“الخروج إلى المسرح”.. تظاهرة تحتفي بتجارب مسرحية تونسية

واجه المسرح التونسي طيلة فترة جائحة كورونا حالة ركود كبيرة ما تزال تأثيراتها ماثلة إلى اليوم، بينما بدأت الحياة تدب تدريجيا في قطاع المسرح بإنتاج أعمال جديدة لكل منها تصوراته ورؤاه، فيما يحافظ المسرح التونسي على اشتباكه المألوف مع عالم الفكر والسياسة والمجتمع، وهو ما تؤكده عروض تظاهرة “الخروج إلى المسرح”.

تونس – بعد ركود شاب الحركة المسرحية في تونس لنحو عامين جراء جائحة كورونا، بدأت الفعاليات المسرحية تستعيد نشاطها المعهود حيث تعود تظاهرة “الخروج إلى المسرح” في دورة ثالثة يعدها المشرفون عليها “خروجا إلى الحياة” واحتفاء بأبي الفنون ومنتجي المشهد المسرحي التونسي.

وفي الفترة الممتدة من الثامن والعشرين من سبتمبر إلى الثالث من أكتوبر المقبل تبحث التظاهرة في الفعل المسرحي التونسي “الآن وهنا”، هذه الثنائية التي تشكل ملامح تجربة متكاملة، وليدة ظرف صحي عالمي. فالخروج إلى المسرح تظاهرة تجاوزت بعدها الفني لترسم مسارا إنسانيا وفكريا يتحدى الراهن المحبط فكانت دورة أولى سنة 2020 تحت شعار “الصمود في ظل جائحة كوفيد – 19 والخروج إلى الحياة والاحتفاء بها” وحملت الدورة الثانية شعار “الصمود والاحتفاء بالحياة”، وهذا العام تشرع أبواب مسارح مدينة الثقافة الشاذلي القليبي لاستقبال دورة “الخروج إلى الحياة” والانطلاق في رحاب الفن والابداع في حدث يحتفي بأحدث الإنتاجات المسرحية.

“الخروج إلى المسرح” تظاهرة ينظمها قطب المسرح والفنون الركحية بمسرح أوبرا تونس وتفتتح فعالياتها في الثامن والعشرين من سبتمبر الحالي بمسرحية “تائهون” لنزار السعيدي فيما يكون الاختتام بالعرض المسرحي “شريدة” لحسام الغريبي.

الدورة الثالثة من تظاهرة “الخروج إلى المسرح” تقدم ست مسرحيات، يفتتحها المخرج نزار السعيدي بأحدث تجاربه “تائهون”

واختار القائمون على هذه الدورة الثالثة تكريم الفنان القدير محمد قريع صاحب جائزة أحسن ممثل في أسبوع المسرح التونسي سنة 1983.

والفنان المسرحي محمد قريع من مواليد 1956 بالمهدية وكانت بداياته بالمسرح المدرسي وفرق الهواة ويحمل في رصيده مسيرة ثرية ضمن المسرح التونسي ومن أعماله “اشكي للعروي” للمخرج المنجي بن ابراهيم والتي كانت وراء التحاقه بالفرقة المسرحية القارة بالقيروان وذلك إلى جانب قائمة طويلة من المسرحيات على غرار “الكسوة”، “الحجاج بن يوسف”، “المسرحية تستمر”، “الخماس”، “أحذية وثلج” “أولاد الحلال”، “الحصالة”، “شريدة” و”فينيكس”.

ومن بين المخرجين الذين تعامل معهم الممثل محمد قريع السيد العلاني، حسن المؤذن، محسن الخماري، عبدالله رواشد، كمال العلاوي، الهاشمي غشام، الطيب السهيلي وحسام الغريبي.

وتقدم الدورة الثالثة من تظاهرة “الخروج إلى المسرح” ست مسرحيات يفتتحها المخرج نزار السعيدي بأحدث تجاربه “تائهون”، إنتاج شركة فنار عن دراماتورجيا الدكتور عبدالحليم المسعودي. وفي “تائهون”، يحافظ صاحب هذه المسرحية على خياراته الجمالية والفكرية ويبحث في هذا الراهن المحبط عبر قصة فتاة مراهقة تقتل والدتها وتنكل بجثتها ثم تهرب وتحوّل فعلتها إلى مادة على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال إرسالها لفيديوهات وإرساليات.

تتخطى هذه الفاجعة جغرافيتها المحلية وتصبح محل اهتمام العالم والمجتمع الدولي فتتحرك جميع المؤسسات الاجتماعية لتفكيك وفهم ما يحصل، لتصبح “تائهون” سفرا في شخصيات مشوّهة في انكساراتها ومقاومتها للمستجدات.

 

◙ تفكيك لعبة الحياة (مسرحية "ثقوب سوداء")
 تفكيك لعبة الحياة (مسرحية “ثقوب سوداء”)

 

كما تعرض مسرحية “المنفى”، وهي العمل المسرحي الجديد للمخرج نادر بلعيد وإنتاج شركة بيسكاتور للإنتاج والتوزيع، وحكاية المنفى هنا يجسدها ثلاثة محركون يجدون أنفسهم في مكان مجهول بعد اختطافهم مع شخص غريب عنهم فيحاولون التعايش مع وضعيات مختلفة تارة عن طريق الممثل مباشرة وأخرى من خلال العروسة أو أجزائها.

ويكون العرض الثالث من التظاهرة مع تجربة جديدة للمخرج الطاهر عيسى بالعربي وعمله “ضوء” المقتبس من مسرحية روبارتو زوكو لبارنارد ماري كولتاس. و”ضوء” هو قاتل متسلسل يفر من العدالة، ثائرا على العائلة يتقاطع مع طفلة صغيرة تدعى في العمل “الفرخة” فتقع في حبّه، الذي يدمر ويصنع ثائرة في رمزية للمجتمع الكبير، السجن والعنف.

الخروج إلى المسرح تظاهرة تتجاوز بعدها الفني لترسم مسارا إنسانيا وفكريا يتحدى الراهن تحت شعار الخروج إلى الحياة

في اليوم الرابع، يعرض المخرج عماد المي عمله المسرحي الأحدث “ثقوب سوداء” بمسرح الجهات، عن نص “تراجيديا الديوك” لنورالدين الورغي. ويطل في “ثقوب سوداء” جندي في الأربعين من العمر يهرب من الحرب لينجو من الموت فيجد نفسه في مكان مدمّر يدعى قنطرة العشاق وهناك تقع قدمه على لغم مدفون في ذلك المكان. بعد برهة يأتي شخص ثان (فنان) كان يلاحق الجندي ظنا منه أنه سينقذه، لكن يجد نفسه في نفس الموقف: قدمه على لغم. يطلبان من بعضهما المساعدة، يتعرفان، يتعذبان، يتصارعان، وعندما يقرران الموت تأتي امرأة في الخمسين تعرف المكان وتاريخه فتقترح عليهما إعادة بناء القنطرة مقابل إنقاذهما، وفي حالة الرفض تتركهما يواجهان مصيريهما. الجندي والفنان يختلفان فيرفض الجندي بينما يوافق الفنان. يختلفان…يتجادلان وتكتشف روحية (المرأة) أن الشخص الأول هو (بوبياسة) حبيبها الذي تركها وذهب إلى الحرب، تتذكر قصة حبها له لتتعلق به مرة أخرى فتقرر مساعدتهما وإنقاذهما من اللغم.. لكن تجد نفسها فوق لغم هكذا أصبحت لعبة الموت والحياة قابعة تحت قدمي شخوص المسرحية، وكأننا أمام طرح لعبثية الموت وجدلية الحياة والموت.

كما يقدم المخرج رفيق واردة بمسرح الجهات عرض “49 – 49” عن نص لدنيا منصرية، ويتناول العمل حكاية سجين متهم في قضية اختطاف وتحويل وجهة واغتصاب فتاة وقتلها والتنكيل بجثتها صحبة شريك.

وتختتم هذه الدورة الثالثة من تظاهرة “الخروج إلى المسرح” في الثالث من أكتوبر المقبل مع عرض مسرحية “شريدة” للمخرج حسام الغريبي، وتدور أحداثها في مدينة ساحلية أين ورث ثلاث إخوة عن أبيهم سفينة “فاطمة الزهراء”، تغرق السفينة ذات إبحار ويلتقي الإخوة وتبدأ المحاسبة فتنكشف أسرار حياة البحارة ومعنى البحر. “شريدة” هي رحلة سرد عن عوالم البحر وخباياه و”فاطمة الزهراء” سفينة تحملك إلى عوالم الأزرق الغامض وتدعوك إلى الإبحار.

https://alarab.co.uk/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش