الناقد المسرحي احمد شنيقي: المسرح الجزائري يعيش وضعا كارثيا !

الناقد المختص في المسرح والأستاذ الجامعي احمد شنيقي ترك بصماته راسخة في الساحة الجزائرية والإفريقية اذا يعتبر من القلائل المتتبعين لحركة المسرح الافريقي من خلال اصداره ‘المسرح في افريقيا السوداء، مسارات وميول’، والى جانب تدريسه بجامعة عنابة وبالسوربون يقوم الاكاديمي احمد شنيقي بتقديم محاضرات عن المسرح بالمهرجانات الخاصة في هذا المجال وهو حاليا بصدد انتظار صدور كتابه الخامس بالولايات المتحدة الامريكية المعنون بـ’ المسرح في البلدان العربية، يوميات تجربة فريدة’.

هنا نص الحوار:
* هل يمكن ان تعطينا صورة عن واقع المسرح الجزائري؟
*لم يصل المسرح الجزائري الى مستوى متدن من الانحطاط مثلما يعيش فيه اليوم، وهو تدهور خطير الذي يعرفه المسرح الجزائري في مجتمع يعاني من عدة جروح وفي مختلف المستويات موقعة بطابع اللامواطنة. الهياكل المسرحية المتواجدة تجاوزها الزمن وهي تستدعي اصلاحا جذريا ولكن هل هذا ممكن في بلد بحاجة الى اصلاحات عميقة خاصة في طريقة التسيير الحكومي و التسيير الاقتصادي والاجتماعي؟.
* اليوم ونحن نحتفل بالذكرى الخمسين للاستقلال ما هو تقييمكم لحصيلة المسرح على مدار هذه السنوات؟
* المسرح الجزائري يعيش وضعا كارثيا، صحيح ان الاموال موجودة ولكن هي تصرف في غير محلها كما انها تبذر في تنظيم مهرجانات لا فائدة منها في الوقت الذي نحن بحاجة الى القيام بعمل عميق يستمر في الوقت .
ان مركزية القرار والهيمنة على السلطة على مستوى الوزارة هو في حد ذاته استهزاء في حق الجميع ويعيق كل عملية جادة تصبوا الى اللامركزية.
* هل ترون ان معهد فنون العرض ومهن السمعي البصري لا يزال يقوم بالدور المنوط به وهل استطاع ان يملأ الفراغ الذي كان موجودا على مستوى التكوين الخاص بالممثلين؟
* هنالك مشكل عويص فيما يتعلق بموضوع التكوين في الجزائر، فمعهد فنون العرض ومهن السمعي البصري فقير علميا وبيداغوجيا وبحكم انني درست في العشرات من الجامعات اوروبية لا يمكنني إلا ان اؤكد لكم ان معهد فنون العرض ومهن السمعي البصري يفتقد الى اطارات كفوءة و منغلق على نفسه مما يجعله ضعيفا ولا يساير ما يحدث في الدول الاخرى ولا يمتلك أفقا بيداغوجيا محكما،.
كما يمكن اضافة ان اقسام المسرح بالجامعات على غرار جامعة محافظة وهران، عاصمة الغرب الجزائري، تتسم بغياب تام للجدية وحتى تكوين الممثلين فحدث ولا حرج الى جانب التكوين الشخصي الذي يبقى غائبا، فالممثل ينسى ، حسب مقولة ميرهولد، ان الجسد هو الفضاء الاساسي لمهنته وهو رأسماله، صحيح ان هنالك مسارح تنظم تربصات تكوينية الا انها تؤطر من قبل مكونين هم بحاجة الى تكوين لقد حان الوقت للتفتح على الاخر وذلك بإرسال بعثات الى الخارج وتحديدا الى المسارح الكبرى لتعليمهم المهنة ، لعلمكم فان مشكل التكوين يمس جل الدول العربية.
* يرى النقاد والمتتبعين للشأن المسرحي ان هذا الاخير يعاني من ازمة النص هل توافقون الرأي ام لديكم رأيا اخر ؟
* من هؤلاء النقاد الذين اغلبيتهم لا يعرفون جيدا المسرح ، أصوله تطوره، انواعه و اتجاهته الكبرى وهم سجناء لقراءة تاريخية للمسرح ولم يسبق لهم ان شاهدوا مسرحية بالخارج فيما يبقى المسرح الحقيقي متواجد بأوروبا ، بالولايات المتحدة الامريكية و بعض الدول الاسيوية كيف لي ان اتكلم عن المسرح ان لم اتحكم في ستانسلافسكي، ميرهولد، بريخت ، كانتور، غروتوسكي، منوشكين او بروك ومن غير ان اطلع على المسارح في العالم.
* وماهو رايكم الشخصي فيما يتعلق بأزمة النص؟
*لا توجد ازمة للنص يمكننا ان نقوم بالعمل المسرحي من كل شيء مثلما كان يحبذ قوله المخرج المسرحي الفرنسي انطوان فيتاز، هنالك الالاف من النصوص المسرحية ضمن السجل العالمي ولا ينقصنا الى مخرجين متمكنين وقادرين بتحوليها على الركح كما ينقصنا ايضا ممثلين كفؤ بدون ان ننسى المهن الاخرى المرتبطة بالمسرح والتي ‘انقرضت’ برحيل ممتهنيها ، المسرح هو الكل وهو اجتماع عدد من المهن والعديد من الشفرات وهو عمل جماعي وان نقص منه عنصرا فيضحى العمل غير مكتمل.
وللأسف في بلدنا ينقصنا كل شيء كما ان مدراء المسارح يسيرون مؤسساتهم كما لو انهم يسيرون حوانيت صغيرة المتواجدة بحيهم اذ لا يعرفون خصوصية تسيير المؤسسات المسرحية وهم يمكثون في مناصبهم للأبد ولا يقومون بالنقد الذاتي ان تطلب منهم الامر ذلك.
* ظهرت في السنوات الاخيرة ظاهرة جديدة في المسرح الجزائري تتمثل في الاقتباس ما رأيكم في النصوص المقتبسة الى يومنا؟
* كل عمل مسرحي وفني هو في حد ذاته اقتباس وحتى الترجمة فهي كذلك، انا احبذ كثيرا مقولة رولان بارت و بورج اللذين يريان ان كل عمل ادبي ومسرحي هو استنساخ معمم ولكن ما يميز الواحد عن الاخر هو انتاج النص ومسألة خصوصية للغة والاقتباس هو كلمة لا بد من تحديدها بجدية.
* ولكنكم لم تجيبوا على سؤالي؟
* ان كان كل عمل هو في حد ذاته اقتباس فإن صراحة بالجزائر كل النصوص التي اطلعت عليها ينقصها القوة الدرامية مقارنة بأعمال علولة ورويشد و بن عيسى و كاتب ياسين، المشكلة هي اننا لا نعرف مبادئ وأسس الكتابة الدرامية ،وهذا ان بقيت الكتابة حرة يمككنا السفر الى الماضي مع بشطارزي وتوري اللذين وفقا في منحنا نصوصا مقتبسة تعايش الوقت وجزائرية مهمة جدا سيما نصوص لموليير او علولة وهو يسترجع نسين او احداثا دراماتيكية صينية او كاتب ياسين وهو يستدعي الشيو الفيتنامي و يساير الواقع الجزائري او كاكي وهو يعيد العمل على اعمال برخيت التي استعار منها الهندسة النصية سيما ‘خادمة سي شوان’.
*كيف ترون مستقبل المسرح الجزائري في ظل الواقع السوداوي الذي قمتم بإبرازه لنا وما هي في نظركم الحلول الناجعة التي يمكن ان تتخذ من اجل احداث نهضة حقيقية للمسرح الجزائري ؟
* حسب اعتقادي لا بد من القيام بعمل جاد يمكننا من ادراك واقع النشاط المسرحي بالجزائر وهذا بمسائلة النصوص القانونية والمراسيم انطلاقا من المرسوم الخاص بتأميم المسارح الصادر في جانفي 1963 و كذلك العمل الذي قام به علولة والمتمثل في اللامركزية وشبكة الاجور. اعادة العمل على هذه النصوص التي تجاوزها الزمن واقتراح تنظيم جديد لمسارح الدولة على شكل وحدات مستقلة وإعادة تحديد مفهوم التعاونيات و جعلها عبارة عن فرق مسرحية مدعمة او حتى خاصة منظمة على شكل مؤسسات مصغرة،اعادة مراجعة التكوين وهذا بجلب مكنونين بكفاءة وخبرة من الخارج كما لا ننسى العمل على الذاكرة والتي تنقصنا بالجزائر رغم الخطابات الرنانة للمسؤولين بوزارة الثقافة الذين يتجاهلون هذه المسألة الجوهرية والذين يرون الناشطين على الساحة المسرحية يرحلون الواحد تلو الاخر بدون القيام بعمل يهدف الى ارشفة الكم الهائل من الوثائق، كما لابد ايضا من اعادة النظر في التسيير المؤسساتي المسرحي والذي يخضع الى تسيير خاص . فالغلبية المتواجدين على رأس هذه المؤسسات يشتغلون مثل البوابين او حراس المسارح بدون أي تكوين.

 

أجرى الحوار : رياض وطار

http://www.alquds.co.uk

 

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *