المسرح والطقس

 

 

 

يمكن تعريف (الطقس) على انه (ممارسة وجدانية لفئة من بني البشر بواسطة أداء جسماني وصوتي هدفه التوحيد الروحي) ويمكن تعريف (الطقس الديني) على انه (ممارسة وجدانية لفئة من بني البشر بواسطة أداء جسماني و صوتي والتوحيد الروحي بهدف التقرب الى القوى العليا التي تتحكم بمصائرهم والرجاء منها بأن تعمم الخير وتبعد الشر).
ومنذ الثمانينات من القرن العشرين كان لممارسة أنظمة الأنثروبولوجيا وتركيزها على الإثنوغرافيات وهي الأنثروبولوجيا الوصفية في التسجيلات الخاصة بالطقوس و الدراسات المسرحية وللاهتمام النظري بالعرض والأداء، تطبيقاتها لصعوبة الفصل بين أساليب الطقس عن أساليب العرض المسرحي. حاول الدارسون في دراستهم لحقل العرض بوجه خاص تأسيس اطار نظري لتأثيرات الطقس في المنظور الثقافي المتبادل وفي ذات الوقت آخذين بنظر الاعتبار الترديد الواسع للطقس في الانتاجات المسرحية وشبه المسرحية ومرد هذا التطور راجع الى العمل الانضباطي المتبادل لمفكرين اثنين :
الأول: هو عالم الأنثروبولوجيا (فيكتور تيرنر) الذي طبق مفاهيم الدراما في العمليات الطقسية والتي تستذكر وتجدد او تعالج بنى و أزمات الواقع الاجتماعي.
الثاني: هو الناقد والمخرج (ريجارد ششنر) الذي استكشف الطقوس غير الأوروبية والممارسات المسرحية وادخلها في عمله النظري والتطبيقي. كانت مساهماتها بالتعاون تستجيب للتنظير لأصول المسرح من قبل (معهد كامبرج للانثروبولوجيا)، وبالدرجة الاولى (جين هاريسون) و (غيلبرت موراي) و فرانسيس كورنفورد) الذين افترضوا اشتقاق (التراجيدي) من ممارسة التضحية الاغريقية الاولى و (الكوميديا) من المعربدين المحتفلين بالإله (ديونيسوس) وعبادته الغامضة. وقد اكدت طريقتهم الجينية والخاصة بسلسلة النسب بأن المسرح قد استقى من الميدان الديني بطريقة الحدث الناشئ وهو الرأي الأكثر تأثيراً في القرن العشرين وواجه اخيرا معارضة نتيجة المقارنة الجينية بين المسرح والطقس حيث رأى احدهم ان الفعل الاجتماعي تنمذح وفقاً للعنصر الشكلي لما هو ادائي، وهي نظرة موجودة في رأي (بريخت) عن (مسرح كل يوم) وتوسعت من قبل (ايرفنغ هوفمان) الى نظرية اجتماعية.
لايمكن التشابه بين الطقس والمسرح في الجوانب الشكلية فقط ، حيث ان نظريات انثروبولوجية حالية قد افترضت بأن (الطقس) يحمل صفة قوة التأثير في الاتصال الرمزي. وعلى وفق هذه النظرة فإن ماهو ادائي يمتلك خصال ماهو تقليدي وماهو مستنسخ وماهو مكرر، ويمتلك ايضا قوة تأسيس واعادة تأسيس الواقع. وعند الاستعارة من نظريات (فعل الخطاب) لاوستن وجون سيرل فقد ادعى بعض المعلقين بأن ماهو ادائي يمكن ان يكون قوة تحويلية قادرة على تأسيس الواقع وتغييره وهي فكرة تسري على ماهو طقسي وماهو مسرحي. تقليدياً فأن العروض المسرحية يفترض كونها تفعل فعلها ضمن الاطار المفاهيمي للتظاهر لواقع مفترض اي (لو كان الواقع هكذا) في حين يشتغل (الطقس) بطريقة لها مؤثراتها الفعلية في الواقع المعاشي. وحيث ان كليهما يخضع للتمارين وللتقديم فإن التمييز بين العروض المسرحية و الأفعال الطقسية إلزامي ومع ذلك تبقى اهمية بعض الفوارق. التغيير الحاصل في مفهوم الممثل والمتفرج مثلا، يعتمد على التوقعات والتواصل التي بواسطتها نقترب من العرض. وكما في المسرح البرجوازي الاعتيادي، فان الممثلين والمتفرجين يتوقعون ابتداع وتحصيل تسليمه من الحدث.
 يتبع

سامي عبد الحميد

http://www.almadapaper.net/


شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *