المخرج والمسرحي ثامر الزايدي: على المسرح العراقي الخروج من عباءة الدولة

يعد المخرج والمسرحي العراقي ثامر الزايدي احد رواد المسرح العراقي , وممن كان لهم دور كبير في وضع لبناته الاولى منذ الخمسينات من القرن الماضي . اضافة الى دوره الكبير في التلفزيون العراقي الذي عمل فيه منذ 1962 , وترك بصمات لا يمكن تجاهلها في تاريخ الحركة الفنية في العراق. ولا يزال مستمرا في عطائه الفني – وان كان خارج البلاد- ولاسيما في مجال سينما افلام الصور المتحركة, التي بدأت تحتل مكانة مهمة في السينما العالمية, وحاز الزايدي على العديد من الجوائز العالمية في هذا المجال..التآخي التقت المخرج والمسرحي العراقي ثامر الزايدي وكان لنا هذا الحوار:

* كيف كان بدايات المسرح العراقي خلال حقبة الخمسينات من القرن الماضي ؟

– للمسرح العراقي تأريخ طويل من التفاعل مع هموم الناس والنضال من اجل استقلاليته خارج عباءة الدولة ليقدم موضوعات معبرة عن الواقع العراقي ، وهي مشحونة بالروح الثورية من اجل مكافحة الظلم والديكتاتوريات ، ولهذا نشأ مستقلاً عن الدولة من خلال تأسيس الفرق المسرحية الاهلية منذ خمسينيات القرن الماضي ، خائضاً صراعاً مريراً مع السلطات ، فكلما اصدرت السلطات القمعية مرسوماً او تشريعاً لوقف الفرق المسرحية ، حتى تراها تلجأ لاسلوب آخر وبذكاء عالي التوقد، فيواصلون تقديم مسرحياتهم تحت عباءة الجمعيات الخيرية والاندية الاجتماعية وحتى من خلال النوادي الرياضية .

* وكيف تقيم المسرح العراقي حاليا ؟

– ما يعاب على المسرح العراقي اليوم ، هو هيمنة الدولة ولجوء المسرحيين الى تقديم اعمالهم من خلال مديرية المسارح الممثلة لسلطة الدولة ، فيلجأون الى التغريب والتمويه في مسرحياتهم ، فتكون مسرحياتهم بعيدة عن بسطاء الجمهور، وهذه المسرحيات بعضها متميزة ونالت جوائز كبيرة في المهرجانات الخارجية ولكنها في العراق بقيت حبيسة مبنى المسرح الوطني ولايام عرض معدودة ، وترى الكثير من المؤلفين والمخرجين يلجأون للرمزية والسوداوية للتعبير عن افكارهم واذا ما تجرأ وباح احدهم بصوته في وجه السلطة ، فانهم يوقفون عرض المسرحية ، والحمد لله انهم يكتفون بهذا، ولا يسوقونه للمحاكم ، وهنا يتوجب على المسرحيين العراقيين الابتعاد عن وزارة الثقافة وان يعتمدوا على انفسهم لتأسيس الفرق المسرحية الاهلية وتقديم المسرحيات الشعبية.

*ىكيف تقارن مضمون الافكار التي تناولها المسرح العراقي في فترة الخمسينات والستينات مع ما يقدم حاليا ؟

– الدراما التي كانت تقدمها فرقة المسرح الفني الحديث وفرقة مسرح اليوم وفرقة المسرح الشعبي كانت قريبة من الناس وهمومهم, ولهم مسرحيات خالدة كـ(النخلة والجيران) و(الخان) لفرقة الحديث و(السؤال واشجار الطاعون) لفرقة اليوم و (بهلوان آخر زما ن) و(رقصة الاقنعة وايام زمان) لفرقة المسرح الشعبي والتي ما زال زخمها المتفاعل مع طبقات الشعب مؤثرا، و ادعو المسرحيين العراقيين حاليا الى ترك المسرح الفاره وان يذهبوا الى مسارح الجمعيات والنوادي والمدارس ، لكي يقولوا كلمة الحق دون خوف ودون معونة تتصدق بها الجهات الرسمية ، ولهذا فان الظرف الراهن يوجب على المسرحيين الشرفاء الخروج من عباءة السلطة والاعتماد على ذواتهم من اجل مسرح عراقي حقيقي جدير بحب الناس.

* افلام الرسوم المتحركة لم تعد تحمل وظيفة واحدة هي الترفيه عن الاطفال بل اصبحت علما متكاملا , كيف كانت نقلتك من المسرح الى افلام الكارتون ؟

– افلام الرسوم المتحركة فتحت لي آفاق كبيرة في تحقيق ما كنت اصبو اليه في مجال حياتي الفنية و حياة الطفل التي عاصرتني منذ بداية حياتي الفنية في مجال المسرح والمسرح المدرسي في مدينة بعقوبة وبغداد وكذلك في بنغازي حيث اخرجت مسرحية سيد النهر الفضي ونالت الجائزة الاولى في مهرجان للطفل، شاركت فيه عدة دول اروربية وكذلك تمثيليات اذاعية لبرامج الاطفال فلم اكن بعيداً عن عالم الطفل الذي اتمنى ان يقدم الاعمال الفنية والافكار الخيرة بانسيابية ودون نصائح موجهة بشكل مباشر فتكون مقززة والتي نراها في برامج الاطفال العربية ولهذا استفدت من الرسوم المتحركة ذات الامكانيات الكبيرة في خلق الاجواء الجمالية لتقديم الافكار الخيرة وتوجيه الاطفال بحيث يتقبلونها بعفوية ، وتبقى راسخة في اذهانهم لتنعكس على تصرفاتهم وسلوكياتهم.

* ماهي اهم اعملك في مجال افلام الكرتون؟

– كانت اول اعمالي الكارتونية مع برنامج افتح ياسمسم ثم برامج سلامتك وافتح ابوابك ياوطني و كذلك برامج تعليمية كثيرة وبعدها تحولت الى الدراما الكارتونية بعدما شاهدت الافلام الامريكية واليابانية ذات النزعة الشريرة والقتالية والتي كان لها تأثير سيء على سلوكيات الاطفال في بلداننا، وبالتعاون مع مؤسسة الانتاج البرامجي المشترك لدول الخليج نفذنا ( مسلسل زعتور العجيب) من تاليف الكاتبة الكويتية بزة الباطني ، وكانت شخصياته واقعية وكذلك اماكن الاحداث معروفة للاطفال مع اغاني ذات نكهة طفولية جلبت لهذا المسلسل المكون من 15 حلقة وطول الحلقة الواحدة 10 دقائق شهرة كبيرة ومشاهدين كثر، وعرض في اوربا وما زال يعرض بين حين وآخر من التلفزيونات الخليجية وبعدها اتجهت للتراث لكي أعرف الطفل العربي بانه صاحب موروث حضاري يمتد في عمق التأريخ فقدمنا فيلم ( حي بن يقظان) للفيلسوف ابن طفيل وقدم في عدة مهرجانات عربية ودولية وفاز بجائزة الجمهور الاولى في مهرجان القاهرة السينمائي لرسوم الاطفال وعرض سينمائياً في دول الخليج والفيلم الاخير الذي انجزته كان فيلم ( اصيلة ) الذي عرض في مهرجان ترابيكا في الدوحة وفاز بجائزة الجمهور في مهرجان القاهرة لسينما الاطفال العشرين ، ونعمل الآن لترجمته ودبلجته للانكليزية واعادة تصويره بطريقة الابعاد الثلاث.

* تجربتك في هنغاريا كانت غنية من كافة النواحي .هل تحدثنا قليلا عنها ؟

– لقد كانت تجربتي في هنكاريا غنية وثرية بسبب تحرري من الخوف والارهاب الفاشي طيلة عملي في العراق فعملت في التلفزيون الهنكاري في بودابست لاكثر من عشر سنوات مخرجاً وممثلاً وكان آخرها مسلسل ( رحلة السندباد الثامنه ) من عشر حلقات عرض في اوربا وكنت فيه ممثلاً رئيسياً ومساعد مخرج ومساعداً في اعداد القصة والسيناريو لكونه مأخوذ من الف ليلة وليلة ، وساهمت في مونتاج كافة اعمال المخرج المجري الشهير عالمياً رايناي اندراش وكسبت من خلال هذه التجربة خبرة كبيرة في العمل التلفزيوني وقد ساعد ذلك على تعرفي على الوسط الفني في بودابست بشكل متميز فكانوا لي عوناً عندما انتقلت الى اخراج افلام الرسوم المتحركة واصبحت صاحب استوديو لافلام الكارتون والدعاية وستوديو للدوبلاج ولقد كانت اخلاقيات العمل الفني الاشتراكي رائعة قبل التحولات الاخيرة.

* ما هي مشاريعك المستقبلية؟

– اعمل على تحويل فيلم ( اصيلة )الى الابعاد الثلاثة وهو يحتاج الى جهد كبير و كثير ، كونه اول تجربة في العالم العربي ، كما ان هناك مشروع عمل فني كبير يعيد للطفل العربي البهجة والسعادة ، وحين يبدأ التنفيذ سأعلن عنه ، رغم اني كنت اطمح ان تتولى الفضائيات العراقية الكثيرة والكثيرة جداً ان تقدم للطفل العراقي برامج متميزة وافلام كارتون ومسلسلات تعوضه عن الحرمان لعقود كثيرة ولكنها لم تلتفت الى برامج الاطفال وللأسف ايضاً فان شبكة الاعلام العراقية ووزارة الثقافة لم تولي الانتباه لافلام الرسوم المتحركة ضمن مهرجان بغداد عاصمة الثقافة ، وما شاهدته من واقع مرير في انتاج الافلام السينمائية ، من محسوبية وعلاقات شخصية وفساد مالي و اشراك اناس بعيدين كل البعد عن الاخراج , فقد تقدم واخرج ودخل على الخط اناس بعيدون عن هذا المجال وللأسف حتى مقدمي البرامج الحوارية ، فكيف يكون للفنانين الحقيقين مكاناً وسط هذه الفوضى وكل الذي اتمناه هو ان يجري التغيير قريباً لكي يستطيع الفنان الناجح على المستوى العالمي ان يحقق حلمه في بلده.

*ما هي اهم المحطات في مسيرتك الفنية ؟

– هناك العديد من المراحل ,فبعدما عملت كمسرحي في العراق في مدينتي بعقوبة وبغداد وفي ليبيا في المسرح الوطني بمدينة بنغازي وكذلك في بودابست قدمت ايضاً عمل مسرحي و عملت في مجال التلفزيون العراقي منذ عام 1962 عند نشأته وانا طالب في معهد الفنون الجميلة وكانت هناك برامج اطفال متميزة في ذلك الحين ، اما الآن فلا شيء ، اما افضل واهم محطة في حياتي الفنية فكانت اثناء عملي في التلفزيون المجري في بودابست لمدة عشر سنوات ، وكنت خلالها في غاية السعادة و وهذه المرحلة كانت منطلقي لحياة فنية جديدة ، حيث حققت حلمي في الاخراج والتمثيل لتلفزيون في اوربا ، والمشاركة في المهرجانات الفنية العالمية ، ومحطتي الاخيرة كانت في الشركة التي اسستها لتنفيذ افلام الكارتون والدبلجة منذ عام 1998 ولحد الآن ، وقد حققت جل نجاحاتي في الغربة ، وكم كنت اتمنى ان يشاهد اطفال العراق افلامي بعدما شاهدها الاطفال العرب و الاوربيين فعسى ان يتحقق هذا الحلم واقدم نتاجاتي لطفلنا العراقي الحبيب يوماً ما.

 

محمد حسن

 

http://www.sotaliraq.com/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *