لأول مرة .. ندوة “وسائطية” تناقش اشكالية الكتابة لمسرح الشارع – د. بشار عليوي

لأول مرة .. ندوة “وسائطية” تناقش اشكالية الكتابة لمسرح الشارع – د. بشار عليوي

نظمَ اعضاء موقع مجموعة (ملتقى مسرح الشارع) وبمناسبة الاحتفاء بمناسبة ( يوم المسرح العالمي ) في 27 مارس الماضي ندوةً فكريةً ناقشوا “وسائطياً” عبرَ وسيط “الواتساب” إشكالية الكتابة النصيّة لمسرح الشارع ضمن محورين اثنين هُما ( نُدرة النصوص المكتوبة خصيصاً لمسرح الشارع , وعزوف الكُتاب المسرحيين في العالم العربي عن تأليف النصوص لمسرح الشارع ) هَدفَ المُشاركون في الندوة وهُم عدد من المختصين بمسرح الشارع والفاعلين فيهِ من بلدان العالم العربي الى تجاوزَ النسق الاحتفالي للمُناسبة والتحاور معرفياً عبرَ تبيان ما تُعانيه المُمارسة المسرحية في مسرح الشارع خصوصاً في المشهد المسرحي العربي عموماً , من نقص واضح في عديد النصوص المسرحية المُخصصة لعروض هذا المسرح ولأول مرة تُعقد ندوة فكرية تُناقش اشكالية التأليف المسرحي في مجال مسرح الشارع رُغمَ أهميتهِ وتأثيرهِ المُباشر مع ما يُمكن أن يُحققهُ من أهداف معرفية لانهُ الوحيد الذي يعني أن تذهبَ بالمسرحِ الى الناس حيثما يتواجدوا…

إذ تم وضع آلية للحوار والنقاش داخل الندوة من قبل مسؤول المجموعة الدكتور بشار عليوبي الذي تولى مهمة الإشراف على أعمالها وتضمنتْ الآلية, الترحيب بالأعضاء والتعريف بالندوة وبمحاورها وفسح المجال للمحاورين للمباشرة بأعمال الندوة والنقاش فيما بينهم ومع باقي اعضاء المجموعة على أن تكون المُداخلات من قبل الجميع كـ”رسائل مكتوبة ” فقط وذلك لغرض توثيق نقاشات الندوة ونشرها لاحقاً وتكون فكرة المُداخلة من قبل المُشاركين مُكثفة ومختزلة ودون اعادة وضمن محوري الندوة فقط فيما يكون الفاصل الزمني بين كُل مُداخلة وأُخرى 10 ثواني بُغية فسح المجال للجميع للإطلاع عليها بشكل مريح مِن قبل المُحاور نفسه أو ما بين المُحاورين وبعد انتهاء المُداخلات والمُشاركات والحوارات ما بين المُحاورين ، يقوم مسؤول المجموعة بإعطاء الاشارة لبقية الاعضاء لإبداء مُداخلاتهم حول المساهمات والرؤى التي طرحت وتختتم الندوة بكتابة حوصلة نهائية لأبرز مُخرجاتها واستنتاجاتها الندوة .

أول المُشاركين كان الكاتب المسرحي المصري ابراهيم الحسيني الذي قال : أن كتابة نص مسرحي لفضاء الشارع يتطلب هذا بالضرورة في معظم الأحوال احتواء النص على قضية اجتماعية تهم فئات الناس المختلفة ، سواء كانت مثارة في وقت تقديم العرض إعلامياً ، أو غير مثارة ولكنها حـيـوية لـدرجـة تجـعـلها جذابة ومحط لأنظار الجميع ، فمثل هذه القضية هو ما سيجعل المتفرج يقف تاركاً ما هو ذاهب إليه ليُـعطي لك بعضاً من وقته ، وربما يتتبعك إلى كل الأماكن التي يذهب إليها العرض داخل فضاء الشارع وبالطبع مثل هذا النص لا يشغل نفسه بوجود إرشادات للإضاءة ولا لدخول وخروج الممثلين كما هو في المسرح الأرسطي ؛ فأدوات العرض هنا تختصر نفسها في الممثل بأدواته المختلفة الداخلية والخارجية ونص يتميز بشكل مفتوح / غير مغلق في بنيته ، نص يسمح بوجود مساحات منقوطة داخله مما يتيح للممثل ممارسة الارتجال والاحتكاك مع جمهور الشارع بإيقافه ، والتحدث إليه ، وإشراكه في المشكلة أو القضية التي يطرحها العرض ، فمحاولة التمرد والخروج بالمسرح للشارع لابد وأن تستلزم تمردا موازيا في كتابة النص المسرحي الملائم لذلك عليه ، إذاً هناك خطة أو مشروع لنص مسرحي غير مكتمل يحتوي على قضية هامة أو مُـثارة إعلامياً لها جاذبية عند مناقشتها أمام الجميع ، ويمكن من خلال إثارتها توريط متفرج الشارع بالمشاركة داخل العرض. 

وأضاف الحسيني أن كتابة نص مسرحي يقدم في فضاء مفتوح لمكان أثري يختلف قليلا عن نص مسرحية الشارع من حيث وجود جغرافيا لها ملامح محـددة داخل المكان الأثري يمكن توظيفها عند كتابة النص المسرحي ، وانتفاء وجود مثل هذه الجغرافيا في مسرحية الشارع ؛ فجغرافيا الشارع أجساد المتفرجين ، الرصيف ، أعمدة الإنارة ، البيوت ، … وهذا كله متحرك بالنسبة لتحرك الممثل في حين أن جـغـرافـيا المكان الأثري سواء كان ذلك المكان معبداً قديماً ــ كمعابد الأقصر وأسوان ــ أو بيتاً أثرياً كبيوت زينب خاتون ، الهراوي ، السحيمي بالقاهرة، … أو قلاع كقلعة محمد علي ، قايتباي ، … أو غير ذلك .

أما الباحث المسرحي العراقي الدتور عامر صباح المرزوك , فبدأ مُساهمتهِ بالقول : بداية علينا الاعتراف ان الكثير من المسرحيين العرب لا يزالون لا يعترفون بأهمية مسرح الشارع ودوره وتداوله وانتشاره في أنحاء العالم كافة، وهذا بدوره قد أنعكس على ظاهرة التأليف المسرحي لمسرح الشارع وكتابة نصوص له، وفن الارتجال كان هو المساعد والساند الأكبر لمسرح الشارع في بداياته العربية على الأقل، ومن ثم بدأوا الكتاب يكتبون النصوص التي أيضًا يكون الارتجال جزء كبيراً منها، وعليه لابد من الاهتمام بالتنظر للنص المسرحي والحاجة الملحة له اليوم على وفق انتشار نشاطات مسرح الشارع كعروض ومهرجانات وورش وندوات . وأضافَ الدكتور المرزوك : تكمن اشكالية الكتابة لمسرح الشارع لكونه يقدم في مكان عام ولذلك يكون عرضه لتدخل الجمهور والتفاعل معه دون قيود رسمية وهذا يدفع المشاركين في احيان كثيرة الي الارتجال .

وفي مُساهمتها بالندوة أكدتْ الناقدة والباحثة المسرحية العُمانية الدكتورة عزة القصابي , أن مسرح الشارع  كأي نوع مسرحي يحتاج إلى التنظير ووضع أطر عامة للكتابة وتحديد محاور معينة وهذا التاطير سيحدد الملاح العامة لهذا المسرح كما (والكلام ما زالَ للدكتورة القصابي) سيساعد الجمهور على فهم رسالة العرض . ومن تونس شاركَ فنان مسرح الشارع نزار الكشو الذي قال : بما ان مسرح الشارع هي فرجة حية وعرض الآن وهنا أظن كاتب النص المسرحي يكون مواكبا للفريق او حتى عنصرا من المجموعة حتى يكتبه حسب خصوصيات المكان والزمان والحدث , اعتقد اننا في أمس الحاجة الآن لتعديل بوصلتنا لأركان العرض المسرحي والبحث عن مفردات وتيمات تساهم في بناء المعمار المفهومي لعناصر عرض مسرح الشارع بما فيه الكتابة النصية اللفظية وغير اللفظية وحتى الإيمائية .

وأكدَّ الفنان المسرحي العراقي الدكتور أحمد محمد عبد الأمير في مساهمتهِ , على أن مسرح الشارع يُعاني في كل مكان غربية وعربية فهو واحد نسبيًا مع الفرق البسط ، اَي فقر التقييم والاهتمام كونه من أرخص الفنون تقنيًا ولا يحتاج الى كلفة ادائية وإنتاجية وتقانية ولا يوجد نصوص حسب علمي مكتوبة او مترجمة مخصصة لفن الشارع فالإشكالية واحدة وسبب ذلك يعود لتغير الحياة وتعقدها ونظرة الفنان والشارع لقيمته الفنية . وأضاف الدكتور عبد الأمير أن القضية الاخرى المهمة ان الكتابة لمسرح الشارع خصوصيته أدائية وهو عمل جماعي والكتابة تشمل شرح الحركة والفعل وهذا ينفي أعراف الكتابة التقليدية وخصوصية التأليف الفردي لهذا ارى ان النص المكتوب لمسرح الشارع يجمع ما بين وصف الحركة والفعل وهو اقرب الى وصف (السيناريو) يضاف لها الحوار الجماعي ، يصبح هذا النص يشتمل على (السيناريو والحوار) واقترح (سيناريو مسرح شارع) او (سيناريو دراما الشارع) ويصعب علينا تبني هذا المصطلح لاحتمال اعتراض البعض على اعتباره مصطلحا سينمائياً مع ذلك هو نصا دراميا مكتوبا  للشارع وممكن اقترح ايضا عنوانًا له :(دراما الشارع) .

وكانَ للباحث والفنان المصري حسام مسعد مُساهمةً جاء فيها : أرى أنى الإشكالية التي هي موضوع حديثنا تكمن في إيجاد آلية تسويقيه لنشر هذا المنتج الثقافي التوعوي الذي اقتحم المتلقي المهمش الفقير وناقش قضاياه اليومية لذا إن وجدنا الآلية التسويقيه للنص وعلي غرار ما قام به صناع مسرح الشارع من تسويق لمنتجهم المسرحي بذهابهم للعميل المستهدف «المتلقي»بقصد اشراكه في عرضهم المسرحي حتي يصل هذا المتلقي لغايات دلاليه ذات قيم إنسانية , إنني أرى أن هذه الآليه التسويقيه التي نريدها هي إجراء مسابقات للكتابه النصيه لمسرح الشارع في المهرجانات المختلفه لعروض مسرح الشارع وتشجيع الكتاب الشباب حتي نستطع خلق جيل جديد للكتابة النصيه في مسرح الشارع وإن كنت اميل لفكرة الإرتجال الذي يتم تدوينه كنص أولي . وأشار الفنان العراقي اسو اكرم , أن عروض الشارع تعتمد علی حدث ومشاكل آنیة ، أو تساؤلات فلسفیة لذا علینا ان نعرف ان كتابة نص تكون خطأ للحدث أو المشاكل الآنیة…

وبخصوص تساؤلات فلسفیة او حدث ذا عمق جراحي فی الجسد التأریخي . وكتبَ الفنان العراقي الدكتور كريم خنجر قائلاً : مساهمتي هذهِ جاءت من خلال تجربة عملية في عدة مهرجانات تم تثبيت الملاحظات فيها ارى أن الجسد والوقت والتشكيل الجمالي و الفكرة اهم ما يختص به النص المسرحي للشارع لذا علينا ان نؤكد على تلك الخصوصية , يعد الجسد هو الصفة الظاهرية للإنسان والذي من خلاله يستطيع أن يبث العلامات المشكلة الصورة الخارجية من خلال الفعل , نحن لانرى الشعور الداخلي  للإنسان الا من خلال التمظهرات الفعلية لتشكيل صورة مرئية وتكوينها من خلال أفعال الجسد, إذ يعد الجسد نسقاً  قائماً على أنتاج الأشكال وإنتاج الصور الغير منتهية بالتعبيرات الفعلية والذي يخلق تواصل مع المشاهد من خلال التكوين الصوري الأحداث اليوميةوالتي يقدمها في اللحظة الزمانية,”أن الجسد هو الذي تنقش علية الأحداث نفسها والذي تقتف ي أثارة اللغة, وتقوضه الأفكار.

أما الفنان والكاتب المسرحي العراقي سعد هدابي , فقال : ان العزوف عن الكتابة لمسرح الشارع سببهُ ان المؤلفين ينظرون اليه باعتباره غير ربحي , هذا من جهة ومن جهة اخرى يحتاج مسرح الشارع الى كاتب غير نمطي ولدية الجرأة على نسف القيم  الدرماتيكية الارسطية بمعنى اننا نسعى لصناعة هكذا كاتب وليس استقطاب ممن كتب ويكتب لمسرح العلبة فحسب لذا اقترح  ان نقيم  مسابقات عربية  خاصة  بنصوص مسرح الشارع على وفق مفاهيم   تضعها ادارة المسابقة قبل اقامة مهرجان العروض  لتكوين مكتبة نصية ( بنك نصوص ) خلال هذا العام يسبق ذلك اطلاق بيان بالمفاهيم التي توصلنا فيها الى مقاربات بخصوص مسرح الشارع  وحيثياته  وادوات اشتغاله من خلال بحثنا المتواصل عبر الملتقى فندرة النص في مسرح الشارع لاتعني الشحة انما تعني  صعوبة البحث عن كاتب يستطيع ان ينسلخ من الخطابات المكرورة في مسرح العلبة  ويتناغم مع مفهوم مسرح الشارع .ان الميول المتزايده تجاه فسحة التأكيد على الارتجال تؤدي الى عزوف الكاتب .

وأشار المخرج المسرحي المصري عمرو قابيل في مساهمتهِ الى ضرورة طرح التساؤل عن مواصفات الكتابة لمسرح الشارع كما يجب التفريق بين الكتابة (كعمل أدبي بالأساس) والعرض المسرحي (كعمل فني) سواء كان مسرح شارع أو مسرح حجرة أو مسرح علبة فهل الكاتب المسرحي بالأساس عند كتابته لأي نص يختار نوع المسرح الذي سوف يقدم فيه؟؟

هل كان شكسبير مثلا يتصور أن نصوصه من الممكن أن تقدم داخل قاعات لمسرح الحجرة ؟؟

لذلك فإن رأيي أن الأساس هو الرؤية الفنية لمسرح الشارع وإدراك أهميته وقيمته النوعية والمهارات التي يتطلبها خاصة مهارات التواصل والارتجال وأي نص من الممكن وفقا للرؤية الإخراجية أن يتحول لمسرح شارع , لكن أعتقد (والكلام ما زال لقابيل) أن تراجع الاهتمام بهذا المسرح النوعي الهام، والذي من وجهة نظري يقدم حالة غنية جدا ترتبط ارتباط وثيق بفلسفة المسرح من حيث التحامه الحقيقي والفاعل مع الجمهور يرجع لعدة أسباب منها لها علاقة بالأنظمة الحاكمة في بعض الدول التي تدرك خطورة تأثير هذا المسرح على الجماهير وأيضاً هناك أسباب تتعلق بثقافة المهرجانات العربية الجديدة التي بدأت تتغير، وأصبحت تعتني بالشكل عن المضمون لدرجة أن صارت 90 ٪ من المهرجانات المسرحية نسخة واحده بلا أي تنوع أو خصوصية أو طرح لأفكار واتجاهات ورؤى جديدة ومغايرة فالجرأة ورفع سقف الحريات واقتحام بعض المهرجانات لعوالم أخرى أكثر رحابه وعدم التقليد الأعمى، أظنه سيفتح الباب أمام ارهاصات كثيرة من ضمنها كتابات وتجارب لمسرح الشارع، وأيضا ل (مسرحة الشارع) .

وحددَ الباحث العراقي الدكتور حبيب ظاهر أسباب ندرة نصوص مسرح الشارع بأنها متأتية من كون مسرح الشارع رغم كونه اصيل ويعد هو الجذر الأساسي للمسرح ومنه امتدت ثماره الى عموم العالم وزرعت الونا عديدة من المسارح وأقصد بالجذر هو ثيسبس اليوناني الذي يعرض على عربته في ساحات وشوارع اثينا فنصوص مسرح الشارع تعود الى ان النص يأتي عن ثيمة متفق عليها ويتم الارتجال في محيطها والكاتب المسرحي بجب أن يكون جزء من فريق العمل لغرض التبويب والتنظيم. فالكاتب يفترض ان يتواجد مع الفرقة كما أن مسرح الشارع يقوم على التفاعل، وعليه يحتمل ان تذوب كلمات النص في طيات تفاعل طرفي معادلة التلقي ( المؤدي / المتلقي) ومن جهة أخرى لا اعتقد بوجود ندرة نصوص للفرقة الشارع الفاعلة والمثابرة على التواصل مع الشارع وذلك لان الفرقة ذاتها ستكون منتجة للنصوص . اما أسباب عزوف الكتاب (والكلام مازالَ للدكتور ظاهر) ممكن إيجازها بالاتي :

  • اعتياد الكاتب على البنية التقليدية للنص 
  • قلة الفرق المسرحية التي يمكن ان تتبنى النص 
  • عدم وضوح متطلبات نص مسرح الشارع للكثير من الكتاب من حيث العناصر الدرامية
  • عروض مسرح الشارع تتناول قيم وثيم محلية عادةً مما يجعل النص محايثا لمرحلة زمنية محددة وقد لا يعيش في بيئة أخرى 

وشاركَ أيضاً الكاتب المسرحي العراقي عمار نعمة جابر قائلاً : ربما تمثل الاشتراطات الفنية في النص المكتوب لمسرح الشارع ، العقبة الأساسية في وفرة هكذا نص مسرحي . وكذلك التجربة البكر والحديثة نسبيا في انتشار وتقديم مسرح الشارع في عالمنا العربي . ونسجل أيضا ، كونه لم يدخل في منظومة المؤسسات المسرحية الرسمية ، ولا منظومة المسرح الاكاديمية . كذلك لم يحقق بعد الانتشار الواسع  ، وفوق كل ذلك فالكثير يلحظ أنه تجربة طور التكوين فقط . أن نص مسرح الشارع تجربة لا يحبذ الكتاب الخوض فيها كونها مختلفة ، رغم أنها أقرب للمشهد البسيط ( إسكتج ) منه للنص الكامل . فربما هم لا يجدون فيه كيان تام وقادر على الحركة والبقاء ، بل هو منتج آني محكوم عليه بالفناء والكثير من الكتاب لم يقتربوا كثيرا من تجربة مسرح الشارع ، لذا فهم لم يكتشفوا فيه مكامن القوة ، كون القضية محكومة بالممارسة والمشاهدة والقراءة , يجب تحديد ماهية مسرح الشارع وتعريفاته والياته والضبابية التي تحيط بها ، أبعدت كتاب النص عن الكتابة له ، خوفا من الوقوع في هكذا جدل مقيت .

وكتبَ الناقد المسرحي المصري الدكتور طارق عمار , أن ازمة ندرة النص المكتوب خصيصا لمسرح الشارع ارى انها تنبع فى الاساس من اعتبار الشارع فضاء مسرحى بديل عن العلبة الايطالية وليس فضاءا اصيلا لاحتضان عرض مسرحى تعتمد عروض الشارع على الانية والتفاعلية الى جانب خصوصية الشارع نفسه فشارع ببغداد لن يكون كشارع فى امستردام مثلا هنا يحجم المؤلف عن الكتابة نظرا لاحتياج العرض الى وضع اطار عام للقضية المطروحة واطار خاص يراعى خصوصية الشارع نفسه مما يحرمه فرصة بناء شخصياته واحداثه ارى ان الخطوة الاولى هى التاصيل لدراماتورجيا الشارع كمدخل يصل بنا فى النهاية الى نص يتسم بالمرونة والتفاعلية اللازمين لتقديمه داخل فضاء الشارع كفضاء مسرحى اصيل وليس بديلا عن العلبة . وأشار المخرج والناقد المسرحي العراقي الدكتور ياسر البراك , الى أن عزوف الكاتب المسرحي العربي عن الكتابة لمسرح الشارع – مع استثناءات نادرة – يرتبط بمفهوم الحرية في عالمنا العربي لأن المسرح في بلادنا (مؤسسة رسمية) بما فيها الفرق الاهلية المستقلة التي تحصل على إعانات إنتاجية من بعض الحكومات العربية، ولأن مسرح الشارع نشاط غير رسمي بمعنى انه نشاط متمرد على الفرجة المسرحية المحصورة في القاعات المغلقة ( العلبة ) لذلك يبدو مريبا سواءاً للمؤسسة المسرحية نفسها أو للحكومات المالكة للفضاء العمومي ( الشارع ) لأن واحدة من أهداف مسرح الشارع هو استعادة هذا الفضاء بما يمتلكه من حرية التعبير، فالتعبير عن الرأي في فضاء العلبة سيكون مع جمهور محدود نسبياً أما التعبير عن الرأي في الشارع سيكون مع جمهور أوسع وله صلاحية التدخل في سير الحدث الذي أمامه عبر فعل الارتجال بمعنى ان مسرح الشارع يوفر فرصة القول والفعل للجمهور العام بينما مسرح العلبة لايتوفر فيه ذلك إلا نادراً ، وبما أن الكاتب المسرحي العربي يتساوق في الغالب مع نسق السلطة ( مؤسسة المسرح ) ومركزيتها المهيمنة فهو لايذهب باتجاه ( الهامش ) الذي نعني به فضاء الشارع الخارج عن نسق السلطة وهيمنتها عبر المؤسسة المسرحية .. شكراً لكم جميعاً .

وشاركت الباحثة التونسية ندى نسيم بمُساهمة تمحورت حول أهمية الكتابة للمسرح على المستوى العربي بوصفها كتابة محتشمة تشبعت في البداية بالترجمة والاقتباس من المسرح العالمي..ثم برز القلة من الكتاب المبدعين وظلت أعمالهم خالدة ليومنا هذا..مع بعض الكتابات القليلة جدا في العصر الحديث..ومحاولات كثيرة لهواة ومحترفين تنتهي بانتهاء العرض…وللعزوف أسبابه العديدة , فعوائق الكتابة لمسرح الشارع قد تعود لعدم الاعتراف به كفن في الشارع العربي رغم محاولات ناجحة ومؤثرة في طرح قضاياه وهمومه وكذلك الاختلاف الوارد عادة بين صاحب الفكرة والنص وطريقة الطرح من قبل المخرج…والخوف من الطرح في حد ذاته يعد إشكالا فمن الصعب الكتابة عن الواقع وللواقع رغم سلاسة المسألة وقد تقع في بعض الأحيان عوامل تعيق الكتابة الحرة لمسرح الشارع بضغط من السلطة كمفهوم شامل لعدة أركان: سلطة، مجتمع، دين تظل المسألة مسألة وعي فني بضرورة وقيمة الطرح الفني وكيفية ذلك والغاية منه طالما أن هنالك الرغبة لخوض التجربة .

وأشارَ الباحث المسرحي العراقي الدكتور غنام محمد خضر , الى أن اشكالية الكتابة تتمحور حولَ أن الكاتب المسرحي لا يريد ان يحجم نصه ضمن نوع مسرحي بعينه , وترك تسمية مسرح الشارع على النص المكتوب يعطي دورا اكبر المخرج في تطويع النص وإدخاله ضمن مضمار مسرح الشارع بعد ان يتدخل في حذف بعض الإرشادات المسرحية التي تتعلق بالديكور والفضاء الذي اقترحه المؤلف , كما أن موضوعات مسرح الشارع يجب ان تكون نابعة من هموم الشارع لضمان اوسع للتفاعل معها. وبذلك يتحتم على الكاتب ان يكون اكثر وعياً وهو يخصص مسرحيته لمسرح الشارع لكن هذا التحديد في الموضوعات ايضاً يجعل الكاتب المسرحي امام خيارات قليلة تجاه الموضوعات .

وحدد الفنان المسرحي العُماني ادريس النبهاني رؤيتهِ حول إشكالية الكتابة لمسرح الشارع بما يلي : لربما يرى البعض أن وجود النص المكتوب على مستوى الاشتغال المسرحي لمسرح الشارع يعد حاجز فاصل بينه وبين التفاعل مع المتلقي ومنها فإن الارتجال في صنع المشهدية المسرحية يكون هو الحل بالنسبة للممثل وهذا لربما يولد اشكالية لدى الكتاب بحيث ان الممثل للنص لربما يغيب روح الفكرة المكتوبة بغية خلق تفاعل مع المتلقين وبالتالي يمكن أن يكون هو سبب من الاسباب التي تضاف الى عزوف العديد من بناة الأفكار الكتابية للمسرح من التوجه لكتابة نصوص لمسرح الشارع وهنا لا بد لي ان أشير إلى تجربتنا في السلطنة حول حضور نص مسرح الشارع من خلال المسابقة التي ننظمها ضمن مهرجان الدن الدولي فمن خلال ثلاث دورات سابقة تبين جليا أن هناك شبه أشكالية لدى الكاتب في في طرحه لأي نص خاص بهذا النوع من المسرح حيث نلاحظ التقاطع الواضح في فن الكتابة لمسرح الشارع وباقي النواع من الكتابة الدبية للمسرح.

واكدت الناقدة المسرحية المصرية شيماء توفيق على ضرورة تخصيص مساحة لكل ما يخص مسرح الشارع في إطار الفعاليات الخاصة بالمهرجانات والملتقيات التي تقام في وطننا العربي مستندين على ارضية ثابتة كون مسرح الشارع هو نواة المسرح عموما، وكونه يلقى ترحيب من رجل الشارع العادي , فيما أشار الفنان الموريتاني محمد صلاح شامخ في مُساهمتهِ الى أن اشكالية كتابة مسرح الشارع وندرتها تفتقر أولا لاهتمام العامية ولربما يعود ذلك إلى عدم معرفة هذا النوع من الفن بشكل واضح وأوسع لدى الجمهور المتلقي وهو ما أتفق فيه مع أحد المتدخلين في أنها بحاجة أولا لترويج هذا الفن الراقي لدى الساحة الثقافية بشكل أكبر , كما أن الكتاب المسرحيين في الآونة الأخيرة قد تعودوا على مسرح العلبة أو الفضاء المغلق مما شكل لديهم حد من العزوف الفكري أوما نسميه لدينا في موريتانيا ب (أغداج) على غرار المخرجين ذروة العرض وهو ما ولد لدى المتلقي هذه العدوى .وشهدتْ الندوة مُداخلات لعدد آخر من الفنانين والباحثين العرب منهم الدكتور حسين علي هارف من العراق والدكتور سناء فرح من الجزائر… وآخرين .

د.بشار عليوي – العراق

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …