الآن والأمس وساوس أنثى الحرب / مناضل داود

“‎الآن والأمس” عرض مسرحي للممثلة السورية مريم علي التي قامت أيضا بكتابة وإخرج العرض، وشاركتها زميلتها الفنانة آمال سعد الدين، وشخصيتان ثانويتان، والذي قدم في جاليري مصطفى علي.
‎بورتريه
‎مريم علي ممثلة سوريا خريجة المعهد العالي للفنون المسرحية، وشاءت الصدفة أن تعمل مع عدد من كبار المخرجين العراقيين وأولهم الراحل عوني كرومي الذي أشرف على دراستها في السنة الأخيرة، والمخرج ناجي عبد الأمير، وبعدها سافرت إلى الإمارات لتعمل مع الراحل الكبير قاسم محمد، وأخيرًا مع جواد الأسدي، وشاءت الصدفة أيضا أن تقف معي على خشبة المسرح في عرض (مؤتمر هملت) للمخرج الكويتي المبدع سليمان البسام.
‎حكاية العرض
‎ممثلة شابة تعيش في شقة صغيرة تخاف من طفل يحوم حول بابها وتخشى الخروج بسبب أصوات القذائف التي وصلت إلى دمشق، تزورها صديقتها عواطف (آمال سعد الدين) لتعينها على طرد الوحشة والخوف، وإذا في نهاية العرض تعلن عواطف عن حصولها على الفيزا السويدية معللة رحيلها بسبب الخوف الذي يصاحبها كل ليلة حيث غادرها النوم بسبب الخوف من الليل، فثمة من يسحب عنها الغطاء كل ليلة. تغادر عواطف تاركة إياها بين جدران الخوف والقلق فتقرر الخروج في اللحظة الأخيرة، وما أن تصل إلى الباب يشتد صوت القذائف فترمي حقيبتها أرضا وتجلس خائبة خائفة وحيدة.
‎المصير المشترك
‎أحد أهم الدوافع التي جعلتني أكتب عن هذا العرض هو المصير المشترك لدمشق وبغداد، لقد فتك الإرهاب والحرب الطائفية مدننا، فكانت مريم ترجوني أن أكتب لها كلما هزت بغداد كثير الانفجارات لتطمئن علي، وبعد فترة صرت أنا الذي يتصل بها فتضحك مريم وهي تقول لي: “هلا انت صرت خاف عليا، خيو اجيت الحرب لعنا”.
‎العرض
‎كل شيء بدا رقيقا حتى الخوف والقلق والتذمر ولم يصل في أقصى حالاته الدرامية إلى الصراخ واستخدام الانفعالات التي تنتج كرد فعل عن الحرب، فاستعاضت مريم فرضية السخرية والكذب الأبيض لتنجو من حالة الغثيان التي تحدث خارج شقتها وهي تكذب التلفاز الذي ينقل أخبار الانفجارات في دمشق، فتنفى مريم (ليلى) بل وتؤكد لوالدتها التي يبدو أنها تعيش بعيدا عن دمشق أن الأخبار كاذبة، وبالوقت نفسه ترتعد خوفا منها ولا تخرج من شقتها حيث تعتذر في بداية العرض عن غيابها من تمرين اليوم وهي تتصل هاتفيا بمساعدة المخرج بسبب الانفجارات وهي غير قادرة على الوصول لتلتحق بزملائها الذين يستعدون لتقديم عرض مسرحي بعد أيام معدودة، ولتؤكد وقوع هذه الانفجارات ترمي إبريق الشاي بقوة على الأرض وهي تتحدث مع مساعدة المخرج لتقول لها: “سمعتي الانفجار هلا”.
‎ الممثل المحبوب
‎وبسبب الحرب حيث تطارد الأجهزة الأمنية بعض الإرهابيين الهاربين، تطرق باب ليلى فيدخل رجلا الأمن وهما يتعاملان مع البنتين بشكل جاف، فيكتشف أحدهما أنه يعرفها فيرد الثاني أنها الممثلة المشهورة ليلى، فيلتمسان أن يلتقطا معها صورا كمعجبين ويغادرا بسرعة.
‎جماليات النص
‎التناقضات في أفعال الشخصيتين كان مرسوما بدقة، الكذب والمبالغة بقوة الشخصية وهي ضعيفة منهكة، تضع المكياج وتستمع إلى الموسيقى وتستعد للخروج، ولكنها تبقى وحيدة لا تغادر باب شقتها صديقتها التي تتصنع القوة وتخرج وتعمل وترقص، ولكنها في النهاية ستذهب إلى السويد وهي لا تذهب إلى البروفة ولكنها تتمرن في البيت.
‎البروفة
‎كان من المشاهد المثيرة في العرض حيث تقوم الصديقة بمتابعة الحوار لتذكيرها حين تنسى وهي تقوم بالأداء، رغم جمال المشهد وفكاهته فإنني أحسست أن العرض كان يحتاج إلى مخرج يفجر طاقة التمثيل ويخرج بواطن الشخصية التي اكتفت برقة الأنثى، وبمعنى أدق كنا نسمع صوت الانفجارات خارج المكان ولكننا بحاجة لرؤية الدخان وهو يخرج من صوت الممثل، بدأ العرض وانتهى بموسيقى ترجمت روحيته الهادئة والرقيقة وضعها الموسيقار العراقي المبدع رعد خلف.

_____________

المصدر / مسرحنا

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش