“باب البراحة” رثاء العمر الذي فات وهجاؤه

يقدم الكاتب والفنان مرعي الحليان في مسرحية “باب البراحة”، العرض المُستضاف في “مهرجان دبي لمسرح الشباب”، نصاً ذكياً ينطوي على العديد من العناوين الإشكالية، فيمرر أفكاره

الكبيرة بلبوس خطاب بسيط، تغلفه السخرية، التي تدفع جمهور العرض إلى الضحك، إلا أننا سرعان ما نكتشف كم يختزن هذا الضحك من تراجيديا الواقع بكل ما فيه من ألم. وعلى هذا النحو لا يبدو الضحك مجانياً في نصوص مرعي الحليان، وها هو في “باب البراحة” يقدم رثاء لما أفسده الزمن فينا، وهجاء ما مرّ فيه، بأسلوبه الساخر ذاته.

يجمع “باب البراحة” أربعة رجال في عنبر لدار المسنين، يدفعهم التمرد على قرار إدارة الدار بنقلهم من مقرهم الحالي إلى مكان آخر، إلى إغلاق باب العنبر الذي يقيمون فيه، وإخفاء مفتاحه عن الممرضة فاطمة، التي يحتجزونها معهم، ليصير المكان فضاءً لبوح الخمسة، بعد أن يجمعهم قلق الليلة الباردة، وهواجس خسارة الحصن الأخير لهم، فتصير الليلة ميداناً لبثّ هموم وأحزان العجائز الأربعة، التي سرعان ما تتقاطع مع هموم الممرضة وأحزانها، هي التي تبدو أيضاً تخشى شبح الشيخوخة، بعد أن فاتها قطار الزواج، ومات أهلها.

ما سيبوح به العجائز الأربعة، سيتجاوز ضيق أحوالهم اليومية، إذ سرعان ما ينفتح الحديث على اليومي والشخصي في حياتهم، عبر مونولوجات اختلطت فيها التراجيديا بالكوميديا، كما تسلّط الضوء على قضايا عامة، منها السياسي الإشكالي، ومنها الاجتماعي، فيما يشبه محاكمة جيل هرم لجيل لم يزل، ومحاكمة فترة زمانية عاشها هؤلاء المسنين، وبدت تلك الليلة الباردة الأخيرة لهم في الدار، شرفة يطلون عبرها على كل ما مرّ من أعمارهم، فكانوا بقرار التمرد على إدارة الدار، يعلنون تمردهم على حالهم وأحوالهم، وعلى العمر الذي فات.

“باب البراحة” الذي قدمه “مسرح الشباب للفنون”، أمس السبت في افتتاح المهرجان، من تأليف مرعي الحليان وإخراج مروان عبدالله صالح، وشارك في أداء الشخصيات الرئيسية ممثلون من ذوي الاحتياجات الخاصة، أبدوا طاقة تمثيلية هائلة في تجسيد شخصياتهم، وبمقدار ما بدت الأيام تثقل كاهل الشخصيات التمثيلية في النص، كانت تزهر في أجساد هؤلاء الممثلين، وهم يؤدون على الخشبة بحماس واندماج عاليين مع النص، على نحو كان من الصعب على جمهور العرض أن يلتقط الفارق في الأداء بينهم وبقية ممثلي العرض، أو تمييز أيّ من الممثلين كانت إعاقته حقيقية، أو كان يؤدي دور الإعاقة، وهو الأمر الذي يُحسب لممثلي العرض، وقدرة هذا الأخير على تحقيق شرط دمج ذوي الإعاقة بالمجتمع.

المقترح الإخراجي للفنان الشاب مروان عبد الله صالح، جاء بإيقاع أقل، فنجح في تقطيع الفراغ المسرحي بستائر بيضاء، كانت طوال العرض تقوم بتجزئة الحكايات، كما لو أنها تحدث تقطيعاً مونتاجياً بين مونولوجات أبطاله، بل جاءت الستائر في نهاية العرض لترسم حدود الوحدة التي تجد الممرضة نفسها متروكة فيها في نهاية العرض.

لكن “باب البراحة” افتقد في كثير من مراحله دراسة واضحة لميزانسين العرض، وهذا الأخير بدا غائباً على نحو كبير عن الرؤية الإخراجية، التي بدت مشغولة فقط بما يقوله الممثلون على الخشبة، فيما بدا اللعب على الإضاءة أقل من المطلوب بكثير، رغم أن حالة البوح التي يفرضها النصّ، تتطلّب اللعب بالإضاءة، استثماراً لقدرتها على عكس مكنونات الروح، بوصفها لاعباً رئيسياً على المسرح، في هذه الحالات، إلى جانب الموسيقا.

في كل الأحوال، يُحفظ للمخرج مروان عبدالله صالح قدرته على التعامل مع ممثلين من ذوي الإعاقة، وتحريكهم ضمن فضاء المسرح، بما يكفل إيصال مضامين نصه.

 

24 – ماهر منصور

http://www.24.ae



شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *