سخسوخ‏:‏ المسرح بعد ثورتي يناير ويونيو أسوأ مما كان عليه

الحديث عن أزمات المسرح أمر بات غير مجدية‏,‏ لأن الأزمات معروفة والحلول أيضا معروفة فرغم ما يعانيه المسرح علي مر السنين لم تتغير المنظومة المتمثلة في الإدارة.

لذلك تظل الأزمات موجودة, وبكل بساطة لم يأت حتي الآن أي مسئول قادر علي وضع حلول جذرية ومعايير واضحة تعمل علي إصلاح المنظومة بالكامل, فالمسرح له دور مهم في انعكاس المشكلات الحياتية التي تكشف النقاب عن الواقع الاجتماعي وعلاقته بالمواطن لذالك يحتاج إلي اهتمام كبير من الدولة تجعله قادرا علي بث رسالته التنويرية التي طالما كانت لها الأثر الأكبر في تغيير المجتمعات.. ومن هنا ما هو دور الدولة في القضاء علي أزمات المسرح المصري؟

قال الناقد والمؤلف د. أحمد سخسوخ عميد المعهد العالي للفنون المسرحية الأسبق: ظل المسرح بعد موجتي25 يناير و30 يونيو كما هو, بل أصبح أسوأ مما كان عليه قبل قيام الثورة, فأول رئيس للبيت الفني للمسرح بعد الثورة فعل قوانين الرقابة وأوقف عرضا مسرحيا رائعا كان يلمس علي الثورة وتوازي معها وكان نص’ بلقيس’ لمحفوظ عبد الرحمن والراحل أحمد عبد الحليم وأوقفه بقرار لجنة من المسرح القومي, وكانت هذه مصيبة كبري بالإضافة إلي أن الرئيس الذي جاء ينقذ هيئة المسرح ملأت آراؤه الصحف ضد بعض العروض التي كانت تتمتع بحرية إبداعية كبيرة مثل’ كلام في سري’ وتم إنتاج بعض الأعمال التي كانت ضمن خطة ما قبل الثورة دون معرفة أن ذائقة الجمهور ومزاجه قد تغير, وهذا ما يبرر فراغ صالات المسارح من الجماهير.
وأضاف سخسوخ لا توجد خطة علمية لدراسة ذائقة الجماهير ولا توجد عروض مسرحية تتوازي مع الحراك السياسي بل إن العروض التي تقدم الآن لا علاقة لها بما يحدث علي الساحة السياسية في مصر, هكذا يتم إعاقة الحركة المسرحية بسبب الأمزجة الشخصية وغياب الرؤية العلمية في مسرحنا.. القاهرة وحدها بها ما يقرب من20 مليون نسمة ومسارح الدولة تعد علي أصابع اليد الواحدة ورغم هذا تظل خالية وفارغة من الجمهور والأدهي من ذلك أن أبنية المسارح قديمة ولا تصلح للاستخدام الآدمي, وهذه عوامل طاردة لجمهور المسرح لعدم تقديم أعمال فنية موازية للحراك السياسي.. فمنذ ثلاثينيات القرن الماضي وأزمة المسرح تناقش وبعد المناقشة يلقي بالأوارق في سلة المهملات, فالمشكلة معروفة والحلول معروفة أيضا لكن لا يوجد مسئول يتخذ قرار وكل مسئول يسعي لاستبعاد القيم الحقيقية والرائدة ليستبدلها بمجموعة من الراقصين علي الحبال.
ويضيف: كنت آخر مرة في قرية’ فوبر تال’ بألمانيا مدعوا من الجامعة وتعداد القرية لا يزيد علي40 ألف نسمة وكان هناك مهرجان مسرحي وبالقرية أكثر من40 مسرحا ولم أستطع الدخول إلا بالواسطة لأن كل المسارح مكتظة عن آخرها وهذا يعني أن لكل عشرة آلاف نسمة مسرح أو يزيد.. وفي قاهرتنا تجد لكل3 ملايين نسمة مسرحا لكن لا يدخله أحد ويظل فارغا من الناس, مما يؤكد أن الأموال التي تصرف علي المسرحيات ما هي إلا إهدار للمال العام لأنهم لا يعرفون ما يقدمونه للجمهور الذي تغيرت ذائقته, ولدينا مسرح قومي حرق منذ خمس سنوات في رمضان عام2008 وقد صرف عليه90 مليون جنيه ولايزال مغلقا.. فمن المسئول ؟
وقال الناقد والمخرج د.عمرو دوارة لابد من الاستعانة بالتاريخ والرجوع للماضي حتي يمكنا أخذ القرارات بشكل سليم لبناء المستقبل بصورة أفضل.. فمنذ منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي مع نشوب الأزمة الاقتصادية العالمية ظهرت الحاجة الملحة لتدخل الدولة لحماية الإبداع المسرحي, وبالفعل بعد فشل تجربة اتحاد الممثلين عام1934 تم تأسيس فرقة المسرح القومي’ القومية للتمثيل’ عام1935 لتصبح أول فرقة حكومية في الوطن العربي واستمرت المسيرة حتي بداية الستينيات في العصر الذهبي للمسرح حين أنشئت عدة فرق منها مسرح الجيب والفرقة الغنائية والاستعراضية وأيضا فرقة’ التليفزيون والحديث والعالمي والحكيم والكوميدي’ كانوا من أهم الفرق واستمروا لفترات طويلة ومعظمها موجود حتي الآن وكان لكل منها سماتها الخاصة.. ولكن للأسف تضخم الجهاز الإداري بصورة مبالغ فيها حتي أصبح أمام كل فنان تسعة موظفين لا ينتمون للعالم المسرحي ولا يهتمون بالإنتاج الحقيقي أو التسويق بل وتدفع متطلباتهم الشخصية لخضوع بعض المسئولين فيحولون أموال وميزانيات الإنتاج للصرف علي الحوافز والمكافآت, واري أن المسؤولية الكبري تقع علي وزير الثقافة بصورة أساسية كما تقع أيضا علي لجان اختيار القيادات المسرحية- إذا كان هناك لجان أساسا- ومن هنا أؤكد ضرورة دعم الدولة للمسرح فهي المسئولة عن تجهيز المسارح علي أعلي التقنيات الفنية, ووضع خطط حقيقية للإنتاج يمثل فيها جميع الأجيال بمختلف المفردات الفنية ويتطلب هذا بالدرجة اختيار أفضل المسرحيين للإدارة ووضع معايير ثابتة يلتزم بها الجميع ومن بينها وجود مكاتب فنية حقيقية لكل فرقة وأيضا وجود لجان قراءة تتكون من أفضل النقاد والمتخصصين واعتقد بذلك يمكن وضع خطة سنوية مسبقة تمكنا من إعادة الوجه المشرف للمسرح المصري بعدما اختلطت الأوراق وأصبحت المصالح الخاصة تتدخل في الاختيارات وانخفض معدل الإنتاج وأغلقت معظم المسارح أبوابها, والكارثة إن بعض المهرجانات ترفض مشاركة عروضنا المسرحية المصرية, وعلي سبيل المثال الهيئة العربية للمسرح رفضت تمثيل مصر بأي عرض.
ومن جانبه قال المؤلف حمدي نوار إن الأزمة الحقيقية تتمثل في القائمين علي إدارة شئون المسرح في مصر لان بعضهم مازال أثير حلم الستينيات رغم الفرق الشاسع بين مناخ الستينيات ومناخ الألفية الثالثة لان ثقافة الصورة هي الغالبة علي كل مناحي الحياة الفنية والسياسية والاجتماعية أما مناخ الستينيات فكانت الثقافة الغالبة عليها هي الكلمة المكتوبة, فمن هنا لابد أن نبتكر حلولا جديدة تتناسب مع ظروف العصر الحديث, ولكن للأسف القائمون علي الحركة المسرحية مازالوا يفكرون بنفس الطريقة القديمة وبالتالي هم لا يؤثرون في الواقع المسرحي وغير قادرين علي استيعاب متطلبات هذا العصر التي من المفترض أن تستوعب كل مفردات التقدم التكنولوجي, وإسرار القائمين علي المسرح علي عودة المسرحيات الكلاسيكية التي لا تتفق مع الإنسان المصري والعربي في الألفية الثالثة فنجد إن الروايات التي يتم تقديمها الآن سبق وان قدمت أكثر من مائة مرة وثبت أنها بعيدة كل البعد عن عقل الواقع الاجتماعي المصري فأصبح المسرح في شكله ومضمونة العام بعيدا عن ملامسة معاناة وهموم وقضايا الإنسان المعاصر, فلابد من ثورة في الكتابة المسرحية وعلي القائمين علي المسرح أن يهتموا بالنص المسرحي, فالكل يتغني بأزمة النص والحقيقة انه ليس هناك أزمة بل الأزمة الحقيقية في الانتقاء الشخصي والاختيارات المبنية علي الشللية لبعض الكتاب في مصر وبالتالي لم تتح الفرصة التي يستحقها المبدع الجديد لذلك لابد أن تهتم الدولة بالنص المسرحي وعمل قانون يعطي الأولوية للنصوص الجديدة والمؤلفين الجدد خاصة من الشباب.

 

http://www.ahram.org.eg/


شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *