مقالات:الإضاءة في المسرح الحديث وعلاقتها بالصورة المسرحية

كثيرا ما تبادر إلى ذهني سؤال حول القصد من تخفيض الإضاءة في العروض المسرحية التي نشاهدها اليوم كلما دخلتُ قاعة المسرح من أجل التصوير، ومع الوقت أخذ هذا السؤال يتكرر ويطرح نفسه بقوة حين وجدت أن الجميع يعمَدون إلى – الاقتصاد – في الإضاءة من دون مبرِّر هندسي ووظيفي أو جمالي وفني .

إن الإضاءة في المسرح الحديث و علاقتها بالصورة المسرحية تطرح الكثير من الصعوبات أمام المصور المسرحي الذي يبحث عن صورة فنية جيدة، و أمام المصور الصحافي أيضا الذي يبحث عن صورة واضحة تصلح للنشر في الصحف خاصة إن كانت ستنشر في صفحة بالأبيض و الأسود. و بالتالي فإن المقولة التي تزعم أنه بإمكان أيٍّ كان أن يلتقط صورة جيدة و بكاميرا بسيطة من عرض مسرحي مغالطةٌ كبيرة، فالأمر صعبٌ جدا على ذوي الاختصاص فكيف يكون سهلا بالنسبة لغيرهم و بالأخص عندما لا تتوفر إضاءة مناسبة ؟.

يجد المصور المسرحي نفسه مرغما على البحث عن الزاوية التي يتسرب إليها قليلٌ من الضوء يمكن منها أن يصطاد صورا جيدة أمام الظلمة التي وُضِعَتْ فيها أغلب العروض المسرحية، وهنا تكمن الصعوبة خاصة و أن للمسرح طقوسه و أجواءه التي لا يمكن اختراقها، فالبحث عن الزاوية المُثلى يستوجب التحرك عند مقدمة الركح وعلى جانبيه وهو ما يشتت تركيز الممثلين فوق الخشبة مثلما يشتت تركيز المتفرج و يزعجه، وهذه الحقيقة قد لا يتقبلها الكثير من المصورين الصحافيين الذين لا يهمهم سوى التقاط صورة واضحة تصلح لتنشر في الجريدة، وعليه فهم لا يهتمون بأجواء المسرح و قداسة وقت العرض و حق المتفرج في مشاهدة المسرحية داخل ظروف ملائمة فيقومون بتشغيل الوامض (الفلاش) حتى يحصلوا على الصورة المرغوبة في ظلِّ الظلمة السائدة طيلة العرض المسرحي . فحسب معطيات التصوير المسرحي المبدئية فإن الوامض يفسد ألوان الصورة لأن الخشبة تحتوي على مجموعة من ألوان الضوء التي وضعت من قبل مهندس الإضاءة وعليه فالفلاش خلال العرض المسرحي ممنوع .

لا أدري إذا كان تخفيض الإضاءة في المسرح الجديد مقصودا ومدروسا أم أنه راجعٌ لقلة الإمكانات وحتى الدراية بالوظائف التي يقوم بها الضوء لتوفير جو مسرحي درامي يتقاسم الممثلون و المتفرجون سحرهُ معا، فقد بحثتُ كثيرا عن تفسيرٍ لِلُّجوء إلى تقديم عروض في أجواء تكاد تكون مظلمة تماما، و لكنني لم أجد المبرر المقنع. حتى أن تقنيي الإضاءة الذين تحدثت معهم في الأمر قدَّموا حججا غير مقنعة فنيا . فلطالما اعتبرتُ السينوغرافيا (استوديو جاهز ) يمكِّنني من التفكير في خلق صور مبدعة ، فكيف نتمكن في غياب هذا الاستوديو المجهز بإضاءة ذكية و خلاقة أن نقدم صورا تنطق بتفاصيل اللقطات كلما شاهدناها و كأننا نشاهد العرض أمامنا ؟

و إذا كانت التكنولوجيا المتطورة قدمت للمصورين عتادا يمكنهم من التقاط الصور بدقة وجودة عالية حتى في الأماكن المظلمة، إلا أن هذه الآلات لا تتوفر للجميع خاصة و أن سوق عتاد التصوير الرقمي تطرح بصفة مستمرة الجديد الذي قد لا يكون في متناول القدرة الشرائية لكثير من المصورين. وبالتالي يكتفي المصور ذي الإمكانات المحدودة بكاميرا عادية يصعب معها التقاط صور واضحة في حالات الإضاءة المنخفضة وهو ما يجعله يصاب بإحباط كبير، فالمصور المؤمن بفنه يسعى دائما إلى دخول قاعة المسرح للخروج بعدد كبير من الصور الجيدة من عرض مسرحي واحد، و بالتالي فإن أكثر ما يهمه هو توفر إضاءة جيدة تساعده على أداء مهمته بسهولة حتى و إن لم يتمكن من الحصول على كاميرا ذات جودة عالية و بإكسسوارات تضمن له التصوير من زاوية ثابتة .

إن مشكلة نقص أو ضعف الإضاءة في العرض المسرحي التي أصبحت تشبه ( الموضة ) بتوجه الكثير من المسرحيين إليها في عروضهم لا تزعج المصورين فقط ، ولكنها تزعج المشاهد أيضا ، لأنه يجد نفسه غير قادر على متابعة المسرحية إلى آخرها في جو تسوده العتمة ، فالممثلون لا تظهر ملامح وجوههم وتعابيرها و الديكور لا يكاد يظهر جيدا ، و بالتالي يبقى المتفرج يتابع أشباحا تتحرك في السواد يسمع أصواتها ولا يراها بوضوح .

عن/ فضيل حدهوم (مجلة الفرجة)

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *