لطفي بن صالح فنان تونسي يجمع الفنون التشكيلية بالمسرح/حسونة المصباحي

  • عاشت تونس مطلع الثمانينات ربيعا ديمقراطيا قصيرا إثر الهجوم المسلّح على مدينة قفصة الجنوبية، وكانت الثقافة أكبر مستفيد من ذلك الربيع، فعادت الحياة إلى المقاهي الثقافية في العاصمة، حيث تحلق شبان جدد بينهم موسيقيون وتشكيليون وشعراء ونقاد وكتاب قصة ليرسموا تفاصيل الحياة الثقافية الجديدة المناهضة لثقافة رسميّة جافة ومتيبّسة مثل أصحابها، من بينهم كان التشكيلي والمسرحي التونسي لطفي بن صالح.

في مطلع الثمانينات من القرن الماضي، وهي الفترة التي اتسمت بالغنى الفكري وثراء الأماني والأحلام والمشاريع الثقافية والفنية في تونس، كان التشكيلي والمسرحي التونسي لطفي بن صالح يدرس الاقتصاد، إلاّ أن الحياة الثقافية الجديدة جذبته أكثر من الأرقام والإحصائيات.

كان يحرص على التردّد يوميا على مقهى “الزنوج” بالعاصمة تونس ليستمع إلى أشعار أولاد أحمد، والمنصف المزغني، وليلتقي بموسيقيين مفتونين بالشيخ إمام، وبجاك برال وباليوناني ميكيس ثيودوراكيس، وبفنانين تشكيليين منفتحين على التجارب الطليعية في الغرب، وبكتّاب يخوضون نقاشات ساخنة عن روائيين كبار من أمثال غابريال غارسيا ماركيز وجيمس

جويس وإيتالو كالفينو وهنري ميللر وغيرهم، كما أنه كان يجالس المنصف شرف الدين الذي يعدّ من أهم المواكبين للحركة المسرحية في تونس على مدى النصف الأول من القرن العشرين.

 

لطفي بن صالح: أعتقد أن المسرح الذي لا يمس الجمهور العريض ليس مفيدا

وتحت تأثير جميع هؤلاء ازداد لطفي بن صالح انجذابا للثقافة في تجلياتها المتعددة والمختلفة، ففضّل حال تخرجه أن يلتحق بوزارة الثقافة التونسية، ولم تشغله مسؤولياته الوظيفية عن الانخراط في النشاط الثقافي في مدينة سوسة التي استقر فيها مطلع التسعينات من القرن الماضي.

مارس بن صالح في البداية الإخراج المسرحي، ثم كتب وأخرج مسرحيات للأطفال مثل “شمشون والمهرجة“، ولم يكتف بذلك، بل كتب أيضا مسرحيات للكبار مثل “غراب الليل” التي قدمت في السويد باللغة الإنكليزية، ومسرحية “أنسولاتار” التي طرحت مواضيع تتصل بالوحدة والعزلة والشيخوخة والموت، كما قام باقتباس مسرحية من خلال رواية “المحاكمة” لفرانز كافكا التي نالت جائزة أفضل إخراج.

وعرضت هذه المسرحيات في مسارح المدن الداخلية، وفي القرى، وفي الأحياء الشعبية المحيطة بالعاصمة تونس، ويقول بن صالح “أعتقد أن المسرح الذي لا يمسّ الجمهور العريض ليس مفيدا، لذلك أميل إلى المسرح المفتوح على قضايا اجتماعية وسياسية تشغل الناس بمختلف مراتبهم الاجتماعية، ونحن في تونس، وفي البلدان العربية أيضا، محتاجون إلى مسرح شعبي يهذب أذواق الناس، ويشحذ ملكاتهم النقدية، ويعلمهم معنى الحرية والديمقراطية، ويعمق إحساسهم بأهمية الثقافة في بناء مجتمع جديد”.

وإيمانا منه بأن الثقافة الحقيقية هي تلك التي توفر فرصة تلاقح مختلف الفنون وانفتاحها على بعضها البعض، كان لطفي بن صالح أحد مؤسسي مهرجان “الفدواي” (الحكواتي)، والذي يعنى بتقديم عروض تلتقي فيها الحكاية الشعبية، مع العروض المسرحية والموسيقية وغيرها.

واحتضن مهرجان “الفداوي” حفلات موسيقية تعتمد على العزف المنفرد على مختلف الآلات، ويحضر المسرح في هذا المهرجان من خلال عروض يقدمها ممثل واحد لإبراز موهبته في فن التمثيل.

ولأن لطفي بن صالح مارس المسرح كتابة وإخراجا، جاءت لوحاته التشكيلية شبيهة بمشاهد مسرحية، تجمع الظلال والعتمة والقلق والضجر والوحدة وشبح الموت كما في مسرحيات صمويل بيكيت، وربما لهذا السبب اختار بن صالح أن يرسم العديد من لوحاته بالأبيض والأسود.

المصدر/العرب

محمد سامي / موقع الخشبة

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *