العرض المسرحي «هو فيه كده؟!» … قيم مُنهارة تفضحها الكوميديا

 

عُرض مؤخراً على المسرح العائم بالمنيل، التابع لمسرح الشباب العرض المسرحي «هو فيه كده؟!» بطولة … مجدي عبيد، محمود البنا، نيفين رفعت، خلود، نيفين أغا، ومصطفى حمزة. من إخراج عز الدين بدوي. والنص مأخوذ بتصرّف عن النص المسرحي «اللص الفاضل» للإيطالي «داريوفو». 
يحاول العرض المسرحي أن يستعرض نتائج القيم المُنهارة على عدة شخصيات، من خلال علاقاتهم الإنسانية الخاصة، وهو بذلك دون ادعاءات وطنطنات يكشف عن الخلل النفسي والقيمي في المجتمع، من خلال الكوميديا. فالشخصيات التي تبدو من الخارج مؤهلة للقيام بدور ما في الحياة، يعريها ويكشفها (لص) يعرف يقيناً مساوئ مهنته وموقف المجتمع منه، ولا يداري ذلك أو يتصنع، فهو فقط مجرد لص، وهذه هي مهنته، أما باقي الشخصيات التي يتكشف تورطها في علاقات تتنافى والأخلاقيات ــ خاصة مع عدم وجود مساحات للحب بين الشخصيات ــ تبدو أكثر وضاعة من اللص الفاضل، كما أطلق «داريوفو» على نصه المسرحي.

حالة الخفاء
الحالة الوحيدة التي يأمن فيها اللص ويسعى لاختلاقها هي حالة الخفاء، حتى يُتاح له العمل، فاللص (مجدي عبيد) يدخل شقة خالية من سكانها، بعد مراقبتها فترة من الوقت والتأكد بمغادرة الزوج والزوجة، ليبدو بمصباحه الكاشف وسط الظلام يُطالع الشقة ويُقارن محتوياتها وما خف وزنه وارتفع ثمنه. ليعود صاحب الشقة فجاة (محمود البنا) مُستغلاً غياب زوجته (خلود)، ويأتي بصديقته (نيفين رفعت)، هو الآخر يجد مأمنه في الخفاء، هذا الاضطراب الذي يحاول التغلب عليه، حتى تشعر صديقته المتزوجة ببعض الأمان. يحاول معها استغلال الوقت والمكان والإسراع لما جاءا من أجله، لكنها تتمهله، وتحاول أن تعقد مُقارنة بينه وبين زوجها، الذي يرضخ لطلباتها، بينما هذا الرجل الآن لا يلفتها فيه سوى إصراره عليها. ربما هذه هي الحالة الوحيدة والسبب الشخصي كمبرر درامي لخيانة الزوجة لزوجها. أما الرجل صاحب البيت فلا يرى من صديقته سوى جسدها، يتأمله في رغبة، ويكاد لا يستمع إلى مبرراتها، ويبدو غروره في سرد انتصاراته الشخصية. ليتضح أنه أحد المتعلقين بحبال السُلطة، وهو يُشير أنه نائب برلماني، ويستعد لخوض الانتخابات المُقبلة، ويضع دائماً مسدساً في جنبه كرجال الشرطة. المعادلة الآن بين رجل وسلاح وزجاجة خمر وامرأة لا تملك إلا جمالها وتناسق تكوينها الجسماني، والحفل كله يرعاه الخفاء، فلا أحد يرى ولا أحد يسمع.
اللص صاحب القيم
تقوم زوجة اللص (نيفين أغا) بالاتصال به على رقم تليفون البيت، فيرد صاحبه ويعرف بوجود اللص، ويقابله بالفعل، هذا اللص الذي رغم تهديدات صاحب البيت، يرد بأنه مجرد لص، ولا يستسيغ هذه العلاقات المشبوهة، ويصبح أداة تهديد للرجل السُلطوي ــ اللعبة القديمة بين السيد والعبد في شكل ساخر ــ وتأتي زوجة صاحب البيت، يضطر الأخير بالقول بأن اللص هو زوج صديقته، وأنهم أصدقاء. ثم تتصاعد الأحداث ليبدو الأمر كمهرجان للأكاذيب فتأتي زوجة اللص، ويأتي زوج الصديقة (مصطفى حمزة)، لنكتشف أنه يُصادق الزوجة ــ صاحبة البيت ــ خِفية. فالجميع صورة مُجسدة لقيم المجتمع المنهارة، في ما عدا اللص وزوجته، فكل منهما يعرف قدره ومهنته وطبيعة حياته.
الأداء
بما أن العرض بالكامل ينتمي إلى (كوميديا الفارس) وبالتالي المغالاة في الأداء والانفعالات، والانتقالات الحادة المتلاحقة في المواقف الدرامية، نجد أن هناك شططاً في أداء دور صاحب المنزل ــ قام بالدور محمود البنا ــ وأن مبالغته في طريقة نطق الحوار لم تكن بمستوى باقي الشخصيات، مما جعله يشذ قليلاً عن إيقاع العمل ككل. بينما أداء اللص وزوجته جاء في شكل أكثر تلقائية، وهو مما نمّط قليلاً من الفوارق بين اللص والثري، التي يعرفها المُشاهد جيداً، سواء في الأعمال التليفزيونية والسينمائية.
الديكور والإضاءة
حاول ديكور (محمد هاشم) أن يبدو بسيطاً وجمالياً في الوقت نفسه، ونظراً للمساحة الضيقة التي يدور بها العرض (صالة الشقة فقط) فالأشياء كانت تبدو كجزء من مكان أكبر، نجح الديكور في الإيحاء بها، خاصة عن طريق الإكسسوارات من تحف وتماثيل، كمحاولة لاستعراض طبيعة ساكني المكان والفئة الاجتماعية التي ينتمون إليها. بينما الإضاءة التي تكاد لم تتغير طوال العرض اهتمت أكثر بالحالة النفسية للشخصيات، وحالة التواطؤ التي سقطوا فيها جميعاً بإرادتهم، فلم تزدد حينما أصبح المكان يجمع جميع الشخصيات، بل حافظت على الإضاءة الخافتة، التي تحاول كل شخصية الاحتماء بها، كمعادل لحالة الكذب التي تعيشها، خِشية افتضاح أمرها.

 

محمد عبد الرحيم

http://www.alquds.co.uk/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *