المسرح والمساعدات الخيرية(2)

 

إشـــارة عــامــة :

بعدما راودتنا فـكرة البحث عن(المسرح والمساعدات الخيرية) كانت مـن باب الإثارة؛ لموضوع لصـيـق

جـدا بالفعـل المسرحي خارج الكواليس؛ فوجدنا حـقيقة ؛ بأن هناك إشارات قيمة؛ في العديد مـن مقالات

د: السيد علي إسماعيل؛ ذات ارتباط بالمبحث؛ مقابل هذا معرفة مـدى نكران رجالات- المسرح- ذواتـهم وتضحياتـهم ووفائهم؛ من أجــل إسـعاد العـديد من الـناس :المـعـوزين والمـحتاجين؛ ولـم أكـــن أتوقـع ؛ أنني سأبحـر قـسـرا في عــوالـم تاريخيـة مثيرة؛ ربما نسيناها بفعـل التقادم؛ أم لم نـكن نعرفهـا ونـعلمـها حـق اليقيـن؛ نتيجـة انـــعــدام توثيقـها في الحوليات أو مدونات الـمؤرخين؛ أو حتى الــذين كــتبوا عـن الحركات الوطنية (مثلا)استفـحال الأمراض والأوبئة كظهور داء( الكوليرا) 1884 وبه تم إغلاق المسارح المنوجدة أنذاك؛و(الطاعون)و( السل) بدخول الحملات الاستعمارية؛ ومذبحة الاسكندريه في11/6/1882/ ونفي العديد من المسرحييـن التونسيين ، انتشار ظــاهــرة اليانصيب( القمار) حـسب تعبير( السلفيين) في أواسط القرن 18 وكـذا انتشار (مخدر/ الكوكايين) قبل عصرنا هـذا؛إذ نـجد من بين عـروض- القـرداحى- مسرحية ( الكوكايين ) في 27/11/1896 والمثير جدا؛ ظاهرة تغـلل( المـاسونية) في صفــوف الفنانين وانخراط العــديد منهم فــي عوالمها وطقوسها نموذج– يوسف وهبي/ محسن سرحان/ ع السلام النابلسي /… / حسب المصادر(1) مقابل هـذا نلاحظ حضورا وإنـزالا قـويا للأجناس والأعـراق؛ من كـل الجهات؛ إما مصاحبة للجيوش ذات الهيمنة العسكرية الغربية ، أومغامرين جــدد للاستفادة من الأسواق التي تــم فتحها، فأتت الشركات والتجار و الحرفيون والمهنيون الأوروبيون؛ لتستوطن وتستثمر تـحـت الحماية الاستعمارية والقــانونية، ولا يغيب عـن بالنا؛ بأن المساطر القانونية؛ لم تـكن تـطبق عليهم ؛ولا يحاكمون أمام القضاء الوطني ؛إذ كانت لهم محاكم خاصة ،هـذا فضلاً عن الاستيطان الطويل نسبياً للقوات العسكرية ومن صاحبهم من فنيين وخبراء وباحثين وغيرهم. كل هـذا ساهم بتـداخلها وخليطها؛وفـعاليتها في عـوالم الإبداع أو التمويل والتسيـير والتدبير؛ في الحياة الاجتماعية العـربية؛ بشكل طبيعي، ولو بـعض الهـزات والاصطدامات التي يفرضهـا الـوضع السياسي والنفـسي؛ بـين الأهالي والجاليات. ورغم ذلـك؛ فغالبا مـا كانـت الجالية/الأقلية)تتصدر المشهد الاجتماعي والفـني؛ من هـنا نـؤكد؛ تأكيدا؛ بأن المسرح (هـو) التاريخ والسياسة؛ وبصورة أوضح (مـرآة المجتمع) بحيـث ما ذكرنا بعضه؛ لـه طبيعة بالموضوع؛ الذي يفرض ملامسة الواقع الاجتماعي؛ في تركيبته وتشكلاته؛ ومن ثمة هو جوهــر الـقـضية؛ وبالتاريخ في مجرياته ومعـطياته؛ أكثر من الإبداع/ المسرح؛ كممارسـة. مما يترتب عـنه معرفـة حاضرنا بكل تجلياته وملابساته وأوهـامه؛ بمعرفة مـا سبقه مـن أحدث وقعت؛ أو بتعبير قسطنطين زريق: التاريخ هو إدراك الماضي؛ كما كان؛ لاكـما نتوهم أنه كان. لـدى فلنتتبع مسار المبحـث…..

مــسار الــمسـاعـدات //

توقفنا عند (ع الله النديم)الذي انتسب إلى جمعية مصر الفتاة سنة 1879 وهي جمعية سياسية أسسها الضبّاط العرب ؛ وفي نفس اللحظة؛ كان منتسبا لجمعية المقاصد الخيرية ، وبتكليف من مجلس إدارتها افتتح مدرسة للبنين وللبنات أمدّت وساعدت أسراً فقيرة، مما تبع جيش عرابي،بحكم انتسابه يحض فرق العـسكر المصرية على القتال ضد البريطانيين، عندما حدث التمرد 1881؛ ولتـذهب الـخيرية الإسلامية ومدارسـها؛ في دهاليز المآمرات؛ والمتآمرين؛ إذ توقف النشاط المسرحي شبه كلي إثـر ثورة- عرابي- التي فشلت؛ وحوكم بالنفي إلى جزيرة سيلان؛ بدل الإعـدام؛ليستأنف المسرح نشاطه إليها، ولكن بصورة تدريجية ينتعش، رغـم الاضطرابات السياسية؛وتعيين اللورد كرومر(آفلين بارنج)أول معتمد بريطاني في 11 /09/1883م وانقضاء وباء الكوليرا الذي أصاب مصر. لتبرز ظاهــرتين في- مصر- وتركيزا على هـذا البلد العربي(حاليا) باعتباره حاول المأسسة للنهضة الحضارية آنذاك؛ والـذي كان يتصــدرالمشهـد المسرحي/ الصحفي/الفكري/ السياسي/../ بحكم نسائم الحرية، واعتماد الخديوي عــلى- الشوام- كقـوة فاعلـة؛ في شتى المجالات، فكانوا: يـقـيمون المسارح والنشاطات الفـنية والثقافية المتعددة (2) فحتـى سوريا أولبنان؛ كانت تظهر فيها فرقة أوفرقتين؛ لـكن تقـوم بعرض(وحيد) ثم يهجرأعضاؤها وغيـرهم إليهـا، ولاسيما أن المصريين، لم يكونوا ينظرون للشوام، نظرة الغرباءِِ أواللاجئين’بل تزداد روابطهم الاجتماعية والعلائقيةًُ. مما أعطاهــم دفـعة نـفسية لممارسـة نشاطهـم الفني والمسرحي، بكل تـلقائيـة وتدافـع نحو الصدارة والتميز،لآن: هاجس التمايز بين طوائف الشام المسيحية، تتبلور في مصر، بعد تزايد هجرة الشوام إليها، فهـم عاشوا في البداية كعائلـة واحدة فـي جـميع المدن المصرية،التي حــلوا فيهـا، دون فارق بين ماروني وكاثوليكي وارتودكسي(3) ولكن الوجود الانكليزي كـقوة في- مصر- ساهم بشكل كبير لاستقطاب المهاجرين الشوام وغيرهم؛ وذلك للإ ستفادة من خبرتهم،ولقد:عملوا على التوسع؛ في استخدام الموظفين الأجانب في الوظائف العليا والاعتماد عليهم في المناصب الحساسة، لإدارة البلاد بدلا من الاعتماد على المصريين(4) ولـهـذا تبرز كما أشرنا للظاهـرتين.

– فالظاهرة الأولى:

حضور العديد من الفرق الأجنبية؛ من إيطاليا/ فرنسا / اليونان/ تركيا/…./ لتقديــــم عروضها ؛إما فـي الأوبرا الخـديوية والأزبكية أو زيزينيا؛وفي بعض محافظات مصر كالإسكندرية؛ كان الجوق التركي. حضر للإسكندرية ومثل بها مسرحية ( ليلة بدجي خورخور أغا ) في 27/4/1885(5) وفى 20/2/1886 قدم

الجوق الايطالي في الأوبرا رواية (تى موسكينية) وأبدعـت فيها المطربة (بيرتى ) والممثل (ريتشارد) ومع نهاية فبراير تم تمثيل رواية (عايدة) )وكلوش دى كورنفيل (6) وفى أول نوفمبر مثل جوق- بوني وسوسكينو- رواية( اليهودية ) وفى 8/11/1886 رواية ( فاوست) و13/11/1886 رواية ( لامتيون ) و6/12/1886 رواية ( لاترافياتا ) مـن بطولة( مارتينى) وفى 23/12/1886 رواية( بوكات)(7)وتوالت العروض الأجنبية؛ في أنشطتها؛ بحيث من الصعب حصرها؛وثانيا بعض الوثائق غير موضحة بشكل كاف؛ للأعمال التي أنجزت وقدمـت؟ ومن طـرف من؟ ومن أي جهة ؟

فمثلا: جريدة الوطن- ع 606 /5/5/1887 عرض مسرحية (عجائب البخت) دونما الإشارة للفـــــرقة وأفرادها؛ فاكتفت أنه أقيم بحديقـة الأزبكية؛ مما يتبين،أن إعلام ذاك الوقت؛ يتتبع الفرق التي يميل إليها؛ أومن نفس الطائفة أوالجهة؛ ولاسيما أن (الصحف) أغلب دواليبها وأنشطتـها في أيـدي (الشوام) وعلينا أن ندرك؛ أن الشــوام المسيحيين دون الشوام المسلمين؛ هم الذين طرقوا آفاق الهجرة والبحث عن الرزق خارج حدود بلاد الشام…ووجدناهم فيما بعد يقـــودون الصحافة وبعض أوجه الثقافة في مصر( يقصد المسرح)(8) وبالتالي فالفرق الأجنبية كانت تحضر تباعا وتقـدم منتوجـها المسرحي: ورغم كل هـذا خصص الخديوي توفيق دار الأوبرا شهرين للمسرح العربي عام 1886 فسرت جريدة الزمان ذلك بأن هذا التصرف من الخديوي.. بأنه بسبب ميله لإحياء هذا الفن الجليل الذي تعم فوائده البلاد، وينجم عنه تحسين الأخلاق، وأن الهدف هو ترويح الأرواح، وتنشيط الهمم، وتهذيب الأخلاق (9) وهـذا التخصيص؛ نجده شبه منعدم؛ وإن كان البعد الوارد محاولة تقديم أعمال باللغة العربية ؛ نجد: مثلت مسرحية (محاسن الصدف) مـن تأليف محمود واصف، وكان العرض الأول في يناير 1886 بمسرح البوليتياما بالإسكندرية، واختتـم العرض بفصل بانتومايم مضحك بعنوان (الصيدلي). وبسبب هذا العرض نالت فرقة القرداحي شهرة كبيرة، وأطلق عليها صاحبها اسم (شركة التياترو الوطنية)وبعد شهرين أعاد القرداحي عرض (محاسن الصدف) في الأوبرا الخديوية، وقد حضر العرض الخديوي توفيق،وبعد العرض أمر بإعطاء الأوبرا لفرقة القرداحي لمدة شهرين، وهي فترة زمنية طويلة لم تحظ بها أية فرقة عربية في ذلك الوقت، حيث إن الأوبرا كانت حكراً على الفرق الأجنبية(10)وهـذاالاحتكارطبيعي جـدا؛ إذا ما نظرنا للـنسيج الاجتماعي واللوجيستيكي؛ الذي يضم المشهـد المصري؛من جاليات وطوائف وأقليات؛ لـها موقعها الاقتصادي والاعتباري، قبل دخول الاستعمار الانكليزي؛ الذي استبدل الأدوار مع الاستعمار الفرنسي(لها) وبدهي أن نجدحضورجوق مناسة (إسبانيا) في يناير 1886, ومثلت في مسرح زيزينيا بالإسكندرية ؛ وفى مسرح – البوليتياما – بالقاهرة. ولم تمكث إلا أيام قليلة, وقدمت فيها عـــدة روايــات منها ( بارب بلو ) في 5/1/1886و( ترافيانا ) في 9/1/1886 و( له دروادى سنيور ) في 22/1/1886(11)و في 9/7/1887 مثل الجوق (الايطالي) مسرحية(أنيلا دى ما سيمو)واختتم العرض بفصل مضحك بعنوان ( آنا في انتظار العروسة )(12) وفـي 12/11/1887 مثل الجوق( استود يا نتنيه)- إسبانيول- إحدى رواياته , بعد أن مثلها فيما سبق أمام السلطان العثماني , وقيصر روسيا وشاه العجم وإمبراطور ألمانيا والنمسا وايطاليا ورئيس فرنسا(13) وعام1888 بدأ الجوق التركي- بنكليان- بتقديم رواياته بالأوبرا، بعد أن عقدت معه نظارة الأشغال التي كان يشرف عليها- محمد زكى- عقدا بإمداد الأوبرا بفرقة قوامها ( 30) من الممثلين والممثلات (14) وفرقة أخري الإيطالية جاءت إلي الإسكندرية ، بقيادة الممـثـل بنليان في 24/03/1888 ومثلت رواية (جيروفليه جير وفلا )و27/3/18 و( الزيبك ) في 29/3/1888 و( البلبيجي خورخور أغا ) في31/03/1888(15) وفي هـذا التاريخ وضعت الشروط للتأليف المسرحي. بعدما ازدهـر النقـد؛ وأمست بعض المجلات الإهتمام به؛ وتخصيص صفحات لماهية المسرح وشروط إنتاجه؛ كمجلة الراوي/ الآداب/ اللطائف/…/ وسعى العـديد من الرجالات الأجانب( خاصة) بناء وتشييد قاعات للمسرح؛ فـقــنصل ألمانيا بنى مسرحاً جديداً في المنصورة،إيمانا منه بأهميته الحضارية والثقافية وذلك عام 1889 وهـذا يفسر لنا الظـاهـرة الثانيــة………..: يــــتـــبـــع

 

http://www.alankabout.com/


الإحــــالات

1/ مجلة الفن، عدد 145، الاثنين 15 يونيو 1953. تحت عـنوان الفن تتسرب إلى القاعات السرية

بالمحفل الماسونى، تثبيت يوسف وهبى رئيسا لمحفل الفنان المصرى وتكريس محسن سرحان

2/ تاريخ آداب – لجرجي زيدان- ج4 ص418

3/ السوريون في مصر- لبولس قرألي ج2/1928 ص75 المطبعة السوريـة

4/ خطط الشام – لعلي كرد ج4 ط1/1970 ص137

5/ جريدة المقتطف في 31/04/1885

6/ نفـس الصحيـفة بتـاريخ 25/02/1886

7/ جريدة الـزمان بتاريخ26/12/1886

8/ شاكر النابلسي-عصر التكايا والرعايا في العهد العثماني في1546-1918 ط1/1999 ص232

المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت –

9/ مقـالة:بالتأكيد. المسرح. هـو الأخلاق( الكاتب مجهول) ملحق الثورة الثقافي الثلاثاء 07-08-2012

10/ مسرحيات لها تاريخ(محاسن الصدف )مقالة الدكتورعلي اسماعيل جريدة الجمهورية عدد20803بتاريخ 12/12/2010 ط /الثالثة

11/ اللطائف (الشهرية)

12/ جريدة الأهـرام

13/ صحيفة الزمان بتاريـخ20/11/1887

14/ جريـدة المقتـطف في 10/03/1888

15/ نــفـــسهــا بـــــتـاريخ02/04/1888

aboojihaane@gmail.com

نـجيــب طـلال


 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *