مسرحية‮ »‬انت هو‮« ‬لفرقة مسرح أنفاس بالرباط متاهة الألغاز المفجعة

رقصة جسد مذبوح، في منزل / سجن كبير يتوسطه باب لايفتح أبدا، يكثف العزلة التي تجتاح الروح، رقصة مليئة بالغضب والأنين وبالإنهيار، تسير متعبة. تجلس كأن الهواء الذي تتنفسه يجرحها. تخيط الألم أو تلهو بالخيط الدقيق من قلبها إلى يدها المرتعشة.

هكذا يبدأ العمل المسرحي »أنت هو« المقتبس عن مسرحية »العذراء والموت«، للكاتب التشيلي أرييل دورفمان، والتي تروي قصة باولينا، إمرأة تشيلية طالبة بالجامعة في عهد حكم بينوشيه، تم اعتقالها وتعذيبها واغتصابها في السجن، لتفاجأ يوما ما بسماع صوت الطبيب الذي عذبها، يوجد ببيتها مع زوجها.، لتقرر الانتقام منه وجعله يعترف بجرائمه التي إقترفها.
مسرحية »أنت هو« حاولت إسقاط مرحلة حكم بينوشيه، بمرحلة سنوات الرصاص في المغرب، واستطاعت الممثلة »مريم الزعيمي« التي شخصت دور ليلى/ باولينا، أن تجسد المعاناة بشكل كبير، مع جلادها »محمد الشوبي« الذي تقمض الدور بروعة، وساهم في إنجاح المسرحية التي عرفت عدة مشاكل على مستوى الإيقاع، وأخرى تقنية (الانارة، الموسيقى والإلقاء). لكن العمل يبقى كبيرا وشامخا أمام الموقف الذي يطرحه، وهو عدم المسامحة، وضرورة ملاحقة المسؤولين عن هذه الجرائم التي اقترفت في حق الإنسانية.
ويبقى أحد المشاهد القوية بالمسرحية، هي التي يعترف فيها الجلاد على إيقاع موسيقى »شوبان« التي يعشقها ويعذب بها المعتقلين من أجل توريطهم بطيبوبته، وأنه ليس كبقية الجلادين.
المسرحية في مضمونها العام، بشخصياتها وخلفيتها وسياقها التاريخي والسياسي يتمثل في تسليط الضوء على التعذيب والتنكيل بالإنسان، وفضح كل الفظاعات والجرائم التي اقترفت بالسابق، مع محاكمة كل المتورطين ، لكن تبقى بعض الأصوات التي تطالب فقط باعترافاتهم والتصريح بكل ما فعلوه في حق المواطن والإنسان الذي ينتصر لحرية التعبير والديموقراطية، مما يؤزم النقاش ويطرح سؤالا آخر عن مدى رعب هذه الانتهاكات الجسيمة، وهل المسامحة والاعتراف تكفي لتشفي الغليل لكل من تعرضوا إليها.
كاتب المسرحية يصرح في إحدى حواراته المعنونة »لابد لأحد ما أن يبقى حيا، ليروي ما حدث«، هو ناشط بارز في الدفاع عن حقوق الإنسان، كان هو الآخر على لائحة الذين سيتم تصفيتهم مع الكثير من أصدقائه في ذلك اليوم الفاجع الرهيب، يوم الإنقلاب على حكومة أليندي سنة 1973، ساعة اقتحام قوات بينوليتشي قصر لامونيدا، أما هو فقد نجا بأعجوبة من موت محتم، وبعد ثلاث سنوات يلتقي بالصدفة مع الشخص المسؤول عن تعديل القائمة السوداء آنذاك، وإسمه فرناندو فلوريس، في ذلك اللقاء عرف الكاتب كيف بقي حيا، حيث أخبره فيرناندو أنه شطب على إسمه في اللحظات الأخيرة، وعندما سأله عن السبب قال: حسنا… كان لابد أن يبقى أحد ما حيا ليروي ما حدث.
العمل المسرحي هو من دعم المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان والمسرح الوطني محمد الخامس، وقامت بإخراجه الفنانة أسماء هوري، وشخص أدواره كل من محمد الشوبي الذي عاد إلى أبو الفنون بعد غياب لسنوات، والممثلة القادمة بقوة مريم الزعيمي ونور الدين التوامي، كما قام بالسينوزافيا الفنان عبد المجيد الهواس، أما الموسيقى والإعداد المسرحي فللفنان رشيد برومي…

 

التهامي بورخيص

http://www.alalam.ma/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *