص ليس له، يقول “هوشنك وزيري كاتب مميز بتناوله للأفكار دراميا، تستهويني طريقته في تناول الحكايات، وبنائه للشخصيات، قرأت له ثلاثة نصوص مكتوبة للمسرح هي: استيلاء وأمكنة إسماعيل وفلانة، وكلها تتسم بحنكة كاتبها”.

وعن فلانة يقول عودة “في فلانة استهوتني الثيمة في بعدها الإنساني، فالنص مفتوح على تأويلات كثيرة ممكن أن تكون إسقاطا سياسيا، بالرغم من أنه حكاية لعائلة عراقية”.

ويعترف عودة أنه يحب التدخل في النصوص المكتوبة، حيث أن كل تدخلاته إن حصلت تصب في صالح الخشبة (أي العرض)، أما النصوص التي لا تتقبل التدخل، فلا يقترب منها إلاّ للقراءة أو الاطلاع، كما حصل له مع نص هوشنك وزيري.

حاتم عودة: المسرح عندي فعل اجتماعي حمال للتفسيرات والإسقاطات
حاتم عودة: المسرح عندي فعل اجتماعي حمال للتفسيرات والإسقاطات 

 

 

 

 

 

 

 

 

وسبق أن أخرج حاتم عودة قبل “فلانة” أربع مسرحيات هي تباعا “وداعا كودو” المأخوذة عن نص لصمويل بيكيت، ومسرحية “رومولوس” المأخوذة عن مسرحية رومولوس العظيم لفردريش دورينمات، ومسرحية “صدى” التي كتبها مجيد حميد الجبوري، ومسرحية “فيلم أبيض وأسود” التي ألفها بالاشتراك مع سمر قحطان.

وتتميز عروض عودة بالحداثوية والتجريبية، وملامسة هموم وأوجاع المواطن العراقي والعربي، وتطلعاته نحو مستقبل سعيد ومشرق ومزدهر بعيدا عن الاستبداد والتبعية والدكتاتورية.

ولأجل ذلك يقول “أعتقد أن المسرح حمال للدلالات والتفسيرات والإسقاطات التي تختلف حسب التلقي، وبالرغم من أنني أفترض أن في مسرحية ‘فلانة’ رسائل عدة يمكن توجيهها، إلاّ أنني أركز جهدي على إبراز ثيمة القهر الاجتماعي الذي يمارسه طرف على آخر في مجتمع واحد”.

وعما يميز عرض “فلانة” عن باقي عروضه السابقة والعروض الأخرى النظيرة عراقيا وعربيا، قال عودة “لا يتعلق التميز بالعرض بقدر ما يتعلق بي شخصيا، بتطور قابليتي، ونضج تجربتي، وتفتح ثقافتي، وتأثري بثقافات وقراءات مختلفة، جعلت قدرتي على إدارة أفكار العروض شكلا ومضمونا، بإحساس أكثر مرونة ووعيا”.

ويؤكد حاتم عودة في ختام  أن بداخله طموحا كي يشكل عرض “فلانة” علامة جديدة، ليس على مستوى تجربته الشخصية فحسب، بل على مستوى التجربة المسرحية العربية عامة، وذلك نتيجة ما احتواه العرض من جرأة في استخدام الإيقاع الحركي بمستوييه الإخراجي والتمثيلي، اللذين يراهن عليهما لإيصال الحكاية إلى مداها جماليا وفكريا.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *