كتاب ” أسئلة الرمل ” .. التحولات الدرامية لدى ” أسماعيل عبد الله “

تعود بدايات التجربة المسرحية الإماراتية الى فترة الخمسينيات من القرن المنصرم , فقد إختلفت الروايات في تحديد تأريخ محدد لظهور المسرح في الإمارات . ففي عام 1963 دخل واثق السامرائي الى الشارقة وقام مع أعضاء نادي الشعب ببناء أول مسرح في الإمارات بتأريخ 22/تموز/1963 ولهذا يعتقد أكثر المسرحيين أن هذا التأريخ هو البداية الحقيقية للمسرح الإماراتي . لقد الكتابة المسرحية , العمود الفقري لهذهِ التجربة بوصفها مكتنزاً ينهل منهُ المُخرجون المسرحيون بُغية إدامة المشهد المسرحي في الامارات , ومن الكُتاب الذين تركوا بصمة واضحة في هذا المشهد الكاتب المسرحي الإماراتي ” إسماعيل عبد الله ” والذي إصدرت صدر عنهُ حديثاً دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة بدولة الامارات العربية المتحدة ، وضمن سلسلة الدراسات المسرحية التي تتبنى الدائرة ، كتاب (أسئلة الرمل .. بُينة الدراما والتأويل والوعي في نصوص اسماعيل عبدالله المسرحية)، للباحث والكاتب المسرحي العراقي أحمد الماجد .

يقول المؤلف عن كتابه ( حاولت من خلال هذا الكتاب، ألاّ يكون مجرد تأريخ أو توصيف أو تجميع لنصوص كاتب مسرحي فحسب، بل عملت جاهداً على أن يكون مرجعاً لأهل المسرح، وفق طروحات تناولتُ من خلالها دراسة تحليلية وتفكيكية للمنهج الذي يتبعه الكاتب اسماعيل عبدالله في سبر نصوصه المسرحية، إذ إننا بصدد الدخول إلى عالم إنساني بحت اختاره اسماعيل ليكون عالمه الذي تبناه في مجمل خطابه المسرحي، والذي أراه مجدداً في بنية الدراما والجمال والوعي في النص المسرحي الإماراتي) . يفتتح المؤلف متن كتابه بقول أثير لدى الكاتب ” اسماعيل عبد الله ” شَكلَ عماد تجربته المسرحية فيما بعد حينما قال ( انا ابن المسرح , وله كل الفضل في تقديمي للمجتمع , هو الذي شكل ثقافتي ووعيي واجد متعتي في العمل من خلاله ) , واسماعيل عبد الله كاتب مسرحي إماراتي من مواليد خورفكان 1963 خريج جامعة الشارقة عام 1985 وهو رئيس جمعية المسرحيين في دولة الإمارات العربية والأمين العام للهيئة العربية للمسرح، هو أحد كتّاب المسرح الإماراتيين البارزين ، كما أنه صاحب رسالة ومشروع نحو تأصيل هوية المسرح وتحقيق شكل وقالب فني خاص به، ونظراً لما يتميز به من أصالة التعبير والابتكارية، فقد حقق العديد من الجوائز في مجال كتابة النصوص المسرحية ذات الصبغة المحلية، ومن ذلك حصوله على جائزة أفضل نصّ مسرحي في مهرجان الكويت المسرحي الثاني عشر الذي أقيم في دولة الكويت عن نصّ “البوشية”، ، كما أنه في طليعة كتّاب المسرح الذين سجلوا حضورهم بقوة في السجل الذهبي لجوائز أيام الشارقة المسرحية، التي حصد فيها جائزة أفضل نص مسرحي لست دورات متتابعة، فضلا عن حصوله على اللقب ذاته في مسابقة جائزة الشارقة للكتابة المسرحية.

هو متعدد المواهب، غير أنّه كاتب مسرحي من الطراز الأول، فقد عمل مذيعاً في تلفزيون أبوظبي، متدرجاً في هذا المجال حتى توليه منصب مدير تلفزيون أبوظبي، ثم أصبح مديراً للإنتاج، حتى إنحيازه الكامل لرسالة المسرح التي أصبحت هي الهاجس الأول والأخير بالنسبة له , اذ كتب للمسرح ععد من النصوص منها ( راعي البوم عبرني / البشتختة / غصيت بك يا ماي / زمان الكاز / بقايا جروح / مولاي يا مولاي / مجاريح / اللوال / القشة / بين يومين / وغيرها ) . لقد ضَم كتاب ” اسئلة الرمل ” الذي يقع في 300 صفحة من الحجم الوزيري , خمسة فصول مع خاتمة , اذ تعنون الفصل الاول بـ(المادة الخام والحكاية الدرامية عند اسماعيل عبدالله) وفيه يستعرض ” الماجد ” مسألة استكشاف المادة الخام أو الحكاية الدرامية أو الفكرة التي يستطيع أن يشكل منها عقدته ويطور شخصياته ويكتب حواره، فالقدرة على استكشافها تستلزم ان تكون لدى الكاتب المسرحي ذخيرة من المعرفة بالناس وبسلوكهم، وملاحظة قوية لكل ما حوله، ثم خيال حي وتفكير قوي، وعمله الأهم أن يزاوج بين تجارب شخصياته المسرحية وتجارب جمهوره، وأن يربط بين هذه وتلك برابطة السمات الشاملة العامة التي يخضع لها كلا الطرفين. هذا بالضبط ما يقوم به الكاتب إسماعيل عبدالله حين يبدأ في الشروع في كتابة نص مسرحي، أو ربما تكون المادة الحكائية إحدى الصفات التي امتاز بها حينما دقق كثيراً وأمعن في الحكايات التي عمل على تحويلها إلى مادة مسرحية تعيش أول ما تعيش فوق الخشبة , وفي الفصل الثاني الذي حمل عنوان (الاشتغال على الوحدات الثلاث ) يستعرض المؤلف قضية بناء الوحدات الثلاث (المكان، الزمان، الموضوع) عند اسماعيل عبدالله، التي يجدها المؤلف انها تعتمد على المضمون الذي يحمله النص، وما يريد إيصاله إلى المتلقي، وهي تتغير وفقاً لتلك المعطيات، بوصفها ركناً من أركان النص المسرحي، والوعاء الذي يحوي الشخصيات، ويدير الصراع وشكل الحوار واللغة وجميع عناصر العرض المسرحي، ولأنها من تحدد ماهية النص وشكله ومستوياته وتعدده، وكذلك هي الجزء الذي يثير سؤالاً لا في ذهن ومواقف الأبطال فحسب، بل في كيفية رؤية النص الذي يؤسس لمنظوره التأويلي في ضوء المعطيات ذاتها , فالمكان في نصوص اسماعيل عبد الله قد تعددت وتطورت اشكاله كا بين الواقعي والرمزي كما في نصوصه (بقايا جروح , البوشيه , زمان الكاز اللوال ) , وتعنون الفصل الثالث بـ(بناء الشخصية في نصوص اسماعيل عبدالله المسرحية)، إذ وجد المؤلف ان المسرحية هي الشخصية عند اسماعيل عبد الله الذي دائماً ما يركز على بناء شخصيات النص اولاً ومن ثم تأسيس باقي اركان النص . وحمل الفصل الرابع عنوان ( لغة اسماعيل عبدالله المسرحية) متحدثاً فيه المؤلف عن لغة نصوص اساعيل عبد الله التي كانت شعبية بامتياز من اجل الحفاظ على الهوية الاماراتية وضرورة تمييز الثقافة الاماراتية عن الثقافات الاخرى وتسلح ” عبد الله ” بالموروث الشعبي فخصوصيته التي يمتاز بها  في سبر اللغة الشاعرية والشعرية، إذ يجمع لغات متنوعة عدة، ويسبرها في قالب واحد، لتتشكل منها لغته المسرحية الخاصة، فهو يضع الشعرية والشاعرية والفرجة التي تستدعي الأشكال الشعبية، وكذلك الصمت وتأويلاته، الذي يؤدي إلى رسم لغة شعبية محلية لها خصوصيتها، ولها ميزاتها التي صنعت لهذا الكاتب مساراً مختلفاً يمتاز به عن بقية أقرانه من كتّاب المسرح. وفي الفصل الخامس يستعرض المؤلف معمارية النص المسرحي عند اسماعيل عبدالله من خلال لجوئه الى التحديث في معمار النص المسرحي , وفي خاتمة كتابه يخلص ” المؤلف ” الى ان  نصوص اسماعيل عبد الله المسرحية البالغة 27 نص قد انبثقت من حاجات متعددة تطرح مشكلات فلسفية عميقة تتصل بالاوضاع الراهنة للمجتمعات والسياسات وحقوق الانسان والعدالة والقانون , كما انها تبين الثراء المعرفي لدى كاتبها فهو يطرح قضايا الانسان في اطار تراثي او معاصر .

جدير بالذكر أن المؤلف ” أحمد الماجد ” , هو ناقد وكاتب مسرحي عراقي من مواليد الموصل 1972 , له العديد من النصوص المسرحية والكتب النقدية التي أصدرها , وهو مدير تحرير مجلة ” كواليس ” التي تصدر عن جمعية المسرحيين في الامارات .


عرض : بشار عليوي

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *