المسرح التجاري بين تحدي المغامرة والنجاح الجماهيري

لا أحد يستطيع الاعتراض على أي شكل من أشكال المسرح طالما ابتعد عن الإسفاف والاستهانة بعقل المتفرج وطالما كان هدفه إثارة الوعي والحث على التفكير، وتحقيق

 

معادلة المسرح الاستراتيجية التي تبحث في معاناة الإنسان وتطرح مشاكله وهواجسه الاجتماعية والفكرية بما في ذلك تطلعاته للعيش في مناخ من الحرية والعدل وتحقيق الذات في إطار المجموع، وهي الفلسفة التي انطلقت منها أشكال الثقافة والفنون كافة منذ سقراط والمسرح اليوناني مرورا بمسرح العصور الوسطى وبدايات القرن التاسع عشر حتى اليوم .


يدفعنا هذا، للحديث عن المسرح التجاري، أو الجماهيري الذي هو شكل محبب في أرجاء الوطن العربي كافة، سيما وأنه يعتمد على جرعة من المشاهد والحوارات الكوميدية والضاحكة، ويحضره عدد كبير من المتفرجين في مناسبات اجتماعية وموسمية كثيرة كالأعياد والاحتفالات الاجتماعية وخلافها .


في الامارات ثمة تجربة ناجحة بدأت خلال السنوات القليلة الماضية تؤسس لفكرة المسرح التجاري الهادف الذي يخطط لجلب الجمهور إلى المسرح وتقريب الصلة بينه وبين هذا الفن العريق باختيار نصوص هادفة، اشتغلت حبكتها الدرامية على البيئة المحلية بشكل رئيس وقدمت قالباً درامياً يستمد ثيماته من واقع المجتمع المحلي والعربي والعالمي المعاصر .


من هذه المسرحيات “عجيب غريب” وهي من إخراج وإنتاج الفنان أحمد الجسمي وبرعاية مجموعة مسارح الشارقة، ومن تأليف الكاتب جمال سالم وتمثيل نخبة من الفنانين الإماراتيين بينهم مرعي الحليان وموسى البقيشي والجسمي وغيرهم .


نجح العمل الذي نقدمه كنموذج للمسرح التجاري الهادف على صعيد جماهيري لافت لأنه قدمت فرجة في إطار حبكة مسرحية اشتغلت على مجموعة من القفشات والمواقف الاجتماعية الضاحكة التي تجمع بين كوميديا الموقف وفكرة النقد الاجتماعي، حيث تأسست مادته المسرحية الدرامية على واقع المجتمع المحلي الذي أصبح يعاني من مجموعة من العادات والقيم السلبية الدخيلة التي يخشى من تفاقمها، وكان النص بهذه الصورة هو أحد العناصر الرئيسة التي أسهمت في نجاح العرض ناهيك عن وجود فنانين مخضرمين كالجسمي والحليان وغيرهما من رموز الفن المسرحي في الإمارات بما اكتسبوه من خبرة ومراس في الشأن المسرحي على المستويين المحلي والعربي .


على أن الظاهرة الجوهرية التي يمكن ملاحظتها بشأن المسرح التجاري في الإمارات، تتمثل في عدم انتشاره على نطاق واسع، فهو مسرح مكلف ماديا، ويحتاج إلى تأثيث مسرحي سينوغرافي مكلف لجهة توفير عناصر الإضاءة والإبهار والديكور، كما أنه مسرح يعتمد المجاميع في غالب الأحيان، ومثل هذه الكلفة تمنع المسرحيين الإماراتيين من المجازفة غير المدروسة التي ربما تنتهي بخسائر مادية لا يمكن تعويضها، ومثل هذه الملاحظة أكدها الفنان مرعي الحليان، حيث يتخوف المنتجون من المغامرة في هذا الميدان، بسبب الشك في قدرة هذا المسرح على جلب عائدات مادية ملموسة وبالتالي التخوف من مسألة الفشل الجماهيري .


من هنا، فإن التأكيد على نجاح فكرة المسرح التجاري من عدمه مرهون بقدرة هذا المسرح على الإقناع، إذ لا تكفي النوايا الطيبة في أحيان كثيرة، لنجاع العرض التجاري ما لم تتم دراسة الفعل المسرحي ضمن ثلاثية النص والأداء والمتفرج، وكما قلنا سابقا فإن الشكل بحد ذاته ليس مهما كما أن التركيز على عقل المشاهد والاستحواذ على مشاعره طوال زمن العرض المسرحي يحتاج إلى جهد استثنائي في استخدام عناصر العرض كافة من نص وممثلين وكومبارس بما في ذلك تحسين شروط الأداء الفني واللعب على الممثل الذي يعتبر لب العمل المسرح وأساس نجاحه، كما أن على الفنان المؤدي أن يكون ملماً بالشأن المسرحي ومطلعاً وقارئاً ولديه حس فني بشؤون مجتمعه وقواعده ومسلماته، فالمسرح التجاري يستطيع جذب شرائح اجتماعية متنوعة تجمع بين النخبة والجمهور، والموازنة الدقيقة في اختيار نص ناجح تتطلب الانتباه إلى هذه المسألة وبذل جهد أكبر في دراسة نبض الواقع، والمسرح التجاري مطالب بعدم الانحياز لفئة مجتمعية على حساب فئة، وإذا كانت مسرحية “عجيب غريب” قد قدمت فرجة مسرحية ناجحة بكل المقاييس فإن المسرح الإماراتي مطالب بتكرار هذه الفكرة فهي تصب في مصلحة الوعي، كما تؤكد على دور المسرح في التثقيف والتطور وتنمية الحس الفني لدى المشاهدين .

 

الشارقة – عثمان حسن:

http://www.alkhaleej.ae

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *