النص المسرحي العربي.. أين أنت يا صاح؟

 

يقودنا الحديث عن المسرح إلى الحديث عن المجتمع بكلّ أطيافه وأعرافه، نتيجةً للتلاقح الأبدي بينهما، لما يشكله ذلك من انعكاس. فبلدان العالم الثالث تواجه مشكلات وأزمات على كافة الأصعدة، “انتهت مؤخراً بالعولمة الاقتصادية والثقافية والإعلامية، وهذا ما هدد وجود المسرح الوطني، بما في ذلك العادات والطقوس وأشكال الإبداع الأدبي والفكري”.
أزمة نصّ
لا مسرح بدون أزمة، وما من قطر عربي لا يشكو فيه المسرح، ويرى البعض أن وزارات الثقافة في الدول العربية هي المسؤولة عن تردي الأزمة.. وما يهمنا في هذا الاستطلاع هو أزمة النص المسرحي العربي، من خلال آراء بعض المهتمين بالمسرح. والسؤال الأول: ماذا تفهم من أزمة النص المسرحي، وهل مصطلح الأزمة صحيح؟ ولماذا؟
يعتقد المسرحي السوري “جمال آدم” أنه “دائماً كان المسرح العربي يعاني من أزمة نص رديئة، أسهمت بشكل أو بآخر في تكريس عزلته عن الشارع العربي، وبالتالي كان المسرح وما زال ترفاً بالنسبة للمواطن العربي، وكان العمل فيه متعة شخصية قد لا تفيد صاحبها حتى بجعله يكسب منه. ومن هنا، نعتقد بظهور بعض المقولات التي تشير إلى أن المسرح لا يُطعم خبزاً، وكان لزاماً على الجيل الجديد في المسرح العربي أن يسعى من أجل تقديم تصورات مستقبلية والتأكيد على ضرورة إعلاء شأن المسرح قلباً وقالباً، شكلاً ومضموناً”.
ويجيب عن السؤال المسرحي العراقي “أحمد الماجد” قائلاً: “الأزمة أزمة إدارات مسارح، لا أزمة نص، ولا أحد يجهد في البحث عن نصوص مسرحية جيدة، فالسائد الآن هو أنه لا ضير من الاعتماد على نصوص مسرحية ضعيفة ما دام الكاتب ينتمي إلى تلك الفرقة المسرحية بعينها، كما أن إدارات المسارح إذا كانت تدري بضعف النص فتلك مصيبة، وإذا كانت لا تدري، فعليها الاستعانة بالخبرات المسرحية المتوفرة في مجال كتابة النص المسرحي، أو تشكيل لجنة لاختيار النص الجيد من بين النصوص المقدمة لكي يكون على الخشبة”.
في حين لا يعتقد المسرحي السوري “راهيم حساوي” أن “ثمة ما يسمى بأزمة النص المسرحي، فلم يأخذ النص المسرحي معالمه الحقيقية بعد، فكيف لهذا النص أن يكون له أزمة وهو غير موجود بالأصل، ربما الأجدر بنا أنْ نتساءل أين هو النص المسرحي بدلاً من التحدث بأزمة النص المسرحي العربي؟ فثمة محاولات جادة لبعض الكتّاب أخذت تتبلور في نتاج النص المسرحي، وبعد اكتمال هذا النتاج بإمكاننا أنْ نتساءل عمّا يسمى أزمة النص المسرحي، لأن أزمة النص المسرحي أزمة أوجدها الشاغلون بالثقافة عبر المنابر”.
أزمة استعانة
يهرب الكثير من المخرجين المسرحيين من النصوص المحلية إلى نصوص أجنبية، إما لأنها قليلة أو غير قوية قد لا تلائم مجتمعنا. فهناك مشكلة في النصوص الركيكة التي تعالج قضايا مستهلكة خالية تماماً من عناصر الدراما، فالجمهور يكون قد ملّ مشاهدة عروض تحاكي حالات اجتماعية معينة تفرغ لتوها المشاهد من مشاهدتها على التلفزيون، والسبب الآخر هو ضعف المخرج في إخراج النصوص الجيدة، لأن هناك مَن يقول إن المخرج هو الذي يسبب أزمة النص عند عدم مقدرته على إخراج النصوص بصورة مهنية ودرامية في بعض الأحيان. فلماذا تتم الاستعانة بالنصوص الأجنبية على خشبات مسارحنا؟
يرى الكاتب “أحمد الماجد” العكس “ندرةً في التعامل مع النص المسرحي الأجنبي في وقتنا الحالي، ففي العراق، وكذلك الإمارات نكاد لا نرى نصاً مسرحياً أجنبياً يُعرض على الخشبة، ولو تابعتَ ما عُرض في السنوات الماضية، وفي مختلف المهرجانات المسرحية للكبار والأطفال، للاحظتَ ندرة الاستعانة بالنص المسرحي الأجنبي، فالنص المسرحي الاجنبي له خصوصيته المكانية، ولأن المسرح مرآة لما يحدث في الواقع، أرى أن النص المسرحي الأجنبي لم يعد بطروحاته يدعم مسرحنا العربي في توجهاته وخطابه”.
بينما يرد الكاتب “جمال آدم” ذلك إلى أنه “مع غياب النص المسرحي وغياب الكاتب المسرحي العربي، وجد المسرح نفسه في الظل وكان لا بد من الاعتماد على النص الغربي تلبيةً لحماس شباب أحبوا المسرح، ولعل محاولات خجولة نجحت في إعداد بعض النصوص الأجنبية في محاولة لجعلها واقعية في ظل غياب الأفكار الإبداعية الخلاقة، لا ننكر أن هناك بعض المحاولات التي تظهر هنا وهناك، ولكن غياب الكاتب المسرحي تلازم مع غياب لمعنى المسرح العربي، مما يجعل بعض النقاد غير متفائلين بواقع المسرح العربي ومستقبله الذي يزداد سواداً مع غياب الكتّاب الشباب بل صُناع المسرح الشباب. ومع تزايد المد الإسلامي في الثورات العربية الحالية، يخشى البعض من أن يطيح الربيع الحالي بكل أشكال الفنون الحديثة ومن شأنها المسرح، ويبدو الرهان على المعطيات الجديدة رهناً هو الآخر بما ستؤول إليه الأمور في وقت يعتبر من أصعب الأوقات التي تمر فيها كل أشكال الفنون البصرية العربية، ويمر معها النص المسرحي في مجاهل موت عابر”.
في حين يرد الكاتب “راهيم حساوي” المسألة إلى عدة أسباب أهمها “عدم وجود نص عربي قادر على رصد أزمات الإنسان الحقيقية، مثل تلك النصوص التي سبقنا الغرب بها، فالغرب كانوا ومازالوا يتعاملون مع المسرح على أنه لغة عالمية يكمن رفدها لأي مكان وفي أي زمان، بينما بقي مسرحنا يدور في دائرة الأرشفة ورصد الحدث الذي، وبمجرد ما أن ينتهي هذا الحدث ينتهي معه النص. كما يعاني مسرحنا من قدرة الشاغلين في المسرح على التعامل مع نصوص مغايرة لما هو موجود، إذ تنقصهم الجرأة في الرهان على مثل هذه النصوص، في حين استطاع الغرب على الرهان على نصوص لم تكن سوى نصوصاً في الظلام، وكان رهانهم ناجحاً، وراح العرب بعد هذا النجاح يعتاشون على فتات تلك النجاحات”.
أزمة ومعاناة
لأن أزمة المسرح السوري جزءٌ من أزمة الفن وبالتالي جزء من الثقافة العامة، فهي تابعة للسياسة العامة للمجتمع والدولة بشكل أو بآخر.
لذا، فأزمة النص المسرحي السوري مرهونة بالوعي الثقافي والفكري والإدراك الحقيقي لدور المسرح، فضلاً عن آليات العمل والإنتاج و تشويش مفهوم الإبداع والتجريب بسبب غياب الثقافة الحقيقية بالمسرح وتطوره العالمي وغياب النقد المسرحي الجاد وتغييب المؤلف عن الساحة المسرحية وغياب القيم الفكرية. إذاً، مم يعاني النص المسرحي العربي؟
يرى الكاتب “راهيم حساوي” أن أكثر ما يعانيه النص المسرحي العربي هو أن ظهور المسرح عند العرب ظهورٌ له أزماته منذ البدء، ومازال المسرح العربي لديه عقدة ذاك الظهور، فكأن المسرح العربي يعاني عقدة الخجل الناجم من ذاك الظهور. لقد عانى المسرح العربي اضطهاداً معروفاً، وبقي إلى هذه الفترة يعاني ذاك الاضطهاد، وكأن الفكرة الوحيدة المخلصة لذاك الاضطهاد هو العمل على نتاج مسرح بأي شكل من الأشكال دون الانتباه لمحتوى هذا النتاج، نصوص إثر نصوص، وعروض إثر عروض، فقط التركيز على فكرة النتاج، ومن هنا جاءت معاناة المسرح العربي، إذ إنه يفتقر إلى الثقة بالنفس، فبدأت فكرة التركيز على الكم أكثر من فكرة النوع. ومن جهة أخرى، إن أزمة النص المسرحي لا تنفصل عن أزمة الثقافة العربية التي تعاني من شح واضح في القدرة على بناء المثقف الحقيقي فيما يخص الكاتب والقارئ معاً، وهذا كله مرهون بالأنظمة التي مارست سطوتها على قتل كل تطلعات الجماهير في السعي نحو نص عربي ينتشل الإنسان من قاعه المرير”.
ويقول الكاتب “أحمد الماجد”: “يعاني النص المسرحي العربي من ندرة وجود الكاتب المسرحي المختص، فترى الكثيرين ممَن يكتبون للمسرح يمارسون التمثيل والإخراج وأحياناً الإضاءة والديكور أيضاً، أو أنهم روائيون وقاصون يمارسون المسرح على استحياء، وبرأيي أن الاختصاص أساس الإبداع، كما المباشرة في تناول الأحداث الراهنة، فهذا الأمر يحول رسالة المسرح التنويرية إلى خطاب يلقى في مجمع من الناس”. مضيفاً: “يركز النص المسرحي العربي على الشكل دون المضمون، أو العكس، فترى ثرثرة كلامية لا داعي لوجودها، مرد ذلك إلى اللغة الخطابية العالية التي يمتاز بها الكتّاب العرب باعتبار أننا أمة الكلام. بالإضافة الى استسهال عملية الكتابة المسرحية لدى الكثيرين ممَن لا يملكون أدوات الكتابة المسرحية، فقد أضحت لمَن هبّ ودبّ، مع أن أساس أي عرض مسرحي ناجح هو النص الجيد المكتوب على نار هادئة من كاتب مسرحي متخصص، والدلائل واضحة وملموسة في العديد من العروض المسرحية التي تُعاقَب بالطرد من المهرجانات لا لشيء، سوى لتبنيها نصاً ضعيفاً لا يملك مفاتيح نجاح أي عرض”.
مقومات نجاح النص المسرحي العربي
المقومات حسب الكاتب “أحمد الماجد” هي “ببساطة وبدون فذلكة، أن يحمل النص المسرحي قضايا الإنسان العربي المعاصر في خطابه، كي يخلق حميمية مع الجمهور فيتفاعلون معه ويتأثرون فيه، وهي غاية العرض مسرحي وهدفه الأسمى”.
لذا، العوائق التي تعترض الكاتب المسرحي تتمثل في قلة الدعم المادي، ومستوى الحرية السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، ويجب العمل على حلها، من خلال تخفيف الرقابة على العروض المسرحية، وزيادة الدعم المادي لكل القائمين على المسرح، والاهتمام أكثر بالإعلام المسرحي، وكذلك بالجمهور، من خلال تقديم محتوى ثقافي هام، والبساطة في الطرح، مع دعم وتمويل النصوص المسرحية، وتبسيط الأفكار ليعود المسرح إلى جماليته. والأهم، الإيمان بأهمية المسرح في المجتمع وقدرته على تغييره نحو الأفضل.
Alchy1984@hotmail.com

http://www.elaph.com

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *