التجربة المسرحية مغامرة واعية بالنسبة لي…سامر عمران: لا مشكلة في منهاج قسم التمثيل مع وجود بعض الأخطاء البسيطة فقط

 

 

 

(الجسد… الفراغ) هي الأطروحة التي نال فيها الدكتوراه من الدرجة الأولى… أدخل مادّة (فنّ الإيماء التقليدي) للمنهج الدراسي للمعهد العالي للفنون المسرحيّة… ودرّس مواد الحركة فيه، وكان رئيساً لقسم التمثيل وبعدها عميداً للمعهد بين عامي 2000 – 2006 وأيضاً من عام 2012 إلى يومنا هذا…

صاحب مسرحيّة «المهاجران» وقائمة طويلة من العروض كان آخرها «خارج السيطرة»… كانت هذه بعض المقتطفات السريعة من رحلة سنوات اجتهاد وتعب في مسيرة المخرج الفنان سامر عمران، إذّ لا تسعنا كلمات التقديم من جمع كلّ ما قدّمه في عالم الفنّ والمسرح، وبلاد الغربة، والتدريس والإدارة.
■ يشير البعض إلى المنهج المُدرس في المعهد العالي للفنون المسرحيّة بعدم كفاءته، خاصّة في قسم التمثيل، فبماذا تجيب؟
لدينا خمسة أقسام في المعهد العالي للفنون المسرحية هي: (التقنيات المسرحيّة، الدراسات المسرحيّة، الرقص، التصميم، والتمثيل والنقد المسرحي) ولكلّ قسم مما سبق منهاجه الخاصّ؛ فيما يخصّ قسم التقنيات المسرحيّة والتكنولوجيا أقول بأنّ هناك مشكلة فعلاً في المنهاج، وأعني قسميّ الإضاءة والصوت، وأنا شخصياً أتساءل عن الجدوى من افتتاح مثل هذه الأقسام! (فلست من افتتح القسم) إذّ يجب أنّ تكون مناهجها متطوّرة مع مرور الزمن، وتحديث المنهاج مسألة ضرورية هنا.
أمّا في قسم الدراسات المسرحيّة فالمنهاج صارم وواضح جداً، والخلل فيه قليل، والقسم كونه يحوي بحوثاً نظرية بما يقارب 85 – 90 % منه، يتضح الهدف منه أكثر، في حين أنّ الجانب العملي التجريبي المتبقي يرتبط فقط في الدراماتورجيا، والمختبر المسرحي، وتحليل النصّ…وغيرها.
نأتي لقسم الرقصّ وأتصور نسبيّاً أنّ المنهاج إيجابي، لكن مفهوم الرقص في بلدنا لم يكتمل حتى يومنا هذا، إذّ لا تقاليد في هذا الشأن، ومؤخراً نحاول إيجاد مفهوم للحركة والإيماءات الجسديّة وربطها مع مبادئ ومفاهيم البيئة والمنطقة، وهذا يعدّ مشروعاً مهماً وطويل الأمد وسيأخذ وقتاً طويلاً حتى يتبيّن بنتائجه، وعلينا أنّ نلاحظ أنّ خريجي رقص الباليه لدينا هم منافسون على صعيد عالمي.
في التصميم المسرحي وهو قسم حديث العهد، وعمره عشر سنوات، منهاجه واضح، وممتاز، ومستوى طلابه عالٍ جداً، ولكن تكمن مشكلتهم في أنّ خبرتهم وتطبيقها على أرض الواقع مسألة صعبة.
ونأتي لقسم التمثيل ففيه منهاج واضح جداً، لكن هناك إشكالاً في تطبيقه، فمنهاج التمثيل هو علم نسبي فيه الكثير من التحول حسب تطور الإنسان، فما يبدو للعين صحيحاً اليوم قد يكون غير صحيح غداً، والعملية التجريبيّة فيه خلاقة، فهو منهاج قوي ومباشر فيه آلية بحث دائمة، وهناك مرونة وحيويّة وخضوع للبحث اليومي، وفي الحقيقة يعتمد كلّ ذلك على أمرين اثنين هما مرونة الأستاذ ومرونة دفعة الطلاب فردياً وهوية الصف بالكامل، ويتحتم علينا دراسة العلاقة بين الأستاذ والطلاب، فأستاذ التمثيل من جانب هو نادر لأنه يمتلك عناصر مميزة، ومن جانب آخر العلاقة مع الطالب حساسة جداً ولا سيما أنّ هناك تعاملاً مع الذاكرة والعواطف والشخصية…إلخ فالممثل لديه بوح دائم، وهو كائن مختلف فعلاً. وهنا تتولد علاقة استثنائية بين الأستاذ والطالب تخدم تطوير قدرات الطالب وتنميتها، لكن بالعودة لموضوع المنهاج فهو صارم وقوي وفي نفس الوقت متغيّر نتيجة خصوصيّة المادّة الفنيّة الخلاقة، وأنا أرى أنّه لا مشكلة فيه كمنهاج مع وجود بعض الأخطاء البسيطة فقط.
■ لماذا لم يستقطب المعهد العالي للفنون المسرحيّة ذوي الخبرات منذ فترة؟
ليس لدينا خبراء فعلاً؛ على حين كان لا يمر عام دون وجود خبيرين فأكثر، وذلك في كلّ الأقسام، لكن في فترة الأزمة التي يتعرض لها الوطن نعاني من نقص شديد في مسألة الخبراء، وبالتالي هناك قوة قاهرة مفروضة علينا وبسببها لا يمكن توجيه اللوم إلى أيّ جهة أو شخص.
■ يُصقل خريج المعهد مسرحيّاً ويأتي التلفزيون ليسحبه بسهولة… مع حنين الفنان للمسرح ألا يمكن الاهتداء لحلّ ينصفه؟
لا أوافق على هذه الفكرة فالممثل ليس فقط على المسرح بل هو ممثل في كلّ المجالات، لكن مهمة المعهد تقديم المحترف فقط وهو غير مسؤول عن ميدان العمل، ولكن إذا ساهم المعهد في إيجاد الحلول فهذا مهم جداً، ولكن لماذا لا يحدث؟ السبب هنا أنّ المعهد مؤسسة تعليميّة وليست إنتاجيّة على الرغم من تقديمه لعروض احترافيّة توازي وتفوق عروض المديريّة أحياناً، لقد قلت سابقاً بأنّه لو كان هناك رغبة لدى الحكومة بأنّ يكون لدينا مسرح أو سينما حقيقيّة لكان ذلك قد أُنجز، ولدي دلائل على هذا الشيء، فمشكلتنا هي مشكلة قوانين وعلاقة مع فنان وهذا الأمر، قديم فلا تتاح فرصة له، وبالتالي سنبقى هواة. الأمر يحتاج إلى اهتمام وتطوير في مستوى الأجور وإعطاء الفنّان هامشاً من الحريّة، ولكن اليوم لسنا بصدد هذه المسألة ونحن تحت وطأة الأزمة المارّة على الوطن. لكن بالأصل الأمر يحتاج إلى قرار سياسي حتى يتطور الفنّ لدينا، ففي عام 2008 كانت دمشق عاصمة للثقافة العربية وكان هناك جهود حثيثة لإنجاح الاحتفالية، وتمّ إيجاد حلول باتخاذ قرار لخلق قوانين، وإيجاد حلول لقوانين قديمة، وكانت النتيجة مذهلة، وعلى صعيد شخصي قدّمت عرض (المهاجران) وكلّ ما طلبته تمّ تنفيذه مالياً، ونفسياً، وأخلاقياً، وكلّ المجالات، وضمن هذه المعايير الممتازة التي قُدمت لي سعيت بكلّ جهودي لإنجاح العمل، فكان تحدياً نتائجه الإيجابية فاقت السلبيات بمراحل. في تلك الفترة أيضاً (2008) طبعت قصائد شعريّة للشباب، ونشرت مسرحيّات وقصص قصيرة وروايات، وأقيمت معارض فنيّة وعروض سينما قصيرة وطويلة، وتجارب شبابية، وعرضت مسرحيّات وحفلات…إلخ بالتالي كان هناك حراك ثقافي حقيقي، ولو استمر الحال فالحراك سيرتقي بالأفضل، لكن مع انتهاء الاحتفالية انتهت القوانين معها، وعدنا للقديمة بل ولأسوأ منها، فإذاً الحلّ واضح.
■ أين مشروع (فنّ الإيماء) اليوم، وقد اختصصت وتفردت به؟
الإيماء فنّ معقد جداً، وعلم قائم بحدّ ذاته، وقد أدخلت مادّة ( فنّ الإيماء التقليدي) عام 1998 في منهاج الدراسة في المعهد العالي للفنون المسرحيّة، وبعدها قدّمت عرضاً إيمائياً بعنوان (صمت) وكان عرضاً ناجحاً وغريباً، وبدأت بإرساء قواعد لدى الجمهور والفنانين للارتقاء بالمسألة مع مرور الوقت، ولكن فجأة يتمّ أخذ الفكرة من أحدهم ليقدّمها بصورة مشوّهة، ومع الشباب نفسه الذين قدّموا عرض صمت، بالتالي سبب لي الأمر نفوراً من المسألة كلّها، وتزامن ذلك مع رغبتي في تكوين فرقة مسرحيّة تهتم بهذا النوع من الفنّ، فقدمت طلبي لإدارة المعهد ذاته ببرنامج كامل وخطة عمل وأسماء الأعضاء، ومرّت الشهور وتأجلت الخطوة أكثر مما ساهم في إلغاء المسألة، ولكن اليوم أفكر جدّيّاً في إعادة إحياء المسألة فقد كان الأمر مشروعي الأهمّ لكنه يتطلب تفرغاً وميزانية غير متوافرة الآن.
■ العلاقة مع المسرحي الكبير فواز الساجر، كيف تصفها لنا؟
هو أوّل من علّمني كيف أتعلم، وهو من منحني المفاتيح لأتعلم من كثيرين بعده، ففي المدارس وعلى مدى اثني عشر عاماً لم أتعلم حقيقة ولا أذكر نفسي إلا شارداً على مقاعد الدراسة، أمّا في المعهد العالي للفنون المسرحيّة فقد شعرت لأوّل مرّة أنني أتعلّم فكان ذلك على يدّ الأستاذ الموهوب فواز الساجر.
■ تميّزت برؤية الفضاء المسرحي وكسر التقليد المتبع بمشاركة الجمهور، هل الغاية إيجاد شكل جديد؟
التجربة المسرحية مغامرة واعية بالنسبة لي واندفاعاتها واعية، وليست غايتي اختيار مكان بديل المسرح بل هو وسيلة بدليل أنني أخرجت عروضاً على المسرح ككلّ المخرجين، ولكن أسلوب وغاية العرض والمبدأ من معناه هو ما يفرض عليّ البحث عن الشكل دون النظر لعدد الحضور، فالمهم أن يكون المكان مبتكراً وحقيقياً ومؤثراً ففي مسرحيّة (المهاجران) تمّ العرض في ملجأ وكان يحتمل 27 متفرجاً إلا أنّ الحضور فاق الرقم بكثير بين جالس وواقف، وليس عدد الجمهور هو من يعطي قيمة للعرض. وفي عرض (العميان) خرج الممثلون من نهر بردى وجعلت الناس تشارك بالعرض فأدخلت الخشبة بينهم، وفي عرض (الأرامل) اخترت البوفيه مكاناً للعرض، وأنا ازداد قناعة يومياً بأنّ الجمهور جزء مهم من العرض لا بدّ من مشاركته ولا أفضل بقاءه متلقياً بل مؤثراً.
■ ما آخر نشاطاتك في الساحة الفنية؟
سينمائياً كان لي دور في فيلم (أربع دقائق للفردوس) مع المخرج (محمد عبد العزيز) وإنتاج المؤسسة العامة للسينما، وفي المسرح بالإضافة لتقديم عرضي رماد البنفسج وخارج السيطرة أفكر اليوم في مشروع أنماط للمسرح القومي، وأقوم باختيار عدد من النصوص المسرحيّة لمشاريع مستقبليّة قادمة، أما على صعيد التلفزيون فقد شاركت في مسلسل (القربان) وهو من إخراج (علاء الدين كوكش) وإنتاج مؤسسة الإنتاج التلفزيوني.
عامر فؤاد عامر
http://www.alwatan.sy/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *