حريق مسرح بني سويف.. لازال الجاني طليقًا

 

تمر اليوم الذكرى السابعة لفاجعة حريق مسرح بنى سويف، حين وصل الفساد وتسليع الثقافة إلى نهايتهما المحتومة مع تصاعد ألسنة الدخان جراء احتراق اللحم البشري في نهاية عرض مسرحية «من منا؟» بينما كان الممثلون يقدمون تحيتهم للمتفرجين من مثقفين ومسرحيين.

 

 

كان حريق مسرح بنى سويف هو «القشة التى قسمت ظهر البعير». فالحادث كان بداية حقيقية لتعرية سياسة دولة تنتهك ليس فقط ثقافة وتراث وطن، بل وآدمية شعبه.. وهو كان أيضًا بداية لفضح طبيعة نظام تحول في ظله الإهمال والفساد إلى واقع يومى يواجه المبدع فيجعل موته، وليس أقل من ذلك، ضريبة لإبداعه.

فساد البشر

«في الخامس من سبتمبر عام 2005 كان أول ثأر شخصي بيني وبين نظام مبارك، وذلك حين فقدت عمي وأخي وصديقي وأستاذي ومثلي الأعلى نزار سمك»، كتبت الصحفية دينا سمك، إحدى قريبات شهيد من شهداء حريق مسرح بنى سويف، هذه الجملة على موقع التواصل الإجتماعى «فيس بوك» مع اقتراب الذكري السابعة لحريق المسرح. وأضافت بكلمات تقطر ألمًا وصدقًا كاشفة عن استمرار السياسة التي أحرقت شهداء المسرح حتى يومنا هذا «ولكن يبدو أن نار نزار في قلبي لن تنطفيء. فكلما شاهدت صورته وتذكرت اسمه، وهو ما يحدث كل يوم تقريبًا، أدركت أن الثأر لم يكتمل بعد وأن دماء نزار، ومن كانوا معه، ومن انضموا لقافلة الشهداء من بعده، أغلى من أن تكون ثمنًا لوجوه تسقط في حين يبقى ما ناضلوا ضده قائمًا: القهر والظلم والاستغلال».

حين سمع المخرج المسرحي ومؤسس فرقة «أتيليه المسرح» محمد عبد الخالق بخبر الحريق عبر الراديو لم يخطر بباله أن أصدقاءه وأساتذته هم أصحاب المشهد المأساوي. «مكالمة مقلقة» بحسب تعبيره هي التي نبهته إلى الحقيقة ودعته إلى الاتصال بأصدقائه من حضور العرض عبر الهاتف «ليطمئن عليهم». لكن الرد كان «صفارة».. «كانت دي أول مرة أسمع الصوت ده.. أصل عمرى ما جربت أكلم حد تليفونه محروق.»

أما المخرجة المسرحية عبير علي، فلازالت صدمة الحدث طازجة في جرس كلماتها: «حقولك إيه؟! الشعب نفسه فاسد.».. «الناس كانوا بيجروا فى الشوارع وهما محروقين.. بيجروا وبيصرخوا بصوت عالي وسط حالة من الذهول أصابت المارة لأن المحروق ما كانش شايف نفسه.»

وتحكي عبير أن «سواقين التاكسى كانوا بيرفضوا يركّبوا حد معاهم.. أما الموظفين في المستشفيات، فكانوا بيرفضوا يستقبلوا الحالات»، وذلك لأن الخوف والإجراءات البيروقراطية انتصرا على حق البشر في الحياة، فكانت النتيجة أن انضمت إلى قائمة الشهداء أعداد أخرى كان يمكن إنقاذها لولا «فساد البشر».

بيروقراطية

يذكر تقرير لجنة تقصي الحقائق الصادر عن «جماعة 5 سبتمبر» التي تشكلت بعد الحادث أن عربات الحماية المدنية التى تبعد عن موقع الحريق مسافة 5 دقائق جاءت بعد مرور ما لا يقل عن 50 دقيقة. وبعد وصول العربات حاول عمال الإطفاء استخدام الخراطيم لإطفاء الحريق، لكنهم لم يجدوا مياهًا يضخونها.

الطريف، والمؤلم كذلك، أن بعض سيارات الإسعاف ظلت رابضة أمام المستشفى بلا حراك، وذلك حتى لا يفوتها شرف المشاركة فى المشهد الإعلامي المتجمع بعد الحادث، مدعية أنها قامت بنقل المصابين من مكان الحادث إلى ساحة المستشفى.

وهكذا أصبح مصير الحرقى معلقًا بالمحاولات العشوائية التي قام بها المتواجدون في محيط المسرح لنقل المصابين. لكن رفض موظفو المستشفى استقبال الضحايا إلا بعد الانتهاء من الإجراءات القانونية كلفهم نصف ساعة أخرى أضافت إلى قائمة القتلى. وأخيرًا دخل المصابون (أغلبهم بحروق من الدرجة الثالثة) إلى المستشفى ليجدوا أنفسهم في بيئة لا يتوافر بها الحد الأدنى من الرعاية الصحية، مما أضاف إلى الموتى رقمًا جديدًا.

ويذكر التقرير المشار إليه أنه حينما زار وزير الصحة ومحافظ بنى سويف المصابين دبت الحيوية في العاملين بالمستشفى في نوبة نشاط بيروقراطي تعرف العمل فقط حين يظهر الرؤساء.

وحتى لا يظن البعض أن المكتوب هنا نقلًا عن تقرير تقصي الحقائق هو مجرد مشاهد سينمائية من خيال مؤلفيه، فإننا نؤكد أن التقرير تم توثيقه بشهادت شهود عيان كانوا متواجدين في مكان الحادث، وتم تقديم نسخة منه للنائب العام منذ عامين لما يتضمنه من شهادات يمكن اعتبارها أدلة جديدة تستلزم إعادة فتح التحقيق في القضية.

مفيش دولة

لا يمكن اعتبار هذه السلسلة من الحوادث الصغيرة، بدءًا من الحريق ذاته، إلى إهمال الإسعاف والمطافئ، إلى لا مبالاة البيروقراطية وفساد البشر، مجرد صدف متراصة أودت، قضاءً وقدرًا، بأرواح عشرات من المبدعين. فالأكيد أن حادثة بني سويف ليست حادثة فردية، بل ناقوس خطر أشار، مبكرًا، إلى تهالك حقيقي في كيان الدولة.

يقول المخرج المسرحى والرئيس السابق للبيت الفني للمسرح السابق ناصر عبد المنعم إن «حريق بنى سويف كسر الإعتقاد السائد بوجود دولة قمعية تتحكم فى مؤسسات الدولة. فما حدث أثبت مدى التهالك الشديد الذى أصاب الدولة.. يومها عرفنا إن مفيش دولة».

وتكمل عبير علي قائلة «أنا عارفة إن كلامى مش حيعجب ناس كتير.. بس من الآخر الكل مسؤول، من أول الفنان لحد الدولة.. هما بيخيرونا يا أما نموت جسديًا بسبب عدم وجود أمان، يا أما نموت صمتًا لما ما نقدمش فن.. ومن هنا تأتي المأساة».

 

أحمد المصري

http://www.almasryalyoum.com

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *