الممثل ينقذ «النــــوخذة والطبال» ويعمّق غياب «البطولة النسائــــية»

 

 

 

كل شيء على خشبة ندوة الثقافة والعلوم التي تستضيف فعاليات مسرح مهرجان دبي لمسرح الشباب، أول من أمس، كان يحيل إلى «البعد الواحد»، فمخرج عرض «النوخذة والطبال» هو نفسه معدّ النص، وهو أيضاً الممثل الوحيد وسط جوقة انتخب منها واحداً كي يكسر طبيعة العمل المونودرامية، ويضمن حضوراً في الدورة الثامنة للمهرجان، التي لا تحتفي بمسرح المونودراما بالأساس، عبر حوار عابر لم يظهر فيه وجه الأخير.

عرض الفنان المتميز حسن يوسف الذي قدمه باسم جمعية حتا للثقافة والفنون والتراث، عمّق غياب البطولة النسائية على مسرح الشباب، وحتى الدور الثانوي لامرأة قام به رجل «منتقب»، فيما بدا العرض كأن الأولى به مهرجان الفجيرة للمونودراما، لكنه حتى في هذه الحالة كان من المنتظر منه أن يفرغ نفسه تماماً لواحد من خياراته الثلاثة، لاسيما أن يوسف معروف عنه ولعه أيضاً بالسينوغرافيا واهتمامه بوضع لمساته على الاكسسوار.

أحد أكثر الفنانين تتويجاً في المهرجان كان مع موعد أكثر صعوبة من تجاربه السابقة، بدءاً من «عنبر»، مروراً بمسرحية «المسرحية»، ثم «العاصمة»، وهي الصعوبة التي اختارها بنفسه حينما عمد إلى استلهام عمله من مسرحية «الأسير» التي كتبها الدكتور القطري حسن رشيد، ليتكئ على ملامح شخصية «مبارك»، ويترك العديد من الخيارات الأخرى التي لا تتضمن بالضرورة قيامه بإعداد النص، ثم أداء دور مبارك نفسه، بقرار من «المخرج» الذي احتفظ لنفسه برؤيته أيضاً، مكرساً من حضور «البعد الواحد» من جهتين: أولاهما على صعيد البناء الفني بطبيعته الموندرامية، وثانيتهما بتكريس «سلطات» الإبداع في يد واحدة، لا تعود إلا لحسن يوسف مخرجاً وممثلاً ومعداً للنص.

وعلى الرغم من ان ثمة ثنائية في عنوان العمل قد توحي بأننا أمام أكثر من شخصية، فإن المحتوى الدرامي يحيلنا أيضاً إلى أننا أمام «فردية» وراءها حسن يوسف مرة أخرى، فالطبال الذي لا وجود له إلا في مخيلة نوخذة يستعيد لوحات متناثرة من الماضي، هو أبوه الذي رحل، ومن ثم فإن حاضره الوحيد متمثل في ملامحه وأثره في تلك الشخصية.

لم يكن المشاهد امام استعادة حلم بقدر ما كان أمام نبش في ذاكرة نوخذة، استعاد حضور أبيه الطبال أمام مشهد تجذبه تفاصيله إلى الماضي، بدءاً من الحبال المتدلاة من أعلى المسرح، وتربطه كسائر شخصيات الجوقة، كأنها مصائرهم الحتمية، مروراً بالطبلة وطرقه عليها، بعد أن انفتحت الشاشة على صوت جرس بدا كأنه مؤشر لاسترجاع الزمان والمكان معاً.

وما بين مشاهد السخرية من مهنة الأب الطبال، والفخر بقوة الابن النوخذة، تأتي لوحة استعادة الحبيبة محورية في العمل، نظراً لأنها الوحيدة التي تضمنت حواراً متخيلاً، بعد أن انسدل أحد الجموع ليجسد دور شاهيناز، الحبيبة التي رحلت، لكن حتى هذا الحوار الذي أداه راشد عبدالله، بعد أن ارتدى برقع «العروس» لم يضف جديداً في ثنائية الممثل الأوحد والجموع، التي مُسخت وجوهها لتظل بلا ملامح، تكريساً لدورها في خلفية المشهد.

أداء حسن يوسف التمثيلي كان أهم الخيوط التي أبقت المتلقي مشدوداً للعرض، فعلى الرغم من أن العمل كان تقريباً يتطور بشكل أفقي، نظراً لأن البداية كانت ذروة الحدث المسرحي، وهي تلك المرارة التي يخلفها النبش في ذاكرة «النوخذة» وتحول حركته إلى رقصات عشوائية، إلا أنه تماهى مع كل لوحة، وسعى إلى تلوين حضوره، وفق شروط إخراجية ونصية بالغة الصعوبة على أي ممثل.

الممثل هو من أخذ بيد العرض، واحتفظ ببقاء الجماهير في مقاعدهم حتى اللحظة الأخيرة، التي كانت نقطة مضيئة أخرى من النقاط القليلة المضيئة في العمل، من خلال تدافع الطبول على جسد النوخذة المسجى، وسط إظلام تام، في حين جاءت السينوغرافيا محايدة الحضور في العمل، ولم يضف عنصرا الإضاءة والديكور جماليات تخدم السياق الدرامي للعمل بشكل ملحوظ.

حسن يوسف: أنا فرحان

استقبل الفنان حسن يوسف ردود الفعل الناقدة لمسرحية «النوخذة والطبال» بتعقيبه: «أنا فرحان، سعيت أن أتواجد وأسهم في استمرارية ألق مهرجان دبي لمسرح الشباب، ونقدكم هذا دليل على أننا كنا جزءاً مهماً من اهتمامكم».

وصرح يوسف لـ«الإمارات اليوم» بأنه لم يكن يعتزم أن يكون الممثل، لكن الكثيرين اعتذروا، مضيفاً أن «آخرهم اعتذر قبل العرض بأسبوعين فقط».

وتابع «أدخلت تعديلات متتالية على النص، مراعاة لأن العديد من طاقم المسرحية يقوم بالتمثيل على الخشبة لأول مرة، وأقدمهم رصيده التمثيلي عملان فقط».

ونفى حسن ما تردد عن كونها المشاركة الأخيرة له في المهرجان، نظراً لبلوغه سن 35 عاماً، مضيفاً «عمري لايزال 32 عاماً».

حميد المهري: الاستهلال رائع

 

أشاد الفنان الشاب حميد المهري، الذي قدم مع زميله طلال محمود عرضاً سريعاً للجمهور في مسرح الارتجال، باستهلال مسرحية «النوخذة والطبال»، لكنه أشار إلى أن تفاصيل العرض بعد ذلك هبطت بإيقاع المتابعة، مضيفاً: «شعرت بعد ذلك أنني أمام عرض مدرسي».

وأضاف: «أعلم الأداء الاستثنائي التمثيلي لحسن يوسف، لكنني أظن أنه أخطأ في اختيار النص، على الرغم من المجهود المبذول في الإعداد».

ممنوع الصعود إلى الخشبة

يبدو أن عروض المسرح المحلي مع موعد للتخلص من ظاهرة صعود الحضور إلى الخشبة لتهنئة الممثلين بعد العرض، فبعد تنويهات لرئيس اللجنة المنظمة لمهرجان دبي لمسرح الشباب ياسر القرقاوي، بعدم الصعود إلى الخشبة بعد العرض، التزم الجميع بالتنويه.

وقال القرقاوي، إن اقتحام المتلقي سواء كان مسرحياً أو من الجمهور خشبة الممثلين يعد تعدياً على المساحة الخاصة بالممثلين أنفسهم، وقد يكون غير مقبول لديهم، لأنهم في تلك اللحظة خلعوا عباءات شخصياتهم المؤداة، كما أن الأمر يتعلق بشكل مباشر بقواعد الأمن والسلامة، في ظل وجود معدات إضاءة وقطع ديكور قد تسبب ضرراً للصاعدين إلى خشبة المسرح.

وأضاف: «من المهم أن نرسخ تقاليد المسرح العالمي الإيجابية المرتبطة بالمشاهدة أيضاً، وفي كل دورة من دورات المهرجان سنسعى إلى تصحيح بعض الظواهر، فإفراغ المسرح مرتبط بالالتزام بموعد الندوة التطبيقية».

والتزم مهرجان دبي لمسرح الشباب باقتراح أحد الحضور بأن الحل يكمن في إسدال ستارة المسرح فور انتهاء العرض، وهو ما تم تطبيقه بالفعل أول من أمس.

حافظ أمان: البطولة للتمثيل

 

اعتبر الفنان القدير حافظ أمان، الذي لايزال العديد من شباب المسرح ينهل من خبرته ودعمه لأعمالهم، أن الأداء التمثيلي لحسن يوسف كان محل الإجادة المطلقة لمسرحية «النوخذة والطبال».

أمان الذي أثنى كثيراً على أداء حسن يوسف، أبدى إعجابه أيضاً بالموسيقى وفكرة المزج بين الموسيقى المسجلة والأخرى الحية التي عزفت على المسرح، مشيراً إلى أنها كانت محطة مهمة للممثل والجمهور معاً الذي التحم بسببها مع السياق النفسي للبطل.

عبدالله صالح: لا وجود لـ «السوبر مان»

قال الفنان عبدالله صالح، إنه كان يجب على حسن يوسف أن يكتفي بالتمثيل ويركز طاقته فيه، بدلاً من أن يشتت مجهوده بين إعداد النص والإخراج، مبيناً أن «حسن يوسف ممثل من الطراز الأول، لكنه سعى لأن يصنع كل شيء بمفرده».

وأضاف: «لم ألحظ ابتعاداً كبيراً عن نص حسن رشيد، والرغبة في المنافسة أثرت كثيراً في اختيارات حسن يوسف الذي أبهرنا جميعاً بأدائه على خشبة المهرجان نفسها في دورات سابقة».

 

محمد عبدالمقصود ـــ دبي

http://www.emaratalyoum.com/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *