مسرحية شعل الضو ذاكرة الحرب ..ذاكرة العبث عبدالله المتقي

 

 

 

المصدر /الزمان / محمد سامي موقع الخشبة

بشراكة مع مندوبية وزارة الثقافة المغربية وجمعية الصويرة موكادور ، وبمناسبة اليوم العالمي للمسرح ، كان موعد أصدقاء الخشبة مع عرض مسرحي بعنوان ” شعل الضو ” ، من إخراج “يوسف بيل ” ، واقتباس ” مصطفى عنطرد ويوسف بيل ” ، وتشخيص ” نوفل السعيدي ” ، ” أمين كعبور “، ” رشيد لحجاري ” ، و”يوسف بيل” ، وسينوغرافيا وغناء” أمين كعبور” ، شعر نوفل السعيدي، وذلك مساء يوم الجمعة 30  نيسان 2017.

يتلخص مضمون المسرحية في التقاء ” عمور” و” وبوشتى ” المحاربين القديمين في الجيش الفرنسي زمن الحرب الكونية الثانية ، قريبا من تلك الشجرة البيضاء التي فوق الربوة وفي الفلوات ، ليسترسلا بعدها في حديث كله استحضار للموت والحرب والدم وكل أنواع الأسلحة الفتاكة ، علاوة على حضور الحب ، وفي انتظار الفرج والخلاص والنور الذي سيحمله السيد ” مول الضوء “الذي لم يبد له أثر ولا ملامح طيلة أنفاس المسرحية ، رغم بصيص من التفاؤل الذي جاء يتأبطه الراعي المكتظ بالخوف حتى من نفسه .

في نهاية الأمر أن “مول الضوء” هو ( الذي لا يأتي ) ، هو المشكلة التي بقيت معلقة في سقف الانتظار وبلا حلول ، إنه اللاسؤال واللاجواب واللاشيء ، ولهذا كانت مسرحيةً ” شعل الضوء “محاورة للذات الفردية والجماعية ، كما أنها ثرثرة معقلنة بلا ضفاف ولا حدود جمركية … إنه العبث الحقيقي الذي لا غبار عليه ، خاصة عندما يكون هذا الشيء هو موضوعة ( الانتظار) الذي لا وجود له أصلا أو لا معنى له ، والذي بقايا أحداث موشومة في ذاكرتي كل من ” بوشتى ” و” عمور” ا، بقايا مهينة ودامية ومميتة ، لكن بحضور اسمه الغرام ، ونعني بها تلك العلاقة التي يذكر بها ” عمور “لصديقه ” بوشتى ” وهما يقشران أحاديث الحرب التي جنعتها في ساحة أو متراس واحد ، إنها ” سوزان “الفرنسية ” ماعمرك تشرف أبوشتى ” ويضيف في مقول ثاني ” إيوا تفكرت سوزان يقول عمور ساخرا .في ” شعل الضو ” تجري أربعة أنفاس مسرحية متداخلة ، وبالقرب من شجرة بيضاء ومتعددة الأفنان ، ويعكس كل نفس حدثا من الأحداث وعملا فنيا متكامل المشاهد الفنية والجمالية ، ويمكن وسم هذه بما يلي :

نفس ” عمور ” : يجسد الحرب القديمة ، الانتظار ، والاحتجاج الهادئ

نفس″ وبوشتى ” يجسد بقايا الحرب والحب والعبث والاحتجاج والانتظار

نفس″ الراعي” ويجسد كل مظاهر الخوف والجبن مع زرع بذور من الأمل والتفاؤل بقدوم ” مول الضو” ، في حين يوحي هذا الأخير الغائب والذي لم يأت ، بالخلاص الاجتماعي والسياسي والثقافي والعقائدي

أما نفس الموسيقي والتشكيلي نفسان في نفس واحد ، وحاضرا في كل مشاهد العرض المسرحي، ليكونا قناعا مثنى بصيغة المفرد ، لكل ما هو جميل من موسيقى وتشكيل باعتبارهما أداتين تعبيريتين ، وتعكسان ما يمشي على الأرض وما يعتمل في النفوس من مشاعر ومن اختيارات ومواقف.

الكل يتحرك بطريقة رشيقة وبرشاقة أكروبات ، أحيانا بمرح، وأحيانا أخرى بتوتر وانفعال،كما لو يعانون من ضغط هائل وفائق عن اللزوم ، ولا يبقى أمامهم سوى الحلم بانتظار ” مول الضو “الذي لم يأت ويكاد يشبه ” غودو ” لدى ” صمويل بيكت”، والتي استنبتها ” مصطفى عنطرد ويوسف بيل ” من مسرحية ” في انتظار غودو ” ، وفق تقنية المفارقة ، وليس بتقنية الموافقة ، وإلا تحولت إلى نص ميت وأجساد محنطة ، لان لكل نص بيئته و أسباب نزوله ، و مرجعياته ثقافته الخلفية ، إذ نجد كل شخصيات المسرحية توجه جميع أقوالها و أفعالها نحو ” مول الضو ” الذي يشخص الخلاص ، كما يفتح الرئة لاسثنتار وتشخيص بعض مظاهر الاستغلال الاجتماعي بكل ما تتطلبه من مواجهة وانتظار .و بذلك تكون شخصيات المسرحية تنتمي لصنف المقهورين وتعبر بثقافة احتجاجية واعية ” عمور ” ، وأحيانا شعاراتية عارية وفجة ” باركة من الرشوة …باركة من الحكرة ..باركة من المحسوبية …” هكذا عبر ” بوشتى ” بصوت صاخب في نهاية المسرحية وقبل إسدال الستار ، وربما يعود الأمر إلى فائض قيمة الضغط والانسحاق الذي يحفز حتى السلاحف للخروج من قواقعها كي تطل منها احتجاجا على هذا الواقع الذي وسمه الراحل عبدالله راجـــــــع بـ” زمن القمل ” ، حيث تحول القهر والانتظار و الاستغلال الاجتماعي إلى مادة أساسية لبناء موضوع المسرحية، إلى جانب وخز وتعب الانتظار الذي طال حتى أمسى خردة.وجملة القول ، إن مسرحية ” شعل الضو ” لوحات مسرحية محكمة ، وكل لوحة تجسد عملا فنيا متكامل الأجزاء، فهي ورشة بحث في المسرح العالمي بالاستنبات والانفتاح على مسرح ” صمويل بيكت ” ، وبطريقة احترافية في عناصر العبث والصراع التاريخي والطبقي، بين شرائح المجتمع المغربي ، انطلاقا من زمن حروب الكولونيانية الاستعمارية التي أكلت الناس والعباد ، وانتــهاء بكولونيالية جديدة تعض الناس وتنشف أظافرها لكن بمتعة وحرفية .

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *