المتغير العلامي فـي الخطاب المسرحي – أحمد شرجي

 

أحمد شرجي  – المدى

 

تخضع اللغة عند (رولان بارت Roland Barthes) للنموذج الدوسوسيري، لأنها تشكل الأسس الرئيسة لفهم بنية الحياة الثقافية والاجتماعية لأي مجتمع. فالبنية الاجتماعية والثقافية ممارسة يومية يعتاد عليها الفرد، ومن ثم تصبح الأرضية التي يتعامل بها ، ومن ثم تتجه تمثلاتها في العرض المسرحي . وبالنسبة لبارت تدرس التمثلات الجماعية بدلاً من الواقع الذي تشير إليه كما في علم الاجتماع، وهذا ما نجده في مقاربته البنيوية والسيميولوجية لنظام الموضة أو الأزياء، إذ يحاول اختزال الظواهر الاجتماعية وإرجاعها إلى بيئتها لكونها وظيفة عامة. ويؤكد لنا هذا الاختزال البارتي مفهومنا للعلامات والتي نطلق عليها بـ “العلامات الجيلية و العلامات الترحيلية. ونعرف الجيلية: بأنها العلامات التي تحمل خصوصية الجيل، والعادات، والسلوكات، والتقاليد. أما العلامات الترحيلية: فهي العلامات التي ترحل من جيل إلى جيل، وتحافظ على رسوخها داخل المجتمع، لأنها هوية جيل وعلاماته. وتندرج اللغة ضمن هذا الإطار لكونها سلوكاً يومياً بين الفرد والمجتمع. ومن هذا المنطلق فإن العلامات قد تندثر عند الجيل اللاحق، أو يترحل بعض منها. بينما توحي العلامة عند (رولان بارت ) بثلاث علاقات، تشكل أنماط العلامة وعلاقاتها، وهي:

– علاقة داخلية: توحد بين دالها ومدلولها، وتتضح معالمها من خلال العلاقة الترابطية التي تفرضها طبيعة الدال على المدلول، ولا يمكن لأحدهما العمل بشكل فردي، لأن ذلك معناه تقويض قصدية العلامة.

– علاقة افتراضية: توحد بين العلامة ومخزون محدد من العلامات الأخرى قد تنهل منها بهدف ولوج عوالم الخطاب، وبالتالي تشكل علاقة خارجية.

– علاقة فعلية: وهي توحد بين العلامة وغيرها من العلامات في الخطاب الذي يسبقها أو يعقبها، وهي أيضاً علاقة خارجية.

لا يمكن التسليم بأن دلالة التعيين Denotation يقرأها المتلقي بذات القصدية الثقافية داخل الخطاب المسرحي، إذ يتوقف ذلك على عدّة عوامل، منها: ثقافة متلقي العرض، وثقافة الممثلين، وثقافة النص، وثقافة العرض. فقد لا ينتمي النص إلى ثقافة الممثلين وثقافة المتلقين، والأمر نفسه ينطبق على العرض المسرحي. بمعنى آخر: يتأسس العرض، بوصفه منظومة أنساق علامية، على ثقافته الأصلية التي كُتِب في ضوئها المعجم الدلالي للعرض، غير أننا نجد أنفسنا في الغالب أمام نص غادر زمن كتابته الأولى وهاجر سياقه الثقافي الأصلي. فالخطاب المسرحي يتضمن دلالات متعارف عليها، لكن رغم ذلك، يشوب العلامة المسرحية شيء من الالتباس بسبب الدلالة الحقيقية، إذ “تكتسب العلامة المسرحية حتماً معاني ثانية لدى الجمهور الذي يردها بدوره إلى القيم الاجتماعية والأخلاقية والإيديولوجية المعمول بها داخل الجماعة التي ينتمي إليها المؤدون والمشاهدون”( كير إيلام، سيمياء المسرح والدراما، ص:18). وهذا ما انتبه إليه (بيتر بوغاتريف Petr.Bogatyrev)، حين لاحظ قدرة حامل العلامة على الإشارة إلى ما وراء الدلالة الحقيقية، فضلاً عن الدلالة القصدية بشقيها الثقافي والمسرحي. وهنا يكون الحديث عن مرجعيتين ثقافيتين، هما: مرجعية ثقافة النص المسرحي ومرجعية ثقافة العرض المسرحي. فالمرجعية الأولى ذات ارتباط زمني بعلامات الزي والديكور، ونقصد زمن النص المسرحي الأدبي. وتفسَّر العلامات ¬هنا¬ وفق العلاقة الزمنية المشار إليها، أي وفق الانتماء والظرف الزمنيين. أما المرجعية الثانية فتربط العرض وعلاماته الثقافية بالمتلقي، لأنه المؤوِّل النهائي للعرض المسرحي. وحتى لو كانت العلامات المسرحية ترتبط مع بعضها البعض حسب ما ذهب إليه (بوغاتريف)، فإنها لا تشير ¬لحظة العرض المسرحي¬ إلى العلامة ذاتها التي طرحها النص الأدبي، بل تتحدد علاقتها المباشرة بالمؤول وموروثه الثقافي، من خلال إرجاع العلامات لا إرادياً إلى ثقافته وبيئته الاجتماعية. ولهذا استبدل بوغاتريف الدلالة الحقيقية بمصطلح آخر أطلق عليه: (الدلالة بالتضمن)، وتتمثل في كل عناصر العرض المسرحي. وتحكم العلاقة الجدلية بين الدلالة الحقيقية والدلالة بالتضمن كل مظهر من مظاهر العرض المسرحي، لأن “الديكور وجسد الممثل وحركاته وكلامه يحدد ويتحدد على الدوام عبر تغيّر شبكة من المعاني الأولية والثانوية”( كير إيلام، سيمياء المسرح والدراما، ص:19). وارتباطاً بتعددية الدلالة بالتضمن، تنتج العلامة المسرحية سلسلة من الوحدات الثقافية في العرض المسـرحي، وتكمـن قدرتها التوليدية في اتسـاع الدال بالتضمن، لأنه “مهما بلغت درجة تحديد مؤشرات الدل بالتضمن، فإنها تعتمد على قوة الاتفاقات الدلالية المعمول لها”( نفسه، ص:20). لكن هناك استثناءات، ففي المسرح الإغريقي ومسرح النو والكابوكي، تكون الأنساق العلامية والوحدات الدلالية ثابتة، بحيث يصعب التمييز بين الدلالة الحقيقية والدلالة بالتضمن، بل تختفي دلالة التضمن نهائياً، لأن العرض لا يحيد عن أنساقه العلاماتية المحددة مسبقاً والتي يدركها المتلقي جيداً.

يحدد صناع العرض المسرحي الوحدات الدلالية، بناء على الاتفاقية التي اعتمدت أثناء التداريب، لكن تتغير قصديتها أثناء العرض من متلق إلى آخر، لأن “قابلية المشاهد الحقيقية لإدراك ترتيب ¬ثانوي للمعاني في عملية فك كودات العرض، تعتمد على القيم خارج¬ المسرح والقيم الثقافية العامة التي تحملها بعض المواضيع وضروب الخطاب أو أشكال السلوك”( نفسه، ص:21). وفقاً لذلك، فإن العرض المسرحي “آلة سبرنطيقية” كما يقول رولان بارت، ويضاف إلى قدرة علاماته التوليدية قابلية العلامات على التأويل المستمر. فالعرض المسرحي بوصفه دلالة، بمقدوره توليد العديد من الدلالات التي تعمل بدينامية داخل العرض المسرحي، وتتحول إلى دلالات بالتضمن لكونها تخضع لثقافة المؤول من جهة، وتذعن لمجموعة سلوكات وعقائد دينية واجتماعية وأخلاقية، لأن “عالم التوليد السيميائي هو عالم متحرك. وأن نفترض أن له بنيات لا يعني أبداً أننا نفترض أنه ثابت: إن الأمر يتعلق، على العكس من ذلك، بالتعرف على آليات تغير بنيته”( إيكو ، أمبرتو، العلامة تحليل المفهوم وتاريخه، ص:179).

—————————————————-

المصدر : مجلة الفنون المسرحية 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *