مسرح سلطان . . التاريخ ينبهنا إلى مخاطر الراهن

 

تحت رعاية وحضور صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، والشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، تطلق وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع مساء اليوم، فعاليات الدورة الثالثة عشرة من مهرجان المسرح الخليجي للفرق الأهلية بمشاركة 9 عروض مسرحية، تضم ستة عروض داخل المسابقة الرسمية إضافة إلى ثلاثة عروض إماراتية على هامش المهرجان .

ويكرم المهرجان خلال حفل الافتتاح صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة باعتباره شخصية العام المسرحية على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، تقديراً لتاريخه الطويل مع المسرح تأليفا ودعماً ورعاية ومساندة للحركة المسرحية على المستوى المحلي والخليجي والعربي، وذلك على خشبة مسرح قصر الثقافة في الشارقة ويستمر المهرجان حتى السبت الموافق 24 من مايو/أيار الجاري، ويحضر المهرجان عدد كبير من قيادات الدولة والوزارة ورجال الفن والثقافة بالإمارات ودول مجلس التعاون والدول العربية .
وقال وليد الزعابي مدير إدارة التراث والفنون في وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع ومنسق عام المهرجان: إن مهرجان المسرح الخليجي أصبح من العلامات البارزة في تاريخ المسرح في الوطن العربي، وحقق الكثير على مستوى التعارف والتواصل والتعاون بين المسرحيين الخليجيين، لذا يحرص الجميع على استمرارية ونجاح المهرجان .
وأضاف الزعابي أن المهرجان هذا العام يتشرف بتكريم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة باعتباره شخصية العام المسرحية على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، تقديراً لاسهاماته الكبيرة في رفعة وتطور المسرح الإماراتي بوجه خاص والخليج بشكل عام تأليفاً ورعاية ودعماً . 
منذ مسرحية عودة هولاكو 1998 وحتى مسرحية طورغوت 2012 اعتمد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة استراتيجية اتخاذ الحدث التاريخي متنا حكائيا يبني عليه مسرحياته، ليصنع عن طريقه صورة تمثيلية للواقع الحاضر، فالأحداث التاريخية فيها من العبر ما يصلح للإنسان في كل زمان ومكان، والحكم والتجارب الإنسانية تمتاز بالثبات رغم اختلاف الأحداث والظروف، ويبلغ تأثيرها في الإنسان ما تبلغه الأحداث الراهنة .
يعود صاحب السمو حاكم الشارقة في مسرحية “عودة هولاكو” إلى الأحداث التي سبقت لحظة سقوط بغداد، والواقع الذي كانت تعيشه الخلافة العباسية آنذاك، حيث أدت السياسة المتخبطة وتكاثر الوصوليين والخونة، وتحكمهم في مفاصل الدولة، واستبعاد الرجال الصادقين الحريصين على الخلافة إلى سقوط الخلافة العباسية في عام 1258ه على يد القائد المغولي هولاكو، وأبرزت المسرحية الدور الذي لعبته المقاومة الحقيقية للغازي الغاشم .
أما مسرحية “القضية” في عام ،2000 فتدور في الأندلس، وترصد بداية عصر الدويلات، وما كان بين ملوك الطوائف من خلافات وحروب أدت إلى تفتت قوتهم، وفتحت الباب للعدو لكي يتسرب بينهم، ويعمل إذكاء الفتنة ما عجل بسقوط غرناطة رمز الوجود الإسلامي في الأندلس، وتسليم عبد الله الصغير مفاتيح قصر الحمراء للإسبان وخروجه منه ذليلاً مقهورا .
وفي مسرحية الواقع “صورة طبق الأصل” في عام 2001 يصور صاحب السمو حاكم الشارقة أحداث سقوط القدس ثم استردادها على يد القائد البطل صلاح الدين الأيوبي، وكيف وحد الجيش تحت إمرته وهب الناس لمناصرته، وفي ذلك إشارة مباشرة إلى أن الحال الذي نعيشه في هذا العصر، من احتلال لأرض فلسطين ليس حالة نهائية، ولن يدوم، فقد سقطت المدينة من قبل واستعدناها، واليوم علينا أن نتوحد ونتحرك للنضال من أجلها، وفيها أيضا بعد تحريضي على مقاومة العدو ومواجهته، وأنه لا بديل عن الوحدة إذا أردنا تحرير الأرض العربية .
واستعرض سموه في مسرحية “النمرود” في عام 2008 حياة واحد من مشاهير الطغاة في التاريخ، هو النمرود الذي حكم بابل قديما، وأقام ملكه على التجبر والقتل .
أما في مسرحية “طورغوت” في عام 2012 وهي آخر مسرحياته يتناول صاحب السمو حاكم الشارقة فترة ضعف الممالك الإسلامية في شمال إفريقيا، أثناء حكم الأمير محمد بن حسين الحفصي لتونس، الذي انشغل بملذاته ولهوه عن تصريف شؤون الحكم، وتنظيم الدولة، فضعفت دولته، وتجرأ عليها الإسبان فاحتلوا الكثير من مناطق شمال إفريقيا، وأصبحوا يهددون المسلمين هناك، فكان أن انبرى لهم قائد تركي عقد أمره على الدفاع عن بيضة الإسلام .

ولنا في تكريمكم نصيب

اليوم يكرم مهرجان المسرح الخليجي في دورته الثالثة عشرة، رمزاً من رموز الإبداع ورائداً من رواد المسرح وعلماً من أعلام الفكر والثقافة والمعرفة .
اليوم يكرم المهرجان الحاكم الحكيم والأب الحاني، ومرخص الغالي والنفيس في سبيل النهضة الفكرية، والرقي الفني والإبداعي في هذا الوطن الغالي – على وجه الخصوص والتحديد – وفي باقي أقطار خليجنا الأغر، وأمتنا العربية المجيدة .
اليوم يكرم المهرجان سلطان المسرح والثقافة في قاعة قصر الثقافة وعبر مشهد مسرحي مهيب، وأمام كوكبة من رواد ورموز المسرح في الخليج والوطن العربي، وصفوة من الإعلاميين والمهتمين بشؤون الفكر والثقافة وحشد من جمهور مسرحنا المحلي .
يأتي هذا التكريم الذي يصادف أهله ويذهب إلى من يستحقه بكل جدارة واقتدار، ليؤكد للقاصي والداني بأن العطاء غير المنضوب والرعاية الأبوية التي يوليها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي للمسرح والمسرحيين، إنما هي محل التقدير والاعتزاز والعرفان، وموضع الإشادة والإكبار والتبجيل، ولو كان المقام يسمح بذكر جميع مآثر وعطاءات ومكرمات هذا الحاكم الجليل لمسرحنا المحلي والعربي لما ترددنا في ذلك – وبكل فخر واعتزاز- ولكن في هذه العجالة والمساحة الضيقة، يكفي أن نقول: إن المسرح العربي من أقصاه إلى أقصاه، إنما يتنفس من خلال تلك الرئة التي محلها وموقعها إمارة الشارقة الحبيبة، ونقصد بذلك الهيئة العربية للمسرح، تلك المظلة الجامعة التي أسسها وأنشأها سلطان المسرح في الشارقة منذ أعوام عدة، وقدم لها كل أشكال الدعم والرعاية والتوجيه، لتبقى – على الدوام – حاضنة الإبداع والمبدعين العرب، ومستودع أعمالهم وتجاربهم وأفكارهم ورؤاهم النيرة، التي تمهد الطريق وتوصلهم إلى قمم المجد والتألق، في عالم سريع الإيقاع والخطى نحو الرفعة والسمو .
من هذا المنطلق فإن تكريم سموه اليوم، إنما يمثل وفاء أبنائه المسرحيين له واعتزازهم الكبير بدوره الرائد وعطائه الذي لا يعادله عطاء، ولعلّ إيمان سموه بدور المسرح ورسالته الخالدة في الحياة، تمثل في مقولته الشهيرة التي أصبحت شعاراً لكل المسرحيين العرب، منذ أن أطلقها سموه في باريس من خلال كلمته في الاحتفال باليوم العالمي للمسرح عام 2007 “نحن كبشر زائلون، ويبقى المسرح ما بقيت الحياة” .
وإذا كان من حق المسرحيين في الدولة، والدول العربية الشقيقة أن يعبروا عن سعادتهم الغامرة وفرحتهم بهذا التكريم، فإن تلك السعادة والفرحة سوف تتضاعف – بالضرورة – عند أعضاء وأبناء مسرح الشارقة الوطني لتصل إلى ذروتها، كيف لا، وهم ينظرون بعيون التقدير والاعتزاز إلى تكريم سموه في هذا المحفل المسرحي الخليجي، على أنه تكريم لفرقتهم ومنجز تاريخي لمسيرتهم الإبداعية التي مر عليها نحو أربعين سنة .
لقد تشرف مسرح الشارقة الوطني منذ عام ،1998 وهو العام الذي تم فيه اختيار الشارقة عاصمة للثقافة العربية، بإنتاج الروائع المسرحية الخالدة، التي كتبها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي وعرضها في افتتاحيات دورات أيام الشارقة المسرحية، وفي عدد من الأقطار العربية والأجنبية الأخرى، بدءاً بأولى مسرحيات سموه وهي “عودة هولاكو” ومروراً بمسرحيات “القضية – الواقع صورة طبق الأصل- الاسكندر الأكبر- النمرود – وانتهاء بمسرحية الحجر الأسود” .
من هنا كان لتكريم سموه في مهرجان المسرح الخليجي الثالث عشر هنا في الشارقة نكهة أخرى والثقافة مغايرة عند أعضاء مسرح الشارقة الوطني، والذين توجوا مسيرتهم المسرحية وزينوها بأعمال سموه المسرحية الخالدة، وبذلك صار لهم نصيب في هذا التكريم، فما أروعه وأغلاه من نصيب .
وعند الحديث عن أحقية تكريم رائد المسرح في الدولة، والاعتراف بفضله الكبير وعطائه اللامحدود، علينا ألا نغفل التاريخ البعيد لجهوده المتواصلة في مجال المسرح، إذ لابد من العودة والإشارة إلى الجذور الأولى والمحاولات المبكرة في مراحل الطفولة والشباب، التي تمثلت في الانخراط في المسرح المدرسي في منتصف خمسينات القرن المنصرم في رحاب مدرسة القاسمية، مع عدد من الأصدقاء والزملاء الأوائل، نذكر منهم، المغفور لهما بإذن الله تعالى، تريم عمران تريم، ومحمد حمد الشامسي، وغيرهما ممن كانوا على مقاعد الدراسة مع سموه الكريم، ويذكر التاريخ أيضاً مواقف سموه المبدئية والقومية من المستعمر البغيض، عبر مسرحيته “وكلاء صهيون” التي أغضب من خلالها المعتمد البريطاني في المنطقة، وهو لم يزل طالباً في مراحل الدراسة الأولى .
حاكم في قامة سلطان ومسرحي في قامة سلطان، ومفكر موسوعي في قامة سلطان – وقبل ذلك وبعده- إنسان في قامة سلطان، لا بد وأن ترفع له الأكف في يوم تكريمه بالدعاء المستجاب – بإذن الله تعالى – بأن يحفظه الباري ويرعاه ويمتعه بموفور الصحة وتمام العافية .
شكراً لمهرجان المسرح الخليجي والقائمين عليه، أن شرفنا بهذا التكريم وبروعة هذا الاحتفاء بحاكمنا المفدى، ومنحنا الفرصة للتعبير عن صدق مشاعرنا وكبير اعتزازنا .

 

محمد ولد محمد سالم:

http://www.alkhaleej.ae/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *