مسرحية «حروب» الحرب أغنية حزينة النغم..نخشاها ونعانقها/ بقلم مفيدة خليل

المصدر/ المغرب/ محمد سامي موقع الخشبة

شتات وموت، خوف ورجاء، حب ولقاء، ابتعاد واغتراب، غربة نفسية وأخرى جسدية سواد يملأ الروح وآهة تسكنها ووجيعة تفتت القلب وتعتصره الما على حال بلد دمرته الفتنة، الفتنة انثى مغرية مثيرة نحبها ونخشاها، كذلك الحرب هل نحبها؟ ولماذا نحب الحرب؟ هل من سبب يدفعك

لقتل اخيك فقط لاختلافه عنك؟ هل هناك قوة ألاهية تدفعك لانتهاك ارضك وعرضك فقط لإرضاء غرور ذاتي لا تعرف كنهه ولا أسمه ؟لماذا الحرب؟ الى متى؟ اسئلة طرحها ابراهيم حنون في مسرحية حروب التي قدمت ضمن فعاليات ايام قرطاج المسرحية .

 

«حروب» هي عنوان للوجع العراقي، موال حزين ابدي يسكن النفس ويجعلها تتألم كلما جلست لوحدها، «حروب» قدم في قاعة «الريو» عمل لم يتجاوز الساعة ولكن به الكثير من التكثيف اختصر فيه المخرج قرنا كاملا من الحروب و الانقسامات معتمدا على اداء الممثلين سعد محسن وأحمد طعمة وفلاح عبود ومرتضى حنيص ومجموعة أخرى من الشباب العراقي والتونسي، وموسيقى لحكمت البيضاني مع سينوغرافيا جد مميزة تعتمد اساسا على الصورة .

وما بين حرب وحرب..نحارب الحرب
سواد يسود المكان، الكل يلبس الأسود الضوء مقسم الى ثلاثة مربعات كبرى، وكأنها كناية عن دويلات صغيرة داخل الوطن الواحد، فوضى على الركح، الكل يلهث، الكل يجري، الكل يضحك، الكل يبكي الكل يهتف باسم الوطن، ولكن اي وطن هذا؟ هل وطن ما قبل 1980؟ ام وطن ما قبل حرب الخليج؟ ام وطن ما بعد الاحتلال العراقي؟ ام وطن ما بعد ازمة 2011 والتفجيرات المتكررة؟ سؤال يطرحه احد الشخصيات وهو يصارع شيئا خفيا ربما قاتل ملثما مجهولا.

السؤال الاساسي في «حروب» لماذا تحب الحرب؟ حوار بين عراقيين، اول ابن العاصمة شاب مقاتل ينتمي الى جيش الولايات المتحدة الامريكية، والثاني شيخ من المقاتلين ولكنه ليس ابن العاصمة يطرح السؤال نفسه لماذا تحب الحرب؟ ومع طرح السؤال يصبح الضوء اكثر حدة والأصوات في الخلف اكثر انينا ونشيجا وكأنه صوت اليتامى والثكالى.

من جانبي تخرج شخصو هي مقنعة بزنارين احمر واسود، كناية عن السنة والشيعة، يقيدان الشاب والكهل، يقتربان ويتحدثان وكانهما يغنيان والمصدح شبيه بالكأس المليئة بالدم، دم الأبرياء الذين قتلوا فقط لأنهم ابناء بلد سكنته لعنة الرافدين، ومن الخلف يخرج رجل عجوز ويصرخ قائلا « المقاتل من اجل الحرية، المقاتل من اجل المال، من اجل السلطة، من اجل الاستيلاء على البلد» ومع نهاية قولته ينطفئ الضوء وتتحرر القيود وتسقط كمية من الاحذية وسط الركح كما بقايا الاجساد وأشلائها بعد عملية تفجيرية استهدفت تجمع سكانيا.

في «حروب» حضر التكثيف والترميز، صور شعرية مكثّفة طيلة الـ 55دقيقة مدة العمل، صور شعرية ومشاهد اختزلت قرنا من الحروب والدمار، اداء الممثلين كان مميزا، بوجوههم حكوا حكايات وجيعة شعب يعاني الحرب والخوف والترهيب، شعب يخاف الاخ أخاه فربما ينتمي الى طائفة لا تمثله هو.

للحرب صورتها، على الركح، لباس اسود، موال حزين كذاك الذي تغنيه الجدات في وحدتهن، موسيقى تفتت الروح وتقصم القلب، حركة وسرعة على الركح في اداء النص وكأنهم يهربون من خطر داهم، صوت الكراسي المحمولة حين تغلق وكأنه صوت لانفجار، ملابسهم السوداء واقنعتهم التي لبسوها طيلة العرض جميعها توحي بالحرب وتتحدث عن الحرب.

و قد مزج المخرج ابراهيم حنون في هذا العرض بين التشخيص والتقديم مستفيدا من تجارب سابقة شخصية وعالمية وهي محاولة لصنع خلطة جمالية من التعبير الجسدي – الخارجي والتعبير الجواني – الروحي.
الممثل في العرض والمتلقي عند حنون هما شريكان في هذا العرض يكمل أحدهما الاخر من أجل الوصول في النهاية إلى إعادة إنتاج الوعي عند المتلقي عبر حثه على التفكير بما يجري أمامه من حوادث.
إن المخرج ابراهيم حنون يراهن في هذا العرض على تفكيك العلاقة بين الظالم والمظلوم وبين المسحوق والمتجبر كما كتب الاستاذ طه رشيد مدير دائرة السينما والمسرح في وزارة الثقافة العراقية.

الحياة مسرحية…القتل فيها حقيقي
«كان احنا ممثلين، انتو كتاب السيناريو ومنتجي حياتنا البشعة» هكذا يقول احدهم لابن وطنه الذي قاتله باسم طائفة اخرى حين اتهمه بالتمثيل في حب الوطن .
بين مسرحة الواقع والحياة الممسرحة روابط كثيرة قدم ابراهيم حنون جزء منها في مسرحيته «حروب» فعلى الركح نشاهد صراعات متكررة وكانها «برايف» لعمل مسرحي جديد، الكل يجتمع يتخاصم ويحمل سلاحه معتقدا انه سيغيّر كما الممثلين حين يختصمون ويحملون النصوص لإضافة بعض المقاطع.

تتواصل الحكايات عن الحروب والمسرح، ففي احد المشاهد يقف مجموعة ممن الممثلين امام احدهم يخاطبهم كقائد منتصر « بلغني انكم جد مستعدون للانجاز فعل الإبادة اريدها ابادة جماعية تشبه العرض المسرحي، عرض حي ومتكرر» .
فالحياة حسب ما نفهمه من مسرحية حروب مسرحية حية متواصلة، مشاهد التقتيل و المجازر فيها حاضرة ابدا ، اداء اصحاب الادوار المجنونة الذين يقتلون ويغتصبون حاضره أبدا ، موسيقى البكاء وصوت النحيب كذلك، فالحياة مسرحية دموية بامتياز في وطن دمرته الصراعات، مسرحية لخصت قرنا من الحروب والصراعات

«هذا المكان الذي نسميه مسرحا يتسع لكل فرضيات الكون ويستجمع كل اللحظات..فحاولت أن أقدم تسلل المؤسسة العسكرية في صنع القرار واستعباد الحالة المدنية وعسكرتها على حساب حقوق الانسان! حاولت ملامسة كل التاريخ العراقي بحروبه واشكالاته عبر استخدام الأغنية وبث الحالات العراقية المتمثلة بالهوية والتركيز على اصرار هذا الشعب مثل كل شعوب الأرض على صنع حياته والحفاظ على مفاصل الجمال والإبداع ..وهذا ما تلمسه أكثر النقاد الذين سنحت لهم الفرصة مشاهدة العمل».
هذا العمل المسرحي « حروب « لم يظهر إلا نتيجة تمرين طويل وورشة وازاحات مستمرة وتهديم وبناء جمالى على حضور واضح تجسد في عمل المجاميع التي تساهم بالعرض». على حد تعبير المخرج ابراهيم حنون..

«يا ابن وطني…لمَ المحاسبة؟»
يتغير المشهد، يبقى فقط ممثلان اثنان، الشيخ والشاب، يتناقشان عن سبب انتماء الشاب الى جيش الولايات المتحدة الامريكية فيجيبه وفي الخلفية صورة لمثلين يجرون و يتسابقون ، حركة سريعة اعتمدت على تقنية ضوئية عالية و سينوغرافيا اساسها الصورة فابراهيم حنون من تلامذة صلاح القصبي «الذي قام بثورة حقيقية في المسرح العراقي، ثورة في الصورة والمشهدية والجمالية» كما صرح ابراهيم حنون.

فيجيبه سافرت «لان هنا الكل يجري؟، ولا حد يوصل، الكل يحكي ولا حد يسمع» ثم تظهر الشخوص ترفع اياديها وشفاهها تتحرك بصمت ويقول الممثل «الكل يهتف باسم الوطن نموت نموت ويحيا الوطن وكلها شعارات» كلمة يصفق لها جمهور قاعة الريو فكل الدول العربية تعيش على الشعارات والأقوال وليس العراق وحدها.

على الركح تحضر المساءلة والمحاسبة سؤال عن انتماءات الماضي، فالكل يلبس القميص والكل يقبل الايادي ويتناول المسبحة وتقول الشخصيات الر ئيسية «يمكن تحتفظ بصورة في بيتك، صورة منسية» في اشارة الى ا لانتماء او الموالاة للصدام حسين، البطل الذي كنا نراه قدوة ونحن نشاهد التلفاز دون معرفة حقيقة أوجاع مواطني العراق وسكانه، المحاسبة تتبدل معها الاقنعة وكاننا بالمخرج يريد ان يقول «كفى محاسبة ابناء وطني، كفى فرقة فوحدة العراق افضل من محاسبة ابنائه وتهجيرهم وتعذيبهم».

على الركح يطرح السؤال هل يمكن البناء من جديد؟ هل يمكن فسخ كل متراكمات الحروب وتحويل كل شيء الى عراق ؟ سؤال يتبعه موال حزين، فالأغنية التراثية صاحبت العرض وكانّنا بالمخرج يستنجد بذاكرة القدامى تلك الذاكرة الحية أبدا ذاكرة توقظهم دوما لحماية

الوطن من خطر الفتنة والفرقة والطائفية
مسرحية حروب مسرحية ناطقة باوجاع العراقيين، اخر المشاهد يحمل لافتة سوداء كبيرة كتب عليها 1980، 1981، 1991، 2003، 2006، وتواريخ اخرى كانت ماضي العراق وحاضره تاريخ مزروع بشوك الحب والدم، وجيعة وحده اب الفنون قادر على معالجتها والتعبير عنها دون خوف، حروب مسرحية تحدث وبلغة سينوغرافية ومسرحية مميزة عن جرح لازال ينزف طائفية وفتنة فرقة جرح اسمه «العراق».

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *