دورات تكوينية لصالح الإعلاميين بين تنظير وتطبيق وتوصيات ترفع أملا في تجسيدها بالمتابعة والجديّة

لا أحد ينكر دور الإعلام في مدّ جسور العطاء والتواصل بين الفنون والجمهور ، ولما كان لزاما بلورة تلكم الفكرة ووضعها على سكة التنفيذ ، وضمن إستراتيجية التكوين المسرحي المعتمدة بالجزائر جاء التفكير في صناعة هذا الإعلامي وإشراكه في الفعل الفني لا سيما المسرحي لتجسيد الرؤى وتوسيع الآفاق ببعد نقدي إعلامي متخصص ، مهمته الأساس نقل الجماليات لهذا المتلقي وربط الصلة معه في محاولة التجديد في نقل الخبر الثقافي والفني ، بالابتعاد عن السطحية بتوافر الأدوات التقنية والفنية في قناة التواصل تلكم ، وبالتالي توطيد العلاقة بين أهل الاختصاص في المسرح ، الإعلاميين والجمهور الحلقة الأهم في عملية تبادل الأفكار وطرح المواضيع ، لخلق حراك ثقافي وإبداعي.

بناء على ذلك تبلورت فكرة رصّ أسس دورات تكوينية لصالح الإعلاميين ، وكان صاحبها الأستاذ ” إبراهيم نوال” الذي اقترح الفكرة بأبعادها ، وتم تبنيها من لدنّ مدير المسرح الوطني ” محمد يحياوي” الذي سعى بجهود المهتمين الى وضعها ضمن حيّز التنفيذ ، أين يشرف على هته الدورات التكوينية دكاترة مختصون في الفن الرابع ، مع إعلاميين متمرّسين واستقطاب لفيف من الصحفيين بهدف تلقينهم آليات وأسس النقد السليم في استقراء العروض المسرحية ومقاربة المفاهيم ، وبالتالي تمكينهم من تحرير مقال صحفي نقدي يتّسم بالموضوعية والتمحيص البنّاء بمنأى عن التجريح وتشويه العمل الإبداعي المقدّم ، الدورات رأت النور تحت إشراف دائرة المسرح قسنطينة عاصمة الثقافة العربية ، تحت مسمّى المسرح والنقد الصحفي ، ليعرف برنامجها محاور ثريّة سلّطت الأضواء حسب البرنامج المسطّر آنذاك ، أين تمّ استعراض تجربة الإعلامييْن “علاوة جروة وهبي ” و” محمد كالي” ليكونا أنموذجين شاخصين في مجال الكتابة النقدية الصحفية ، وبالتالي فتح المجال أمام الصحفيين المتربصين لفتح قنوات الحوار معهما ، والاستفادة من رصيدهما ، وذات البرنامج عرف مسحا لتاريخ المسرح العالمي مع استعراض أهم المحطات أثرى فحواها كل من الأستاذ ” إبراهيم نوال” و” بوكراس محمد ” ، ناهيك عن كشف النقاب عن ماهية النقد المسرحي وآلياته من تنشيط الدكتورة ” جميلة مصطفى الزقاي” مع مناقشة عرضي ” عالم العبيد” لمسرح قالمة ، و” اللاز” لمسرح سوق أهراس ، لتتوالى أيام الدورة التكوينية بلقاء نظري أثراه كل من الأستاذ ” إبراهيم نوال ” ، ” محمد بوكراس ” و ” كالي محمد” حول تاريخ المسرح الجزائري مع مقاربة مسرح كاكي وعلولة ، وتطبيق ذلك على عرض ” العيطة ” ، بالإضافة الى نقد تطبيقي بين النص والعرض باشراف الدكتورة ” جميلة مصطفى الزقاي” ومناقشة عرضي ” نساء المدينة ” لمسرح قسنطينة و” عالم العبيد” لمسرح قالمة، دونما التغاضي عن مبادئ الإخراج والسينوغرافيا في لقاء نظري ثمّنه كل من الأستاذ ” إبراهيم نوال” و” محمد بوكراس ” ومناقشة مسرحية ” نساء المدينة ” لمسرح قسنطينة .

ليتم في آخر المطاف حوصلة وتقييم الدورة ، مع الخروج بسلسلة من التوصيات توصّلنا بها عن طريق الدكتورة ” جميلة مصطفى الزقاي” وأهم التوصيات جاءت على الشكل الآتي :

1. دعوة لإطلاق مجلة مختصة في المسرح.

2. تكريم الفوتوغراف علي حفياد ، وإعادة طبع كتابه مرفقا بأعمال النقاد والصحافيين لإثراء هذا العمل .

3. دورة تكوينية لفائدة المصورين على أبجديات وأدبيات العمل داخل المسرح، وتقنيات التعامل مع العرض المسرحي.

4. الدعوة إلى تدريس مادة المسرح في المنظومة التربوية استنادا إلى المادة 38 مكرر في الدستور الجديد.

5. التماس تكرار هذه التجربة ( الدورة التكوينية)، وفتحها عربيا ودوليا للاستفادة من الخبرات الدولية ، كما نلتمس تكرارها هذه التجربة على مستوى المسارح الجهوية لفائدة الصحافة المحلية ، مع مراعاة تقسيم الصحفيات والصحافيين حسب المستوى والأقدمية .

6. التماس لفتح الأبواب أمام الإعلاميين لحضور البروفات والتدريبات على مستوى المسارح الجهوية .

7. إنشاء شبكة النقد المسرحي افتراضيا ثم ماديا، تسهر هذه الشبكة على ما يلي:

• تنظيم لقاءات دورية لمشاهدة ومناقشة عروض مسرحية من الريبرتوار الجزائري .
• إنشاء مونوغرافيا لكل المسرحين للتعريف برجالات المسرح كتاب مخرجين تقنيين سينوغرافيين ورقيا ورقميا على غرار ما تم انجازه بمسرح قسنطينة .
• اقتراح جوائز وطنية لأحسن الأعمال نقدية المنجزة في خلال السنة .
• إنشاء مركز التوثيق المسرحي، وإطلاق دعوة لطبع ونشر النصوص المسرحية خاصة نصوص رجالات المسرح الجزائر.
• التفكير في إنشاء مكتبة على مستوى المسارح الجهوية و المسرح الوطني ، وفهرست الأرشيف ووضعه بين أيدي الطلبة والباحثين .
• توجيه دعوة للباحثين والأكاديميين والكتاب المسرحيين لوضع مؤلفاتهم على مستوى المسرح الوطني والمسارح الجهوية .

هته الدورة التي هلّل لها الكثير من الصحفيين وأثنوا عليها ، يبقى فيها الأمل قائما بغية تحقيق ما ورد على البعدين القريب والبعيد ، حتى لا تبقى تلكم الدورات مناسباتية ، ولا حتى توصياتها حبيسة الأدراج ، ورغبة في تحقيق الحوار البنّاء والفاعل ، ومدّا لجسور العطاء والتواصل بمسرب أبو الفنون ، تظل تلكم الدورات أمل كل مهتم بالفن الرابع وعاشق للركح .

وحين تواصلنا مع الدكتورة ” جميلة مصطفى الزقاي” أكدت لنا إيمانها العميق أنّ التكوين إذا لم يكن وفق استراتيجية ومتبوعا بتقييم علمي دقيق فلن يؤتي ثماره ، والورشات مهما تباينت تجمع بين النظري والتطبيقي شريطة الانطلاق من الأهداف المرجو تجسيدها من الورشة ، وكل ورشة تختلف عن قرينتها من الورشات حسب التخصص ، فورشة المسرح والنقد الصحفي من أبرز أهدافها تمكين الصحفي من تحرير مقال نقدي يتعدى فيه التجريح والانتقاد ، كما لابدّ من حمله على الاهتمام برفع مستوى أدواته وأساليبه النقدية ومعلوماته الخاصة بالمسرح ، عملا على السمو بذوق المتلقي وتقريب الفرجة منه ، وما إن تُحدّد الأهداف الخاصة بكل ورشة تسخّر لها جميع الوسائل ، الإمكانيات المادية ، البيداغوجية والمعرفية .

وأردفت قائلة أنه بالجزائر تنقصنا المتابعة والصرامة ، والبعد عن تكليف مؤطري الورشات وفق العلاقات الخاصة ، ومن المفروض أن يتم ذلك وفق الخلفية المعرفية والعلمية ، ووفق الكفاءة المهنية ، لتفادي ما يحدث هنا وهناك وما يقوم به البعض على حساب الفن الرابع .

وعن غياب الإعلام الخاص بهته الدورة التكوينية واقتصارها على كذا جهات معينة ، أجابت أن الإعلام الجاد كان مغيّبا ولم يتم توسيع دائرة تعميم صدى الدورة التكوينية ليستفيد منها كمّ لا بأس به ، فالمتربصون كانوا قلائل ، وفيما يخص استفسارنا بشأن البنود العريضة التي تستعرض كمحاور وأهداف بسياسة التكوين الجديدة بالمسرح مع تغييب الإعلام بكذا دورة تكوينية التي عرفت عددا قليلا من المتربصين الإعلاميين ، أكّدت لنا ذات المتحدثة أن ذلكم التقصير وارد لكن الأهداف التي سطرت بقسنطينة تعدّت ما حدّدوه وقد توّجت بعملية تقييم صارمة نتاجها كان حصاد ثلاثة جوائز لأحسن المقالات الصحفية النقدية كانت من تفعيل مدير المسرح الوطني ” محمد يحياوي” من باب التحفيز والتشجيع وضمان الاستمرارية ، وأضافت أن مستقبل التكوين بالجزائر فعلا استعاد نفسه وكأنه بعث تجربة ” مصطفى كاتب” الذي أسس للتكوين ببرج الكيفان ، والى يومنا هذا يظل رائدا للتكوين بالجزائر ودراماتورج بكل ما يحمل المصطلح من معنى .

كما أضافت حتى أنه لم تصاحب ورشات التكوين بمتابعة جادة وصارمة بعيدا عن العشوائية والتظاهر بحمل لواء الفعل المسرحي دون إدراك ووعي أبقى متفائلة بهذه الوتيرة والنَفَس التكويني الذي أضحت وزارة الثقافة توافق عليه وبعض الجهات الخاصة تبادر به ، وأن مهمة الإعلام تبقى متابعة هذه الورشات بموضوعية ودعم مبادرات التحفيز مع متابعة الأنموذج القادر على التأسيس للفعل المسرحي الحقيقي ، مشيرة الى الاستعانة ببعض الرواد العرب في تأطير الورشات على غرار البيوميكانيك ومسرح الصورة وغيرها .

على ضوء ما سبق ، لابدّ أن نثمّن كذا مبادرات ، وتشجيع تنظيم كذا دورات تكوينية ، لنحافظ على مرونة الفعل المسرحي ، ونوطّد العلاقة بين كل من الإعلامي ، المتخصص الأكاديمي ، الممارس والجمهور ، هذا الأخير الورقة الرابحة في رفع الرهانات المستقبلية لدفع دولاب الفن الرابع .

بـقـلم : عــبـاسيـة مـدوني – سـيـدي بـلعـبـاس – الــجــزائــر

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *