استثمار المسرح للتعريف بالثقافة الإماراتية

أخذت التحولات التي فرضتها آليات السوق تفرض نفسها على نطاق واسع عالمياً، وليس الوطن العربي استثناء في هذا الأمر، خاصة البلدان التي تشكل خط تماس مع الاقتصاد العالمي، أو معاييره المؤسساتية، وقد تكون التجربة الخليجية عموماً، والإماراتية خصوصاً، واحدة من التجارب العربية الأكثر وضوحاً في التفاعل مع المفاهيم الجديدة لآليات السوق، وعندما نتحدث عن هذه الآليات فإن المنتجات أياً تكن تصبح من الممكن إخضاعها لهذه الآليات، بما فيها المنتج الإبداعي، وخاصة في آليات تسويق هذا المنتج، وزيادة المردودية المعنوية والمادية للعاملين في حقل إبداعي ما، وهو ما يسهم في إيجاد بيئة تنافسية من شأنها تطوير صلة المنتج بالمستهلك/المتلقي .

 

 

 

في الإمارات التي شهدت  وما تزال  إنتاجاً مسرحياً وافراً، فإن تسويق هذه الأعمال يبدو أمراً قابلاً للنقاش، وللتفاعل معه في أكثر من إطار، خاصة أن تجربة التشكيل في الإمارات هي تجربة واضحة عن طبيعة التفاعل بين المنتج الإبداعي وآليات السوق، حيث استقرت الكثير من الغاليرهات العالمية في دبي، وأصبح لها وكلاء عاملون ينظمون المعارض الفنية، ويروجون للأعمال التشكيلية التي تمثل مختلف الاتجاهات التشكيلية، وقد أثبتت هذه التجربة نفسها في الواقع الموضوعي، وهو ما يجعلنا نتساءل عن إمكانية مقاربتها مع الحالة المسرحية من هذا الباب .

 

في كل عام تشهد الإمارات إنتاج العشرات من الأعمال المسرحية، خاصة أن منافذ العرض المتعلقة بالمهرجانات قابلة للاستيعاب، إضافة إلى وجود دعم واضح من المؤسسات الثقافية للمسرح، وقد يكون من المفيد وجود آلية لتسويق العروض بشكل منظم داخل الإمارات وخارجها، كي يكون هناك أكبر قدر من التناسب بين الجهد المبذول في العرض (تأليفياً، وإخراجياً، وأدائياً، وتقنياً، ومالياً) وعدد المرات التي يقدم فيها العرض للجمهور، وألا تكون العروض مخصصة من أجل المهرجانات فقط، مع وجود استثناءات متعددة، إلا أن محدودية عدد أيام العرض للمسرحية الواحدة هي الظاهرة الأبرز، خاصة في أعمال مسرح الشباب، مع أن بعضها يستحق في الواقع أن يعرض لأكثر من مرة، وأن يتم تسويقه عربياً، و”ربما” عالمياً، فلغة المسرح لغة عالمية، والكل يعرف أن العروض الاجنبية تقدم في بلدان لا تعرف أحياناً اللغة الأصلية للعرض، كما أن بعض تلك العروض تشارك في احتفاليات عربية مختلفة .

 

إن الغريب والعجائبي الذي يعتاش منه المسرح في الكثير من عروضه هو أمر موجود في المسرح الإماراتي، كما أن وجود حامل موضوعي تاريخي ضمن العرض المسرحي، هو أمر موجود في الكثير من التجارب العالمية، وهو ما يتجسد أحياناً بشخصية تاريخية قابلة لإعادة الصياغة وفق مخيلة إبداعية وإخراجية مغايرة كل مرة، ومن هذه الشخصيات في المسرح الإماراتي تأخذ شخصية النوخذة موقعاً مركزياً، ويمكن أن تكون الحامل الموضوعي لعروض تأخذ في الحسبان أنها ستقدم لجمهور متعدد الثقافات، وفي بلدان عدة، وهنا قد يكون العامل الإخراجي مهماً جداً لتقديم حالة مشهدية تستقطب الجمهور، الأمر الذي من شأنه أن يسهم في تسويق العروض داخل الدولة وخارجها .

 

إن الاستفادة من وجود دعم مادي ومعنوي للمسرح في الإمارات يمكن أن يسهم في اتجاهات عدة، ومنها إيجاد آليات لتسويق العروض، خاصة أن الإمارات لديها تجارب مهمة في آليات السوق، وفي تقنيات الترويج، وفي الانفتاح على التجارب العالمية في شتى المجالات، وكل ذلك يمكن اعتباره منصة انطلاق يستفيد منها المسرحيون الإماراتيون من أجل جعل العمل المسرحي عملاً متواصلاً، بحيث يكون للفرق المسرحية أجندة للعرض على مدار العام، وكلنا نعرف أن تجربة الفرق هي تجربة تقوم على الاستفادة من التنقل بين دول عدة، كما أنها تشكل بوابة للتعريف بثقافة بلدانها، فالعمل المسرحي هو حامل ثقافي متعدد الأوجه، وقادر على نقل سياقات تطور الثقافة المحلية، وما تختزنه من إمكانات .

 

الشارقة – حسام ميرو:

http://www.alkhaleej.ae

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

 

 

 

This will close in 5 seconds