المتنبي مسرحياً.. الأمس واليوم

 27

في افتتاح المهرجان السنوي لقسم الفنون المسرحية بكلية الفنون الجميلة – بغداد ، قدمت مسرحية بعنوان (ساعي بريد الموتى) والمسرحية كما شاهدتها تتحدث عن الشاعر الكبير (ابو الطيب المتنبي) وبشكل لا يليق بتلك الشخصية العربية العظيمة لا من حيث اداء الممثلين المفتعل وبالذات ممثل دور (المتنبي) الذي بدأ متوتراً متشنجاً طوال العرض يدخل الى المسرح ويخرج منه من غير تبرير منطقي ولا فني . وقد خرج في بداية العرض مكفنا في صندوق ابيض قصد به المخرج، وهو الممثل نفسه، القبر. وكنا نلاحظ طوال العرض ان هناك بقعة حمراء اللون صبغت مؤخرته ولا ادري هل كان (فاتك) قد طعن مؤخرته واراده قتيلاً.
لا ادري لماذا لجأ الطالب (مرتضى هادي) الى توليف نص عن جوانب من حياة المتنبي ولم يرجع الى نص كتبه مختص في التأليف المسرحي مثل (عادل كاظم) ، هل كان قصده ان يسقط احداث الماضي على احداث اليوم من بلدنا المظلوم ولكن اين ظهر مثل هذا الاسقاط سمعياً وبصرياً ربما في ايراد جملة عرضية بدت لا علاقة لها بمجرى احداث ذلك العرض المميز. اين هو ساعي البريد الذي عنونت به مسرحيتك يا (مرتضى)؟
يتوهم عدد من المخرجين الشباب هذه الأيام بأنهم يتفوقون على المخرجين العراقيين الرواد لكونهم يستجيبون لمتطلبات العصر او لأن اعمال اولئك المبدعين الفطاحل ومثالهم (ابراهيم جلال) قد عفا عليها الزمن. لا والله لو اعيد عرض مسرحية (ابو الطيب المتنبي) التي ألفها (عادل كاظم) معتمداً في اغلب مشاهدها على اشعار ذلك الشاعر الخالد الذكر ومن اخراج (ابراهيم) لرأيتم كم هي الاسقاطات التي احدثاها – المؤلف والمخرج – على احوالنا في هذا العصر.
انتجت المسرحية من قبل الفرقة القومية للتمثيل عام 1977 وحاول في عرضها المخرج ابراهيم جلال تطبيق مبادئ المسرح الملحمي بالتاكيد على الذروات المتعددة في مسار الاحداث المتصاعد ومحطات مسيرة المتنبي منذ ان كان صبياً ورحلته الطويلة من الكوفة الى صحراء السماوة الى ديار بكر التركية الى حلب السورية الى القاهرة المصرية الى جرش الاردنية وعودته الى بلده ومقتله في أواخر الرحلة تلك . كما حاول المخرج في تعامله مع المجاميع مثل تعامل المخرج الالماني (راينهارت) حيث اعتبر افراد المجموعة وكأنهم فرد واحد يلقون كلامهم بالطريقة نفسها لدى الجميع ويتحركون بشكل متشابه لاعتقاده بانهم يمثلون فكرة واحدة تجمعهم او رأي واحد او موقف واحد.. لم يستخدم المخرج انذاك مناظر مسرحية متعددة ومفخمة بل اكتفي ببعض المفردات الضرورية المساندة مثل جذع نخلة وكرسي يمثل السلطة وتحته ما يشبه السجن حيث اودعه فيه كافور الاخشيدي ولم يستخدم شريطاً سينمائياً مفتعلاً يمثل معارك المتنبي كالذي استخدمه (مرتضى) في عرضه الحديث جداً، بل اكتفى بتصوير حصان جامح ينتقل على الشاشة من جهة اليمين الى جهة اليسار، للدلالة على جموح المتنبي نفسه..
لا اريد ان امتدح اداء الممثلين في عرض الفرقة القومية وكلهم من الدارسين ومن المحترفين والمسلحين تقنياً بشكل جيد ولكن اداءهم كان مقنعاً لجميع من شاهد عروض المسرحية المتعددة سواء في بغداد ام في دمشق ام في تونس.
العجيب ان جميع المسرحيات التي شاركت في مهرجان قسم الفنون المسرحية كانت من تأليف واعداد الطلبة والعجيب ايضا ان ادارة المهرجان قد سمت اعضاء اللجنة العليا واكتفت بذكر اسمائهم في (فولدر) المهرجان ولم يكن احد منهم يعرف بذلك الا عندما قرأ اسمه ولا ادري لماذا شكلت الادارة مثل هذه اللجنة ولم تحدد لها مهمات واضحة ولم تخبر اعضاءها بتلك التسمية . لا يا سادتي ما هكذا تدار المهرجانات.

سامي عبد الحميد

http://www.almadapaper.net/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *