المليجي.. أنتوني كوين الشرق الذي رحل وهو يجسد مشهد الموت

 

 

 

” كنا رجالة ووقفنا وقفة رجالة ” و “كلمة حلوة نقولها، صحافي يلقط مننا لمحة لطيفة، قاضي تفلت منه كلمة شجاعة أهي تنفيسة للكل، زمن يبرروا فيه أنهم يرموا البومب على دماغ ناس ملهومش دعوة بالحرب خالص، وعايزني أكسبها “، جمل مطبوعة في أذهان المشاهد المصري والعربي، من فيلمين اعتبرهما النقاد من أهم أفلام شرير السينما المصرية وأنتوني كوين الشرق محمود المليجي.

السيدة زينب
ولد الفنان محمود المليجي 1910 بحي المغربلين في القاهرة، عاش فيها طفولته وانتقل إلى حي السيدة زينب، واعتبر المليجي هذه الأحياء الشعبية هي التي صقلت في نفسه حبه للفن، حيث شاهد فيها الفرق المسرحية المتنقلة والتي كانت تعرض روايات عالمية من منظورها الخاص، فشعر بروح فنية لأناس يحاولون الوصول إلى حلمهم وإرضاءً لأنفسهم.

تحدث المليجي كثيرا عن الحارة الشعبية التي نشأ فيها في حي السيدة زينب، وكيف كان يتسم أهلها بالشهامة وحب الخير والسؤال عن الجار والوقوف إلى جواره في الأزمات، وحكى المليجي عن موقف تعرض خلاله لأزمة مالية طويلة منعته من دفع أجرة البيت الذي يسكن فيه ووالدته لمدة طويلة ما دفع صاحب البيت للحجز على بيت المليجي، وعندما علم أهل الحارة بما حدث جمع الجيران وأصحاب المحال أموالهم لسداد دين المليجي.

بداية المشوار
بدأ المليجي مشواره الفني عام 1933، وكانت البداية من خلال دراسته في المدرسة الخديوية التي عُرف عنها اهتمامها بالفن وبالمسرح المدرسي، فالتحق بفرقة التمثيل، وأثناء تقديمه لدور “ميكلوبين” من إحدى روايات تشارلز ديكنز، شاهدته الفنانة فاطمة رشدي وظنته في البداية ممثل محترف ولكنها عرفت أنه طالب بالمدرسة فدعته للانضمام إلى فرقتها المسرحية، على أن يكون راتبه 4 جنيهات فقط.

تنقل المليجي بين الفرق المسرحية كثيرا فانضم إلى فرقة رمسيس، كما عمل في مسرح جورج أبيض، وفرقة إسماعيل ياسين، وفرقة تحية كاريوكا، وفرقة المتحدين، وكان أول من قدمه في أدوار الشر الفنان يوسف وهبي في رواية “حدث ذات يوم”، وبعدها اختاره بدر وإبراهيم لاما لتقديم فيلم عن رواية “مجنون ليلى” وكان العمل السينمائي الأول له، ثم وقف أمام أم كلثوم في أولى أفلامها في فيلم “وداد”.

الشرير
لعبت الملامح الخارجية الحادة للمليجي دور في إسناد أدوار الشر إليه فكان كما يقول على نفسه تسند إليه أدوار المجرم بالسليقة، رغم طيبته التي لا ينكرها أحد في الواقع، وكان لنجاحه وبراعته في أداء هذه لشخصيات دور في استسهال المخرجين فحصروه في أدوار الشر، والتي حاول التمرد عليها ليثبت أنه ممثل متنوع وقادر على أداء ما لا يستطيع غيره القيام به.

اعتبر المليجي أن تجربته الحقيقية في عالم الفن تأتي من خلال المسرح، حيث قدم أهم أدواره، رغم اعترافه بأن السينما هي التي تحقق انتشار الفنان، وكان يرى في المرحلة الأخيرة من عمره أن السينما “خلصت” أو على وشك الانتهاء، وأرجع السبب إلى تعنت الرقابة في الموضوعات التي يتناولها المخرجين، حيث كان لا يُسمح بانتقاد المجتمع والتركيز على عيوبه، فاضطر المخرجون إلى جعل قصص أفلامهم تقع في مرحلة ما قبل ثورة يوليو، فيرتدي الفنان الطربوش الطويل والياقة المنشية، حسب تعبيره، ما أدى لابتعاد الأفلام عن مشاكل الواقع، كما عاب على مؤسسة السينما عدم قيامها بتقديم أفلام تحكي بطولات المصريين ونضالهم.

الأرض
قدم المليجي أدوارا كوميدية وأدوار تتسم بالطيبة لدرجة السذاجة، ومن أشهر أفلامه فيلم “الأرض” مع المخرج يوسف شاهين، والذي أعاد اكتشاف المليجي عندما اسند إليه دور محمد أبو سويلم.

ويروي المليجي كيف كان هناك من يعترض على إسناد هذه الشخصية الطيبة له، ورأى كثيرون أن المليجي يصلح لآداء الدور الشرير في الفيلم والذي آداه الفنان عبد الرحمن الخميسي، لكن شاهين أصر على اختياره للمليجي، فأبهر الجميع بآدائه خاصة عندما أصر على تصوير مشهد سحله بنفسه ورفض الاستعانة بدوبلير، فأدى مشهد من أروع ما يكون، وهو مشهد تشبث محمد أبو سويلم بأرضه وبجذوره، أثناء “جره” على الأرض.

ثنائيات
كون المليجي مع الفنان فريد شوقي ثنائي فني، نتج عنه عشرات الأفلام، ولعب المليجي دور في تقديم شوقي وترشيحه لعدد من الأفلام، فكان يرفض بعض الأفلام التي تُعرض عليه لعلمه أنها ستذهب لشوقي كبديل له.

وحول نقاط التشابه التي تجمعه وشوقي قال “نتشابه في أننا مجرمين، ونختلف أن فريد مجرم بالصدفة، أما أنا فمجرم بالسليقة”، مشيرا إلى أن فريد نقطة ضعفه الخوف من الدم حيث كان يتظاهر بالشجاعة، وهو ما كان يُقال أيضا على المليجي حيث كان يخاف من خياله.

كما تعاون المليجي مع المخرج العالمي يوسف شاهين في العديد من الأفلام من بينها “الأرض”، “الناصر صلاح الدين”، “حدوتة مصرية”، عودة الابن الضال”، “الاختيار”، “إسكندية ليه”.

علوية جميل
تزوج المليجي من الفنانة علوية جميل حيث ارتبط بها عام 1939 واستمر زواجهما حتى رحيله، حيث كان يحترمها ويخشى من غضبها، ولكنه تزوج عليها مرتين الأولى من ممثلة مسرحية كانت في فرقة إسماعيل ياسين وعلمت علوية بالزواج فطلبت منه أن يطلق هذه الممثلة ورضخ المليجي لإرادتها.

كما ارتبط المليجي بالفنانة الكبيرة سناء يونس وظل هذا الزواج سرا حتى بعد وفاته حيث أبت سناء أن تفشي السر خوفا على مشاعر علوية التي ظلت على قيد الحياة بعد وفاة زوجها لما يزيد عن عشر سنوات.

قصة الرحيل
في لقاء تليفزيوني حكى المخرج هاني لاشين قصة وفاة المليجي خلال تصويره لفيلم “أيوب”، قائلا “أثناء تحضير الفنانين للمشهد ووضع الماكياج قبل التصوير جلسنا نشرب القهوة، وبدأ الفصل الأخير في حياة المليجي في اللحظة دي، فوجدته يتحدث إلى عمر الشريف بيقولوا يا أخي الحياة دي غريبة جدا الواحد ينام ويصحى وينام ويصحى وينام ويصحى وينام ويشخر، ومال برأسه على كتفه، ونظر إليه الجميع منبهرين بهذا التمثيل، ونام وشخر وبدأنا نضحك، وقال له عمر ايه يا محمود خلاص”، واكتشف الجميع أنه مات وهو يؤدي مشهد الموت.

رحل المليجي عن عالمنا عام 1983 عن عمر ناهز 73 بعد مشوار فني كبير أثرى خلاله الفن وتحديدا السينما المصرية بعدد كبير من الأفلام تجاوزت الـ 300 فيلم، ووصل مجمل أعماله الفنية أكثر من 700 عمل سينمائي وتليفزيوني وإذاعي ومسرحي، من بينها “الأم القاتلة”، “العرافة”، “الملاك الظالم”، “المجرم”، “الأيام”، “القط الأسود”، “مسيلمة الكذاب”.

 

 

كتبت- منى الموجي:

http://beta.masrawy.com/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *