جماليات التلقي من أجل تأويل النص الأدبي ®الصديق الصادقي العماري

 

 

 

 

 

 

جماليات التلقي من أجل تأويل النص الأدبي

®الصديق الصادقي العماري

باحث في المسرح وفنون الفرجة

  • تقديم

في أواسط القرن الماضي ظهرت عدة نظريات نقدية تهتم بدراسة النص الأدبي؛ ومنها المنهج التاريخي والاجتماعي والنفسي…؛ التي تسلط الضوء على الكاتب وظروفه؛ كما ظهرت مناهج أخرى اهتمت بسلطة النص، وأكدت على دراسته دراسة داخلية؛ كما عند الشكلانيين الروس؛ وعند رولان بارث، الذي حث على دراسة النص ولا شيء غير النص؛ وأكد على موت المؤلف من أجل حياة النص، من خلال تفاعلاته البنيوية الداخلية. وكان لذلك الجدل والصراع القائم بين هذه المناهج النقدية والنظريات المعرفية المتباينة الأثر الواضح في ميلاد جمالية التلقي في النقد المعاصر (الهيرمنيوتيكا) مع مدرسة كونستونس الألمانية بقيادة هانز روبرت لياوس؛ وفولف جونج إيزر.

وقد اعتمدت هذه النظرية على المتلقي ودوره في تمام النص الأدبي؛ على اعتبار أن هذا الأخير يكتب بثلاث أياد؛ يد الكاتب ويد النص ويد القارئ؛ والنص يبقى كسولا إن لم يكن القارئ شريكا في إنتاجه؛ بل أن النص الأدبي أنشئ من أجل القارئ؛ وأنه أثر مفتوح يحيا ويستمر في الوجود من خلال تعدد القراءات.

لقد أحدثت نظرية جمالية التلقي والتأويل ثورة عارمة في مجال الدراسات الأدبية والنقدية وفي تاريخ الأدب الحديث، بوصفها نمطا جديدا في الدرس الأدبي. وقد ″كان أرسطو في تاريخ الحركة النقدية من أبرز رواد الفكر اليوناني اهتماما بفلسـفة التلقي، أو مفهوم الجمال في استقبال النص، ففي رصيده الفكري والنقدي يتمثل لنا اهتمامه، بهذه المسألة، وكأنهـا محور هام يستقطب تفكيره ويستجمع فلسفته في الحديث عن أجناس الأدب‟[1]، إذ يعد كتابه فن الشعر باشتماله على فكرة التطهير، بوصفها مقولة أساسية من مقولات التجربة الجمالية، والتي تقوم وتنهض على استجابة المتلقين وردود أفعالهم تجاه الأثر الأدبي، أقدم تصوير لنظرية تقوم فيها استجابة الجمهور المتلقي بدور أساسي. بمعنى أن تاريخ نظرية التلقي والتأويل يعود إلى (نظرية المحاكاة) عند أرسطو.

حقيقة الأمر أن الإنسان كان يمارس التلقي ويؤول ما يسمع منذ بداية حياته، ولكن كان ذلك بشكل مبسط وسهل، ثم أخذ يتدرج شيئا فشيئا، إلى أن أصبحت لنظرية التلقي والتأويل القواعد والنظريات التي تخصها. فكل قراءة للنص الأدبي هي إعادة تأويل له في ضوء معطيات تاريخية أو آنية، إذ يخضع في تشكيلته المتميزة إلى عملية تفاعل بين خصائص داخلية وخصائص خارجية، هي تحولات السياق المنتج في ظلاله العمل الأدبي، لذلك ظهرت عدة مناهج امتثلت لتلك المعطيات وحاولت مقاربة النص مقاربة موضوعية والكشف عن مكمن الجمالية وكيفية تشكيله، على أساس أن العملية الإبداعية هي عملية معقدة. فهي تسعى في مجمل أهدافها إلى إشراك واسع وفعلي للمتلقي بغية تطوير ذوقه الجمالي من خلال التواصل الحثيث مع النصوص الفنية، حيث أن حضوره أضحى نافذا منذ وضع اللبنات الأولى لكتابة الرواية، فانتقل من دور المستهلك إلى مرتبة الشريك المحاور الذي يملأ الفراغات بل يلزم الكاتب بتركها، كما استطاع أن يرغم الكاتب يوما بعد يوم على إسقاط الأقنعة اللغوية والبلاغية التي طالما تدثر بها. فما هي الأصول المعرفية لنظرية التلقي؟ وما موقع النص بين التلقي والتأويل؟ وما علاقة القارئ بالنص الإبداعي؟ و ما هو القارئ النموذجي؟

  1. الأصول المعرفية لنظرية التلقي

جمالية التلقي كغيرها من النظريات النقدية، تقوم على مجموعة من الأسس والمرتكزات التي تشكل مرجعيتها الفكرية والفلسفية، ذلك ”أن معظم المذاهب النقدية تنهض في أصلها على خلفيات فلسفية، على حين أنا لا نكاد نظفر بمذهب نقدي واحد يقوم على أصل نفسه، وينطلق من صميم ذاته الأدبية، وما ذلك إلا لأن الأدب ليس معرفة علمية مؤسسة، تنهض على المنطق الصارم والبرهنة العلمية، ولكنه معرفة أدبية جمالية أساسها الخيال والإنشاء قبل أي شيء آخر‟[2].

وترجع أصول جمالية التلقي إلى فلسفتين عرفتا في ألمانيا، وهما الظاهراتية و الهرمينوطيقا، حيث أن إشكالات الفهم والتأويل والإدراك، وكذا إشكالية الذاتية والموضوعية أو علاقة الذات بالموضوع، كانت المسألة الأساسية في الهرمينوطيقا و الفنومنولوجيا على حد السواء، و لأن هذين الاتجاهين كانا يشكلان من الجهة الأخرى، الخلفية المعرفية التي تأسست عليها نظرية التلقي[3]. فالمفاهيم التي جاءت بها هاتان الفلسفتان، قد تحولت إلى أسس نظرية تؤطر ترسانة من المفاهيم والأدوات الإجرائية التي صاغتها ‹مدرسة كوستانس› الألمانية بزعامة ”هانس روبيرت ياوس‟ و ”فولفغانغ آيزر‟.

  • .الشكلانيون الروس

بحث الشكلانيون الروس في آليات النص الأدبي وتقنياته، بغية الوصول إلى الخصائص الجوهرية التي تتشكل منها مادة البناء الدبي، لأن الأساس في الأدب ليس ما يقوله، أو الفكرة التي يتضمنها، و إنما الطريقة التي تم بها تقديم الفكرة، فالأفكار مطروحة في الطريق، والذي يجب أن يثير الاهتمام هو الشكل اللغوي الموظف توظيفا خاصا، حيث تكون اللغة هي المادة الأساسية التي يتعامل معها القارئ وفق نظرته الأولوية و إدراكه الشعري، حيث ”يعد الإدراك الشعري ضربا من ضروب اختيار الشكل والإحساس به، ويتضح من هذه التصورات ومن مفهوم الأدبية التي صارت ركيزة أساسية للشعرية المعاصرة….قاعدة متينة لنظرية التلقي‟[4].

وكان اهتمامهم أيضا بالأداة الفنية التي تساعد على إدراك الصورة الشعرية، التي بدورها تسهم في خلق إدراك متميز للشيء، أي أنها تخلق رؤيا ولا تقدم معرفة، لأن ما يهم المتلقي ليس ما كان عليه الشيء، و إنما اختيار ما سيكون عليه[5]. كل هذه الأدوات الفنية ساهمت إلى حد ما في تقريب النص من المتلقي انطلاقا من بنائه الخارجي إلى محتواه الداخلي الذي يتمثل في الإدراك الجمالي للصورة الشعرية. ”وما هو مهم في ألمانيا ليس التركيز المكثف على العمل الدبي أو الجذور اللغوية و التشعبات ولكن التحول في نقطة الأفضلية إلى العلاقة بين القارئالنص بتوسيع مفهوم الشكل، ليشمل الإدراك الجمالي، بتحديد عمل الفن ووسائله بتوجيه الاهتمام إلى إجراءات التفسير ذاتها[6].

وقد رفض الشكلانيون كل المقاربات التي كانت سائدة بغض النظر عن طبيعتها الفلسفية أو الاجتماعية أو النفسية… مادامت تنطلق من خارج النص، يقول ﺇيخنباوم : ”ﺇن الشكلانيين في اعتراضهم على المناهج أنكروا ولا يزالون ينكرون، ليس تلك المناهج في حد ذاتها، وإنما الخلط اللامسؤول فيها بين علوم مختلفة…لقد اعتبرنا ولا نزال نعتبر كشرط أساسي، أن موضوع العلم الأدبي يجب أن يكون دراسة الخصيصات النوعية للموضوعات الأدبية التي تميزها عن مادة أخرى…..‟[7]

إن مهمة علم الأب أو الشعرية، عند الشكلانيين، تتلخص في تتبع الخصوصيات الأصيلة التي تميز الفن الأدبي عن غيره من المجالات الفنية والعلمية التي قد يدخل معها في حوار مفتوح من خلال شبكة من العلاقات، تسعى الدراسة النقدية إلى كشف خيوطها وإبراز مظاهرها التفاعلية، وهذا ما حاول الشكلانيون تجسيده من خلال الدراسة العلمية والوصفية للأسلوب الأدبي باعتباره عُدولا عن الأنماط اللغوية المعتادة، يقول ﺇخنباوم: ”من أجل تدعيم مبدأ النوعية…دون الرجوع إلى علم جمال أدبي، كان من الضروري مقابلة المتوالية الأدبية بمتوالية أخرى من الواقع يتم اختيارها من بين عدد كبير من المتواليات الموجودة نظرا لتداخلها بالمتوالية الأدبية مع قيامها بوظيفة مختلفة‟[8].

  • مدرسة براغ البنيوية

إن مساهمة حلقة براغ لا يمكن إغفالها، خاصة في مجال القراءة والتلقي الجمالي للنص الأدبي. ويظهر ذلك جليا في أعمال المنظرين الكبار للمدرسة، أمثال مو كارفسكي. ”لقد كانت أعمال موكارفسكيأحد أهم منظري مدرسة براغ البنيوية من أكثر المصادر النظرية سيادة في ألمانيا، وخصوصا خلال السنوات الأخيرة من الستينات والسنوات الأولى من العقد السبعين، حيث ظهرت ترجمات ألمانية لعدد كبير من كتاباته، وحيثما كانت تذكر نظرية التلقي أو البنيوية في ألمانيا كانت إشارة إلى مو كاروفسكي[9]. وهذا راجع بالأساس إلى قرب الطرح المنهجي والنقدي للناقد مع الأهداف العامة التي تدعو إليها نظرية التلقي، حيث ”يتضح إيحاء مو كارفسكي بنظرية التلقي أكثر ما يتضح عندما يحدد الإطار العام للفن عنده بوصفه نظاما حيويا دالا، ووفقا لهذا المفهوم، يصبح كل عمل فني مفرد ببنيته، ولكنها بنية لها مرجعيات غير مستقلة عن التاريخ، ولكنها تشكل وتتحد من خلال أنساق متعاقبة في الزمن‟[10].

فهو لم يفصل العمل الأدبي بما هو بنية عن النسق التاريخي، بل يرى أنه لا بد من فهم العمل على أنه رسالة، إلى جانب كونه موضوعا جماليا، وبهذا يتوجه إلى متلق هو نتاج العلاقات الاجتماعية، لذلك يصبح العمل الفني يحتل مكانا في السياق الملائم لفحص الاستجابة الجمالية.

  • ظواهرية رومان انجاردن (الفينومينولوجيا):

لقد نظر هذا الاتجاه إلى عملية التلقي من خلال العلاقة القائمة بين النص والقارئ، و أكد على دور المتلقي في تحيين المعنى وجعله جزءا من مكتسباته القبلية والبعدية، ”لأن النص عند الظاراتيين لا يوجد إلا حينما يتحقق أو يصبح راهنا، ولهذا ينبغي تبني وجهة نظر المؤول مرتبطة بنصه هو، وبتدخلاته المحكومة بمكوناته الثقافية والمعرفية الخاصة‟[11].

وتلعب الظاهراتية دورا مهما في صياغة أهم المفاهيم التي دعا إليها أعلام نظرية التلقي، حيث ”دعا نقاء القراءة و جمالية التلقي في منتصف العقد السابع من هذا القرن  إلى تفاعل القارئ والنص إعادة لثنائية الذات و الموضوع الظاهراتية. فقد تأثر رواد هذه النظرية ( ولاسيما آيزر و ياوس) بالفكر الظاهراتي من «هوسرل» و «غادمير» حتى «هيدجر»، واشتقوا مصطلحاتهم الخاصة ومفاهيمهم مثل (أفق الانتظار) و (المسافة الجمالية) و (فراغات النص) و (الواقع الجمالي)، التي أعانتهم على وضع قواعد لتقبل النصوص وتأويلها‟[12].

و أبرز المفاهيم الظاهراتية المؤثرة في نظرية التلقي مفهوم التعالي والقصدية ودورهما في تنمية العلاقة بين الذات المتلقية والبنية النصية. ”ويبدو مفهوم التعالي هو النواة المهيمنة في الفكر الظاهراتي، وقصد به «هوسرل» أن المعنى الموضوعي ينشأ بعد أن تكون الظاهرة معنى محضا في الشعور، أي بعد الارتداد من عالم المحسوسات الخارجية المادية إلى عالم الشعور الداخلي الخالص‟[13].

ومعنى هذا أن عملية البحث عن المعنى تكون في العوامل الداخلية للذات الإنسانية، وذلك من أجل تكوين خلاصة شعورية قائمة على الفهم العميق ونابعة من التأمل الدقيق للظواهر المادية الخارجية.

  • الهرمنوطيقا/التأويلية

الهرمنوطيقا مشتقة من الكلمة اليونانية ”Hermeneia ‟ أي فن التأويل[14]، وهي تشير إلى الجهود التأويلية التي مارسها الإنسان لتفسير النصوص وفهمها، والبحث عن المعاني المضمرة في باطن النص برده إلى بداياته الأولى ومصادره، وهي الدلالة التي تتفق مع تعريف ابن منظور للتأويل: ”التأويل المرجع والمصير، مأخوذ من آل يؤول إلى كذا أي صار إليه‟[15].

ويرجع الفضل في نقل الهرمنوطيقا من الحالة التقليدية اللاهوتية إلى حالة جديدة أكثر فاعلية تجعلها حاضرة في كل النصوص، إلى الباحث ”فريديريك شلاير ماخر‟، واعتبر هذا إيذانا لمرحلة أصبحت فيها الهرمنوطيقا علما له خصوصيته الساعية إلى توفير فهم صحيح لكل قول مهما كان نوعه، وبالتالي ”يعود إليه الفضل في أنه نقل المصطلح من دائرة الاستخدام اللاهوتي ليكون علما أو فنا، لعملية الفهم وشروطها في تحليل النصوص. وهكذا تباعد ”شلاير ماخر‟ بالتأويلية بشكل نهائي عن أن تكون في خدمة علم خاص، ووصل بها إلى تكون علما بذاتها يؤسس عملية الفهم، وبالتالي عملية التفسير‟[16].

ومن ثم نقل الممارسة التأويلية من وضع الاحتكار الكنيسي اللاهوتي، إلى وضع أداتي مشاع، عبر الارتقاء بها إلى درجة علم يؤسس لعملية الفهم، في محاولة لإيجاد تأصيل منهجي لعملية تأويل النصوص، عبر الانتقال من وضع التأويل للنصوص بكل تمظهراتها و أنواعها إلى معنى الفهم.

الهرمنوطيقا عند ”شلاير ماخر‟ تشكل مفارقة جديدة للنمط التقليدي السائد، وتتضح هذه المفارقة بملاحظة الدافع نحو تأسيس منهج للفهم. ف «شلاير ماخر» ”يبدأ بالبحث عن مصدر فن التأويل فيجده في ظاهرة سوء الفهم، من حيث أنها تثير الحاجة إلى الفهم. وتلك الحاجة تتحول إلى فن إذا استطعنا أن نتزود بشروط الفهم‟[17]. ما يجعل من الضروري إيجاد منهج تأويل يعصمنا من سوء الفهم، وهذا خلاف النمط التقليدي الذي ينطلق من إمكانية الفهم لكل شيء.

أما الكيفية التي يقترحها «شلاير ماخر» للفهم فتعتمد على تحليل الحالة الإبداعية التي ترتبط بالحياة الداخلية والخارجية للمبدع، ما يجعل من الضروري لفهم الإبداع استصحاب كلا الحالتين في عملية الفهم. وهو اعتراف واضح بالذات المبدعة و عدم إهمالها، وهو في الواقع اعتراف بالقصد المستبطن في النص، ومن هنا يكتسب النص تصورا جديدا عند «شلاير ماخر» يصبح فيه تجليا لحياة المبدع. ” وإذا كان الأمر كذلك فإن المهم في الممارسة الهرمنيوطيقية ليس تفسير المقاطع النصية فحسب، بل و إدراك النص في أصله ومنبعه، وفي بزوغه من الحياة الفردية لمؤلفه‟[18].

وتتجاوز وظيفة الهرمنوطيقي حينها تفسير النص لتصل إلى اكتشاف التجربة الحياتية للمبدع، لأن النص ليس مجرد وصف أو تصوير يستمد وجوده من الخارج فحسب، وإنما أيضا مفعم بحياة الآخر عندما يعكس التجربة الداخلية للمبدع،  وتكون اللغة وقتها وسيطا لنقل تلك التجربة. ومن هذا البعد نتعرف عن الحالة الرومانسية التي وصفت بها هرمنوطيقا «شلاير ماخر» لأنها تؤكد دور المبدع على حساب الواقع، وتعتبر النص تعبيرا لعالمه الداخلي أو موازيا له.

وتندرج محاولات «دلثاي فلهلم» البحثية في إطار الجهود الرامية إلى تشييد صرح منهجي للعلوم الإنسانية والاجتماعية مستقل عن المناهج المعتمدة في العلوم الطبيعية. وقد رأى أن المقاربة المنهجية لهذين المجالين العلميين (الطبيعي والإنساني)، ينبغي أن تختلف بينهما نظرا للاختلاف والتباين بين طبيعة كل منها، ”فالفارق بين العلوم الاجتماعية والطبيعية يكمن، عنده، في أن مادة العلوم الاجتماعية، وهي العقول البشرية، مادة معطاة، وليس مشتقة من أي شيء خارجها مثل مادة العلوم الطبيعية التي هي مشتقة من الطبيعة‟[19]. وبهذا رفض النظرة الفيزيقية التي نادى بها «إمانويل كانت» في كتابه ”نقد العقل الخالص‟ وشرع عن قصد في كتابة ”نقد العقل التاريخي‟ لكي يضع الأسس الابستمولوجية للدراسات الإنسانية[20]، بهدف فك الارتباط المنهجي مع النموذج الميكانيكي القائم على المقاربة السببية والكمية لموضوعاتها المغايرة لموضوع العلوم الإنسانية، الذي هو الحياة الإنسانية المركبة من الشعور والمعرفة والإرادة.

ويرى «دلثاي فلهلم» أن المقاربة المنهجية في العلوم الإنسانية يجب أن لا ترتكز على التفسير، لأن التفسير مقولة مجردة وسكونية وليست من الحياة، بل يجب أن ترتكز على مقولة الفهم المستمدة من الحياة نفسها، ”إن الذات العارفة التي شيدها « لوك» و «هيوم» و «كانت» لا يجري في عروقها دم حقيقي، ذلك أن هؤلاء يضيقون نطاق المعرفة ويقصرونها على ملكة الإدراك بانفصال عن الشعور والإرادة‟[21].

الفهم عند «دلثاي فلهلم» هو فهم تأويلي، ذلك أنه يشتغل على العلامات داخل المجتمع، أي أنه هو سيميولوجيا تتبع المسار التوليدي لإنتاج المعنى، و كيفية التوصل إليه، وذلك من قوله ” إننا نسمي فهما، المسار الذي ندرك من خلاله ما هو باطني استنادا إلى علامات خارجية‟[22].

إن «دلثاي فلهلم» يدعو إلى الاشتغال على التجارب الداخلية المتجلية في أشكال التعبير المختلفة التي يعتمدها البشر في تحقيق كينونتهم لفهم الحياة. و أهم الأشكال التعبيرية المعبرة عن تجربة الحياة، هي تلك التي تتخذ من اللغة أداة لها، ذلك أن تجربة المبدع تتجاوز إطار ذاتيتها لتتحول إلى تجربة حياة، كونها تجسدت فيما هو مشترك ومشاع بين الجميع من البشر، و ”تعتبر التعبيرات الأدبية، التي تتخذ من اللغة أداة لها، أعظم قدرة من التعبيرات الفنية الأخرى على الإفصاح عن الحياة الداخلية للإنسان‟[23].

أما هرمنوطيقا «هايدغر مارتن» لا يمكن استيعابها إلا ضمن فلسفته الوجودية، لولا أن تلك الفلسفة قائمة في الأساس على الهرمنيوطيقا أو على ماهية الفهم عنده، ما يجعل الأمر أكثر تعقيد. فهل تكمن البداية في معرفة الهرمنيوطيقا ومن ثم معرفة فلسفته الوجودية أم العكس؟

هذه الجدلية أوجدها «هايدغر مارتن» عندما أقام فلسفته على أساس الهرمنيوطيقا، في الوقت الذي أقام فيه الهرمنيوطيقا على فلسفته الوجودية، ما يجعل الجدلية في صورتها الظاهرية أشبه بالدور المنطقي، إلا أن ذلك التناقض لا يتصور إلا في دائرة النسق المعرفي الذي يقوم على الاستنتاجات العقلية. إن اختيار «هايدغر مارتن» المنهج الظاهري لا يحدد فقط مساره المعرفي، في مقابل المسار الفلسفي العام. بل يحدد أي نمط من أنماط الفهم والوعي الذي يبحث عنها «هايدغر مارتن»، إنه الفهم والوعي الذي يلامس الحقيقة في ذاتها وليس ذلك الفهم الذي تتوسطه المفاهيم والصور والمقولات الذهنية ”مثل هذه الظاهرية هرمنيوطيقية، بمعنى أنها تتضمن أن الفهم لا يقوم على أساس المقولات والوعي الإنسانيين، ولكنه ينبع من تجلي الشيء الذي نواجهه، من الحقيقة التي ندركها‟[24].

إن هذه التفرقة المنهجية تؤسس لمفارقة جوهرية في نظرية المعرفة، إذ أن نظرية المعرفة التقليدية تصور الإنسان على أساس كونه ذاتا عارفة تؤسس رابطا مفهوميا بينها وبين الموجود الآخر، وهي النقطة التي بدأ منها الجدل بين الذاتي والموضوعي في المعرفة، طالما تصورنا وجود فارق جوهري بين وجود الإنسان الذاتي و الآخر الموضوعي.

أما في منهج هايدغر لا نتصور تلك الثنائية، لأن الإنسان ليس وجودا منفصلا، وإنما وجود الإنسان وكينونته هي في وجوده مع الآخر، ”فكذلك الأمر بالنسبة للوجود الإنساني، إنه يشوه ويزيف عندما يفسر بوصفه ذاتا جوهرية. إن الإنسان ليس بالذات الابستمولوجية( العارفة)، المنعزلة، التي تدرك وجودها أولا، ثم تحاول بعد ذلك البرهنة على وجود العالم( كما فعل ديكارت)، بل إن الإنسان يدرك العالم إدراكا أوليا بخبرته واهتمامه المباشر، فالعالم بهذا المعنى مكون لوجود الإنسان، ونتيجة لذلك قضى «هايدغر» على ثنائية الذات والموضوع التي سادتبتأثير ديكارتحتى الوقت الحاضر‟[25].

وعلى الرغم من أن محاولة «هايدغر» في المحافظة على المسافة بين الذات والموضوع، فإننا نجد أنه يذهب في نهاية الأمر إلى الاعتراف بأن الذات والوجود هما نفس الشيء[26]. و «هايدغر» لا ينكر وجود الآخر و إلا اتهم بالمثالية، وبهذا القدر يحافظ على المسافة بين الإنسان والآخر. و لقد أصبح الإنسان على يد الفلاسفة الوجوديين، يمثل ذلك الكائن البشري الموجود في العالم، وسط الأشياء، ولم يعد مجرد ذات عارفة. فلابد أن يترتب على ذلك أن يصبح معاشرا للأشياء وليس عارفا لها. ولهذا نجد «هايدغر» يقول: ”إن الفيلسوف الحق هو الذي يحب معاشرة الأشياء، ويطيل الإقامة بينها، ووسطها، ويستمع إلى همسها في تعاطف ودي‟[27].

يقول «هايدغر»: الآنية ليست هي أصغر جزء من الحاضر، إنها اللحظة، وهي تفتح الحاضر أو تصدعه[28]، أي أن الإنسان هو الذي يجد ذاته باستمرار، وكلا الأمرين قد يؤسسان للنسبية، وهنا «هايدغر» لا يرى الفردية التي تجعل المعرفة ذاتية و إلا تناقض مع نفسه، فهو لا يمنع من التواصل الوجودي الذي يتجلى عبر اللغة المعبرة عن هذا الوجود، ”لعل اللغة كما يعتبرها ˊˊهايدغرˊˊ من أهم العناصر في الوجود الإنساني، فهي أساسية له،….اللغة هي أيضا أداة اتصالنا مع العالم ومع الآخرين‟[29]. ولا يكون للاتصال أي مسوغ إذا لم يكن هناك تلاق في المعنى و الإدراك و الفهم.

  1. بين النص والنص الأدبي

تمنح الكتابة للنص معنى؛ فهو نسق من العلامات الدالة المرتبة وفق نظام داخلي مما ينتج سيرورة دلالية. ومن ثم، يعتبر نصا كل خطاب يحيل على ممارسة تدليلية لكونه يؤسس منظومة مرجعية، ويبني أكوانا دلالية لارتباطه الوثيق بكل مكونات العالم الواقعي، مما يعقد فهم إرسالية النص المكتوب، وفك شفراته أمام القطب الجمالي للنص.

ومن هذه الزاوية، يمكن طرح سؤالين مركزيين: ألا يستدعي النص المكتوب قارئا أو قراء وإشكالية القراءة بكل تشعباتها؟ هل يمكن أن نتحدث عن نص مكتوب واحد أم عن نصوص مكتوبة؟ وما وظيفة كل نص نوعي مكتوب؟ وهل كتب بالكيفية التي تلائم صياغة المقروء؟ وهل ثمة طريقة تلائم كل وظيفة من وظائف المكتوب؟

إن سلطة النص الأدبي، تتجلى أساسا في كونه يقيم علاقة خاصة مع اللغة المعجمية أو القاموسية، فيزيحها من سياقها التداولي الأصلي، ليمنحها بناءا تركيبا ودلاليا جديدا مستمدا من قاعدة أن الإبداع لعب باللغة، ومن أجل اللغة. وعلى هذا الأساس، تبرز حرية المبدع والحضور المنظم لأدوات الكتابة من خلال استحضار العناصر الجمالية الأساس، من جهة، واختيار قواعد وظيفية لنقل الأشياء و الموجودات والاستيهامات من جهة أخرى. وبذلك، يتحدد المتخيل الذي يتخذ شكلا محددا. وعلى هذا الأساس، فالمبدع الحقيقي ليس لديه ما يقوله، إنه لا يمتلك في نهاية المطاف سوى طريقة للقول. ومن ثم، تغدو مجمل محمولات الخطاب الأدبي مجرد أحلام، وكوابيس، و أوهام، مجرد كائنات زئبقية تابعة “لأنا” المبدع من خلال إعادة اكتشاف قيمة الخلق الأسطوري.

وعلى ضوء ذلك، تجسد الجملة المكتوبة نوعا من النفي لامتدادات المعيش ولو عبر الديمومة التي تشاركه في الجوهر، مما يفتح مجالات خصبة أمام حركة الكتابة وفعل الخيال: أي أن دينامكية نقل الوقائع، من منظور تخييلي جمالي، هو نوع من التفكيك وإعادة التركيب لتلك الوقائع من خلال جدلية الهدم والبناء: هدم ما هو كائن وبناء ما ينبغي أن يكون. وبذلك، فإن المبدع يعقد-رغم إرغامات اللغة وإيحاءاتها- صلة غرابة مع الواقع في أفق دفع القارئ إلى المشاركة الفاعلة والمنتجة في لعبة الكتابة التي لا تتحقق إلا من خلال تعرية بطلان الإيهام المرجعي، والتدليل على استيهامات المبدع و أيديولوجيته في كل مكان. لذلك فان” الكتابة رهان على إنشاء عالم قد تحضر في ثناياه صورة الكاتب، ولكنها تنتهي في المحدود.[30]

ومن هنا، تتشكل لعبة الصراعات الجدلية والحوارية لرهانات الكتابة، في حين أن “رهان الكاتب هو التفاعل مع الواقع بتحولاته والارتواء من معين المتخيل‟[31]. وبالتالي، تتحدد “بياضات الذاكرة وفجواتها أو مناطق لاتحد يدها لأنها تعمل على تحريك الذكريات الراكدة لتبتكر الحياة من جديد‟[32].

وبهذه الابتكارات اللغوية التي يحدثها النص الأدبي، ينشغل المتلقي عما قبله وعما بعده، مما يكسب النص بعدا ترميزيا أو مغلقا يحتاج من الجهد، و الوسع، والقدرة، على مساءلة صمت المعنى الكامن في النص، باعتباره نصا زئبقيا منفلتا يصعب القبض على دلالاته الهاربة بكل سهولة. بمعنى أن الخطاب الأدبي ،هو بالأساس، خطاب لساني إيحائي ومكثف يخرق القواعد المعيارية السيمانطيقية، فيشغل القارئ بذاته قبل أن يشغله برسالته. وجدير ذكره، أن كل إنتاج نصي عليه أن يقيم في تصور كل متلق صورة دلالية جامعة بين الدال والمدلول، مما يحقق الفهم والإدراك شريطة تحديد مرجعية خاصة، وذلك بمعرفة حقيقة الأشياء والبنية العميقة للخطاب. و رغم تعدد مستويات النص الأدبي، فان حقائقه تظل معلقة، ومؤجلة في انتظار قارئ خبير متمرس بجماليات النصوص التخييلية من أجل فك شفراته ودلالاته، علما أن القيمة المرجعية للخطاب تبقى حاسمة في تحديد وتوجيه مساراته وسياقاته. ومع ذلك، فليس من شأن النص أن يصرح دائما بكل مرجعياته، وان كان يقدم إيحاءات وإشارات دالة مساعدة على ذلك. وفي هذا المقام، تطرح علاقة المعنى بالمرجع، وبالسياق، وباللغة، و بالواقع، و بالتناص (تداخل النصوص، وتدمير المرجعيات، فتطفو على مستوى الخطاب إشكالية العلاقة بين الواقعية النصية والواقعية الرمزية).

  1. النص الأدبي بين التلقي والتأويل

يثير سؤال التأويل إشكالات نظرية ومنهجية. وفي هذا السياق، طرح ياوس الأسئلة التالية: أين تبدأ استقلالية التأويل الأدبي؟ كيف كان يعمل؟ وكيف يعمل اليوم للكشف عن الخصائص الجمالية للنصوص؟ ويضيف في نفس السياق: “لم تهتم الشاعرية اللسانية، أو السيميائية، التي أتت بعد ذلك، ولا النظريات الأشد حداثة في الكتابة، واللعبة النصية، والتناص لم تهتم كلها بالمضامين التأويلية للمنهجيات الوصفية الحديثة اللهم إلا في حال اتخذت جهارا موقفا مضادا للتأويلية باسم الموضوعية العلمية الشكلانية “.[33]

وإذا كان «هايدغر» قد قسم التأويل الأدبي إلى ثلاث مراحل (الفهم، التفسير، والتطبيق)، فإنه قد طبق هذه المراحل الثلاث في مجالي التأويل اللاهوتي و القانوني بشكل يوحد بينها. ومن هنا، يمكننا “في الواقع تحديد الإسهام المعرفي للأنظمة التأويلية خلال تاريخها انطلاقا من كيفية تعرفها على وحدة اللحظات الثلاث، وتطبيقها في ممارستها العلمية، أو من طريقة نسيانها لهذه الوحدة بفضل تفضيل لحظة من هذه اللحظات في أبحاثها على حساب اللحظات الأخرى”[34]. الإشارة ذاتها ذكرتها نظرية الأدب بحيث يتطلب التأويل” أن يبحث المؤول في مقاربته الذاتية، معترفا بالأفق المحدود لوضعيته التاريخية، ويؤسس هذا التأويل هيرمينوطيقية تفتح حوارا بين الحاضر والماضي، وتدخل التأويل الجديد في السلسلة التاريخية لتجسد المعنى.[35]

إن تحقيق هذه الرهانات رهين، بالاستناد إلى مفهوم الأفق أو المعيار الجمالي، بوصفه يضبط تأويل نص معين من خلال التأثير الذي يحدثه في القارئ، والذي يدخل معه في لعبة السؤال والجواب. بالإضافة إلى التحولات التي يخضع لها أفق التوقع تاريخيا من خلال دراسة سانكرونية، أو دياكرونية لتاريخ الأدب الجديد: أي تاريخ تلقي الأدب. لهذا، فلا يمكن تصور تأويل علمي ،عند ياوس، دون دراسة الأفق بوصفه: “حدا تاريخيا، وفي الوقت ذاته شرطا لكل تجربة محتملة، ومن حيث هو عنصر مكون للمعنى في الفعل البشري والفهم الأولي للنظام.[36]

وعليه، فمواجهة مشاكل نظرية مع النص، لا تتأتى إلا من خلال نافذة القراءة باعتبارها نشاطا ذهنيا وإبداعيا يقوم به القارئ الذي يحول النص من نطاق الكمون إلى نطاق التحقق. يقول ج سارتر: ” إن الفعل الإبداعي لحظة غير مكتملة في العمل الأدبي، لأن عملية الكتابة تفترض عملية القراءة كتلازم جدلي، وهذان الفعلان المرتبطان هما: المؤلف والقارئ”[37]. وهذا معناه أن الكتابة و القراءة وجهان لعملة واحدة، أو فعلان متلازمان، فليس هناك من معطى لفصل أحدهما عن الآخر، فالأثر لا يخرج للوجود إلا موصولا بعملية القراءة مادام النص نداءا وما على القراءة إلا أن تلبي هذا النداء.

والأدهى من ذلك، فإن التعاقب التاريخي للقراءات للعمل الأدبي الواحد تولد إنتاجية نصية، بفعل اندماج أفق النص بآفاق القراء، فيتم تجاوز منطوق النص إلى المسكوت عنه أو اللامقول باعتباره خزانا أو منجما ولودا من الدلالات. ومن ثم، يتمثل دور القارئ في تنشيط الحوار الخلاق مع النص من أجل تطوير فن القراءة وفن الكتابة معا. والقارئ الإيجابي، أو القارئ الفعال، مشروط طبعا بشروط ثقافية ومعرفية تسمح له بتحريك آليات النص وتجاوز إكراها ته.

فالكاتب والقارئ شريكان أساسيان واعيان بآليات مهنة صناعة الإبداع، ومنهجية النفاذ إلى عوالمه الداخلية. فإذا كان الكاتب قد شكل أو كون النص، فان القارئ هو الذي يؤوله، ويمنحه معنى بوصفه حصيلة اندماج ظرفي بين النص و القارئ في لحظة تاريخية ونفسية محددة. فالمعول عليه في استقبال النص هو استحسان السامع، أو الانصراف عنه، وعلى الأديب أن يحرص على إرضاء ذوق الجمهور إذا أراد أن يكون أديبا أصيلا. فالقراءة، إذن، تنشيط لإنتاجية النص، وقدح لزناده الإبداعي، وتحقيق لتداو ليته من خلال انخراط القارئ في فعل القراءة ،وملامسته لمستويات النص اللغوية والأسلوبية وتجاوز اكراهاته البنائية، وفك سننه ومعرفة سياقاته.

  1. علاقة القارئ بالنص الإبداعي

لقد اتجهت البحوث النقدية المعاصرة إلى خلق معادلة أدبية جديدة تمثلت في علاقة القارئ بالنص الإبداعي، هذا القارئ الذي لم يكن له دور فعال في النظريات الأدبية التقليدية، فكان التركيز معظمه منصبا على النص كأساس لكل التحليلات الأدبية، فالدلالة موجودة بالنص.. والجماليات موجودة بالنص وعلى القارئ أن يضع يده على هذه الأمور، ومن لم يستطع فإن ثقافته النقدية غير صحيحة أو غير مؤهلة … بل توصف قراءته النقدية بالخاطئة.

ومن الباحثين الذين كان لهم باع كبير الباحث الألماني «ولفغانغ إيزر» في كتابه “فعل القراءة، نظرية الأثر الجمالي‟، وكان دفاعه عن القارئ بطريقة جادة وبتحليلات فائقة، حيث جعله شريكا أساسيا في العملية الأدبية باعتبار القراءة شرط رئيسي وضروري في تفسير وتأويل النص. وقد لخص «ولفغانغ إيزر» رؤيته للقارئ والنص فيما يلي: ”نستطيع القول أن العمل الأدبي له قطبين: القطب الفني يتعلق بالنص الذي أنتجه الكاتب، بينما القطب الجمالي يتعلق بالتحقق على مستوى القارئإن موقع العمل الأدبي هو النقطة التي يلتقي فيها النص والقارئ”[38]، ويؤكد «ولفغانغ إيزر» أن القراءة هي التي عبرها يحدث التفاعل الأساسي لكل عملية أدبية، إذ يقول: “إنه أثناء القراءة يحدث التفاعل الأساسي لكل عمل أدبي بين بنائه والمرسل إليه‟.[39]

وينطلق «ولفغانغ إيزر» من أن المعنى ليس موجودا في النص وليس سابقا على وجود القارئ له، وهذا التحقيق هو الذي يقوم بإخراج المعنى إلى حالة التجسيد، فالمعنى يبنى بمشاركة القارئ بغض النظر عن موقفه أكان بالقبول أو الرفض، وبداية وجود المعنى هي نقطة الالتقاء بين النص والقارئ ويسميها أيزر بالموقع الافتراضي[40].

ويرى الباحث «حميد لحمداني» في تحليله لهذه العلاقة التفاعلية، هو أن «ولفغانغ إيزر» ينطلق من أن النص لا يقوم على مبدأ الامتلاك بالمعاني، وإنما من مبدأ الفراغ لأن النص إذا كان ممتلئا بالمعاني فما على القارئ أن يسلم بذلك. ولهذا فالتواصل هو أن يتعامل القارئ مع النص بفكره ورصيده المعرفي، ويقوم بملأ الفراغات الكثيرة.[41]

ومن المصطلحات التي تعرض لها «ولفغانغ إيزر» ”سجل النص‟، وهذا السجل تكون فيه الإحالة إلى النصوص السابقة، تاريخية واجتماعية وثقافية، ويتم في هذه الحالة انتخاب عناصر دلالية معينة على حساب عناصر أخرى تتعرض للإقصاء،[42] ”وهكذا يتضح أن علاقة النص بمرجعيته تتأسس عبر صيرورة معقدة، وأن المعنى بالتالي لا يتقدم جاهزا، وإنما يتحدد من خلال تلك الصيرورة التي تلعب فيها القراءة دورا أساسيا‟[43].

  1. القارئ النموذجي عند “أمبرتو إيكو”

يعد الباحث الإيطالي “أمبرتو إيكو” من الذين أسهموا إسهاما كبيرا في تأسيس نظرية التلقي، ومعالجته لمفهوم القراءة تختلف عن الباحث الألماني ”فولفغانغ آيزر‟، حيث بقي يعتقد أن النص الأدبي له قوته وسلطته في تحديد دور القارئ الذي يمتلك رد فعل تجاه البنية والمحتوى.[44]

يؤكد “أمبرتو إيكو” في كتابه “القارئ في الحكاية” على أن القارئ الذي يريده ليس قارئا على طريقة ″أيزر‟ يكتشف معانيه من تفاعله مع النص، وإنما هو قارئ جيد نموذجي لديه كفاءات ومهارات في تعامله مع النص تتمثل هذه الكفاءات في الكفاءات الموسوعية، الكفاءات المعجمية والأسلوبية والكفاءات اللغوية، كما أن المؤلف ينبغي له أن يمتلك مجموعة من الكفاءات تتماشى مع كفاءات القارئ، وحينئذ يحدث ما يسميه التعاضد أو التعاون بين القارئ النموذجي والنص[45]، لأن القارئ إذا لم يكن يمتلك هذه الكفاءات المعرفية والموسوعية والأسلوبية سوف لن يكون في مستوى معرفة ما يقصده الكاتب من خلال النص. و يضيف إيكو: وفي خلاصة القول إن القارئ المصاب بقصور موسوعي يجد نفسه على قاب قوسين أو أدنى مما يعوزه”.[46]

ويشير إلى أن النص لا يصرح بكل شيء ولا يكشف عن المضمون للقارئ، ولهذا “أمبرتو إيكو” يستخدم عبارة “ما لا يقال” ويقصد بها فكرة مهمة لم يقلها النص وعلى القارئ أن يقوم بتفعيل المضمون، وهنا يقوم القارئ بحركات تعاضدية لمعرفة هذا المضمون، ثم يستخدم مفهوم ملأ الفراغات، وهو المفهوم نفسه عند فولفغانغ إيزر›[47]، يقول: ″فالنص إن هو إلا نسيج فضاءات بيضاء و فرجات ينبغي ملؤها، ومن يبثه يتكهن بأنها (فرجات)  سوف تملأ، فيتركها بيضاء.”[48]

وفي علاقة المؤلف بالقارئ النموذجي، يرى “أمبرتو إيكو” أن المؤلف يصوغ فرضية حول القارئ النموذجي من خلال عبارات استراتيجية، و بالمقابل فإن القارئ ينبغي له أن يرسم فرضية المؤلف مستخرجا ذلك من خلال النص بصورة مضبوطة.[49]

ويستخدم إيكو مصطلح “قراءة ما وراء النص”، فهناك القراءة الأولى للنص ثم هناك القراءة الثانية، وهذه الأخيرة هي التي تشكل قراءة ما وراء النص والقارئ فيها نموذجي ناقد يستطيع الوصول إلى حقيقة الحكاية، بينما القراءة الأولى لا تصل إلى حقيقة الحكاية[50]. وقد قام بتحليل قصة تحمل عنوان “مأساة باريسية حقا” إذ يقول في هذا الصدد: “والحال أن قصة “مأساة ..” كانت قد كتبت لتقرأ مرتين (أقله)، فإذا ما اقتضت القراءة الأولى قارئا بسيطا، عمدت القراءة الثانية إلى اقتضاء قارئ ناقد يكون قادرا على تأويل فشل المبادرة التي قام بها الأول.”[51]

وهكذا يصنف إيكو القراءة وينظر إليها نظرة مثالية، فالقارئ العادي عنده لا يستطيع إدراك ما وراء النص، وبالتالي فهو ليس قارئا صحيحا. فعلى كل القراء، حسب ‹أمبرتو إيكو›، أن يكونوا نموذجيين، ذوي كفاءات عالية جدا، بل نقادا محترفين، وهذا ما لا يتماشى مع المعطيات الواقعية، فهناك مستويات للقراءة، ويستطيع كل قارئ إدراك نص الحكاية انطلاقا من قدراته الخاصة، ومعارفه الشخصية، أما القول بأن النص الحكائي يقدم حكاية تتضمن حكاية أخرى خفية (حكاية في حكاية) فهذا لا ينطبق على كافة الحكايات والقصص، فهو نص يحتوي على أسطورة وآخر على رمز، وآخر على أفكار فلسفية، فلسنا أمام نص واحد فقط في الإبداع، فهناك أشكال أدبية لا حصر لها في سرد الحكايات .

ويختلف ‹أمبرتو إيكو› عن ‹فولفغانغ إيزر› في تحديد المعنى، حيث يرى إيكو وجود المعنى القبلي الذي له علاقة بمقصدية المتكلم، وهذا المعنى القبلي هو منطلق لجميع القراءات الممكنة، كما أنه يقبل بتأويل النص، شريطة ألا يتعارض هذا التأويل مع القراءات النصية، ولكنه في كل الحالات لا يقبل إلا القراءات النقدية المختصة.[52]

  1. مفهوم مستويات القراءة عند حميد لحمداني

حاول الباحث حميد لحمداني تحليل مفهوم القراءة أو التلقي على ضوء نظرية الجشطالت في تمييزها للمعرفة، حيث يرى أن نظرية الجشطالت ميزت بين نوعين من المعرفة:[53]

المعرفة الحدسية.

– المعرفة الذهنية أو الفكرية.

ففي المعرفة الحدسية مثلا:” عندما يحاول شخص ما فهم لوحة تشكيلية، إنه يحيط نظريا بالمنطقة التي يشتمل عليها إطار اللوحة ويدرك المكونات المختلفة لهذه اللوحة من أشكال وألوان وعلاقات مختلفة، هذه المكونات تمارس تأثيراتها الإدراكية على بعضها البعض بطريقة تجعل المتلقي يستقبل الشكل الكلي باعتباره نتيجة للتفاعل بين مكونات اللوحة المختلفة، ونفس الأمر يمكن قوله بالنسبة للأعمال الإبداعية الأخرى كالموسيقى والرواية والقصة القصيرة والمسرح والشعر،…… أما المعرفة الذهنية أو الفكرية فهي تعمل على تفتيت العمل الإبداعي إلى عناصر جزئية……. وهناك معرفة ثالثة غايتها ليست المتعة والتذوق الجمالي بل هي معرفة ذات إيديولوجي أو عقائدي،…أما المعرفة الرابعة فهي إبستمولوجية، تأمل في الكائن الممكن”.[54]

وقد حاول حميد لحمداني تصنيف هذه المعارف مع ما يناسبها من مستويات القراءة:[55]

مستويات المعرفة مستويات القراءة الوظيفة
المعرفة الحدسية

المعرفة الإيديولوجية

المعرفة الذهنية أو الفكرية

المعرفة الابستمولوجية

قراءة حدسية

قراءة إيديولوجية

قراءة معرفية

قراءة منهجية

التذوق، المتعة

المنفعة

التحليل

التأمل، المقارنة وإدراك الأبعاد

 

وفي إطار هذا الشكل الذي يمثل مستويات القراءة، يرى لحمداني أن هذه المستويات يمكنها أن تلتقي فيما بينها، كما يمكن أن تهيمن إحداها في تلقي النص الأدبي[56]، ولكنها لا تكاد نفرق هنا بين القراءة المعرفية والقراءة الإيديولوجية، لأن الايدولوجيا قائمة على الأفكار والفلسفات. وإذا قلنا القراءة المنهجية هل هذا يعني أن القراءة الإيديولوجية ليست منهجية؟

إذن ثمة تشابك بين هذه المستويات ويصعب الفصل بينها، وتكاد تؤدي إلى مفهوم واحد. ومن خلال ملاحظتنا لمختلف القراءات النقدية للنصوص الإبداعية أن منها من يعتمد على الشكل ومنها من يعتمد على المضمون، على الرغم من وجود التشابك الكبير بين الشكل والمضمون، فالشكل يعتمد مثلا على بنية الزمن وشخصية الراوي ولغة السرد، تقنيات السرد وغيرها، أما المضمون فيكون مثلا: قراءة أنثروبولوجية للنص … أو قراءة فلسفية أو قراءة تراثية… أو قراءة تاريخية… وهكذا … أي توجد مجالات كبيرة في معالجة النص الإبداعي، ويمكن للقارئ الناقد أن يعتمد قراءتين في الوقت نفسه.

  1. المبدع المتلقي لعناصر الأسطورة

– رواية بيجماليون لتوفيق الحكيم كنموذج

ثمة علاقة حميمية بين الإبداع والأسطورة منذ القديم، فقد كان الشاعر أو الفنان يستلهم الأساطير، واستمرت هذه العلاقة عبر عصور مختلفة إلى يومنا هذا، وهذا معناه أن الأسطورة لم ترتبط فقط بحياة الإنسان القديمة، وإنما ظلت عنصرا أساسيا في الحياة الإنسانية في كل زمان. وتعرف الأسطورة على أساس: ” أنها شكل خاص من القص تم ربطه بتاريخ الآلهة اليونانية القديم. وعلى الرغم من ذلك فإن الأساطير ليست هي تاريخ الآلهة، وإنما هي تاريخ لشخصيات بطولية تتميز عن القصة الخرافية أو القصة الملحمية، بل هي تاريخ القدامى ولكنها تختلف عن النصوص التاريخية وقصص الحيوانات”[57]. والأسطورة ضرورة بالنسبة للإنسان المعاصر فهي زاد للحلم وعنصر في تنظيم العلاقات بين الأشخاص، فوظيفتها عالمية، ولا يمكن أبدا أن نتصور أن حضارتنا بإمكانها الاستغناء عن الأسطورة أو ما يشابهها.

وإذا كانت القصيدة الشعرية ارتبطت بالعناصر الأسطورية فإن الرواية العربية والقصة القصيرة…..استفادت هي الأخرى من هذه العناصر، وذلك بغية تطعيم النص بأبعاد جمالية تزيد من متعة القارئ أو المتلقي، ولا تجعله حبيس الأفكار والصور الواقعية، لكن توظيف الأسطورة في الإبداع لا يتأتى إلا عن طريق تلقي المبدع سواء للنصوص الأسطورية في حد ذاتها، أو تلقيه للنصوص الإبداعية التي وظفت العناصر الأسطورية، ويحدث أحيانا أن يسقط المبدع أشياء أسطورية على شخصية معينة.

يقول ‹توفيق الحكيم› في مقدمة الرواية، بيجماليون ، أن هذه القصة تقوم على الأسطورة الإغريقية ويعود تعرفه على هذه الأسطورة من خلال تواجده بمتحف اللوفر حيث رأى لوحة زيتية لبجماليون و جالاليا للفنان “جان رواكس”، كما أنه شاهد مسرحية بجماليون في شريط سينمائي “لبرنادشو”.[58]

فمنذ البداية يصرح توفيق الحكيم أن مصادر التلقي في كتابه هذه الرواية هي :

القصة الأسطورية القديمة.

اللوحة الزيتية.

مسرحية بجماليون برناردشو.

ومما لاشك أن ‹توفيق الحكيم› عندما اطلع على هذه المصادر لبجماليون تفاعل معها وتأثر بها، بل قدم جديدا من خلال إبراز الصراع بين روعة الفن وواقع الحياة، وفي النهاية ينتصر للفن[59].

وملخص الأسطورة هو أن ″بجماليون نحات‟، كان يتميز بكراهيته للنساء ولذا ألزم نفسه أن يعيش أعزبا، وبالتالي خصص معظم أوقاته لفن النحت. فقد نحت أعمالا فنية عديدة، من بينها تمثال امرأة تدعى “قالاتيا” كانت في غاية الروعة والجمال، ومن ثم فقد نشأت علاقة عشق وغرام بين النحات بجماليون و ″قالاتيا‟، مما جعله يتوسل للآلهة أن تبعث فيها الروح. وفي النهاية تستجيب الآلهة ″أفروديت‟ ويتحول تمثال ″قالاتيا‟ إلى امرأة حقيقية وتصبح زوجة لبجماليون.

أما ملخص الرواية “بجماليون” عند توفيق الحكيم فيتمثل في أنه صنع تمثالا جميلا لقالاتيا، وبعد أن تقدم بطلب إلى الآلهة أن تنفخ فيها الروح، يتم ذلك مع تطور الأحداث فتنشأ الخصومة بين ″بجماليون‟ و ″جالاتيا‟.

بجماليون:  لا تبكي يا جالاتيا … ألم أقل لك إني لست ناقما عليك أنت ! …

جالاتنا: بل إنك لناقم علي

بجماليون:  نفترق؟ !…

جالاتيا: منذ الآن !…”[60]

وكانت من بين أسباب هذه الخصومة أنه كان ينفر منها حين يراها تحمل المكنسة لمزاولة أعمال البيت، فأصبحت تمثل المرأة العادية، وهي بعيدة كل بعد عن المرأة التي تمثل الجمال الرائع في التمثال، فكانت النهاية هي دعاء بجماليون للآلهة أن تعيد ″جالاتنا‟ إلى أصلها الأول أي التمثال. وكانت صرخة بجماليون واضحة حين قال:

“أيتها الآلهة !… لقد أخذتم مني فني، وأعطيتموني زوجة”.[61]

وإذا كانت أسطورة ″بجماليون‟ مصدرا للتلقي والتأثير عند ″توفيق الحكيم‟ فإنها لم تحمل المضمون نفسه، فالأسطورة بالمفهوم الإغريقي أن ″بجماليون‟ حرم نفسه من الزواج وقرر أن يعيش أعزبا مدى الحياة مما جعل الآلهة تعوضه بامرأة أخرى تتحول من التمثال إلى الواقع، أي أن الأسطورة قائمة على فكرة التعويض، فقد كان ” ينظر إلى موهبة الشاعر على أنها تعويض، فآلهة الفنون : أخذت البصر من عيني″ ديمودوكوس Demodocos‟ لكنها أعطته موهبة الغناء اللطيفة”[62].

 بينما نجد ″توفيق الحكيم‟ يعطيها بعدا آخر وهو ” معارضة الفن للحياة، إيثار الفن على الواقع”[63]. فجالاتيا التمثال أعظم من جالاتيا الزوجة، وبهذه الطريقة فإنه، انطلاقا من تلقي مضمون الأسطورة الإغريقية، استطاع الكاتب أن يبدع أفكارا جديدة ومضمونا جديدا مغايرا للمضمون الأول. إن تلقي الأسطورة أسهم في إبداع موضوع أدبي جديد وفكرة جديدة وهي أن الفن أجمل من الواقع. وهنا يؤدي التلقي وظيفة التجديد في الإبداع. فالباحث ″زكي العشماوي‟ قام بدراسة مقارنة بين ″برنارد شو‟ و ″توفيق الحكيم‟ حيث شاهد هذا الأخير “فيلما سينمائيا عرض في القاهرة عن بجماليون مأخوذا عن مسرحية برنارد شو”[64]، وليس من شك في أن ″توفيق الحكيم‟ قد رجع قبل أن يؤلف مسرحيته إلى الموضوع القديم دارسا ومتعمقا إلى روح الأسطورة، كما أنه لا شك قرأ مسرحية ″برنارد شو‟ وتفاعل معها وهذا ما نسميه بالتمثل والتأثر”[65].

  • خاتمة

إن الشيء الأساسي في قراءة كل عمل أدبي، هو التفاعل بين بنيته النصية ومتلقيه. فالنص ذاته لا يقدم إلا مظاهر خطاطية يمكن من خلالها أن ينتج الموضوع الجمالي للنص بينما يحدث الإنتاج الفعلي من فعل التحقق الذي ينجزه القارئ.

فجمالية التفاعل لا تظهر إلا من خلال مرور القارئ عبر مختلف وجهات النظر التي يقدمها النص، ويربط الآراء والنماذج المختلفة بعضها ببعض. هذا الفعل الحركي الذي يقوم به القارئ يجعل العمل الأدبي يتحرك، كما يجعل نفسه حركة كذلك. لأن الموقع الفعلي للعمل يقع بين النص والقارئ، إذ أن من الواضح أن تحقيق التفاعل هو نتيجة للتفاعل بين الاثنين.

 

 

 

 

 

[1]محمود عباس عبد الواحد، قراءة النص وجماليات التلقي بين المذاهب الغربية الحديثة وتراثنا النقدي (دراسة مقارنة), دار الفكر العربي القاهرة،1996م، ص45.

[2] عبد المالك مرتاض، في نظرية النقد (متابعة لأهم المدارس النقدية المعاصرة ورصد لنظرياتها)، دار هومة، الجزائر، دط، 2002م، ص79.

[3]عبد الكريم شرفي، من فلسفات التأويل إلى نظريات القراءة، منشورات الاختلاف، الجزائر، ط 1، 2007م، ص 14.

[4]روبرت هولب، نظرية التلقي مقدمة نقدية، ترجمة عز الدين إسماعيل، المكتبة الأكاديمية القاهرة، ط 1، 2000م، ص48.

[5]أحمد يوسف، القراءة النسقية (سلطة البنية ووهم المحايثة)، منشورات الاختلاف، الجزائر، ط 1، 2003م، ص 94.

[6]روبرت هولب، نظرية الاستقبال( مقدمة نقدية)، ترجمة رعد عبد الجليل جواد، دار الحوار للنشر والتوزيع، اللاذقية، سوريا، ط 1، دت، ص 30.

[7]نظرية المنهج الشكلي: نصوص الشكلانيين الروس، ترجمة عبد الكريم الخطيب، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، لبنان، والشركة المغربية للناشرين المتحدين، الرباط، ط1، 1982م، ص 10.

[8]المرجع السابق، ص 36.

[9]عبد الناصر حسن محمد، نظرية التوصيل وقراءة النص الأدبي، المكتب المصري لتوزيع المطبوعات، دط، 1999م، ص 76.

[10]روبرت هولب، نظرية التلقي، مرجع سابق، ص 71.

[11]ضياء خضير، ثنائيات مقارنة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، ط 1، 2004م، ص 15.

[12]حاتم الصكر، ترويض النص، دراسة للتحليل النصي في النقد المعاصر، إجراءات ومنهجيات، الهيئة المصرية العامة للكتاب، دط، 1998م، ص 103.

[13]بشرى موسى الصالح، نظرية التلقي، أصول وتطبيقات، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، بيروت، ط 1، 2001م، ص 34.

[14]نبيهة قارة، الفلسفة والتأويل، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، ط 1، 1998م، ص 5.

[15]ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت، لبنان، ط 3، مج 11، مادة أول، 1994م،  ص 33.

[16]نصر حامد أبو زيد، إشكاليات القراءة و آليات التأويل، المركز الثقافي العربي، المغرب، ط 5، 2005م، ص 20.

[17]نبيهة قارة، الفلسفة والتأويل، مرجع سابق، ص 44.

[18]عبد الكريم شرفي، من فلسفات التأويل إلى نظريات القراءة، مرجع سابق، ص 26.

[19]نصر حامد أبو زيد، مرجع سابق، ص 24.

[20]عادل مصطفى، فهم الفهم (مدخل إلى الهرمنيوطيقا)، رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، ط 1، 2007م، ص 118.

[21]عادل مصطفى، المرجع نفسه، ص 121-122.

[22]نبيهة قارة، مرجع سابق، ص 51.

[23]عادل مصطفى، مرجع سابق، ص 124.

[24]نصر حامد أبو زيد، مرجع سابق، ص 32.

[25]إبراهيم أحمد، إشكالية الوجود والتقنية عند هايدغر، الدار العربية للعلوم، بيروت-لبنان، منشورات الاختلاف، الجزائر، ط 1، 2006م، ص 82.

[26]إبراهيم أحمد، المرجع نفسه، ص 83.

[27]إبراهيم أحمد، المرجع نفسه، ص 76.

[28]إبراهيم أحمد، المرجع نفسه، ص 78.

[29]إبراهيم أحمد، المرجع نفسه، ص 86.

[30] محمد عز الدين التازي، الكاتب الخفي والكتابة المقنعة(دراسة أدبية ونقدية)، سلسلة شراع المغرب، ع72،  1998م، ص3.

[31] مرجع سابق، ص4.

[32]مرجع نفسه، ص7.

[33]GAUSS HR, POUR UNE HERMENEUTIQUE LITTERAIRE, TRADUIT DE L ALLEMOND PAR MAURHCE JACOB ED GALLIMARD, 1988, P 54.

[34]IBID, P 55.

[35]هانز روبرت ياوس، نظرية التلقي و التواصل الأدبي، ترجمة سعيد علوش، مجلة الفكر العربي المعاصر، عدد 38، 1986م، ص 107.

[36]هانز روبرت ياوس، علم التأويل الأدبي حدوده ومهامه، ترجمة د. بسام بركة، العرب والفكر العالمي، عدد 3، 1988م، ص59،

[37]رشيد بنحدو، العلاقة بين القارئ و النص في التفكير الأدبي المعاصر، المجلس الوطني للثقافة و الفنون والآداب، عالم الفكر، المجلد 23، الكويت، 1994م، ص474.

[38]WOLFGANG ISER : L’acte de lecture. Théorie de l’effet esthétique, traduit de l’allemand, par evelyne SZNYCER , éditeur pierre M. Bruxelles .P : 48.

[39]WOLFGANG ISER: L’acte de lecture . P 48.

[40]عبد العزيز طليمات، فعل القراءة: بناء المعنى وبناء الذات.، قراءة في بعض أطروحات ولفغانغ إيزر (نظرية التلقي إشكالات وتطبيقات) سلسلة ندوات ومناظرات رقم 24. منشورات كلية الآداب – الرباط –ص 153.

[41]حميد لحمداني: القراءة وتوليد الدلالة (تغيير عاداتنا في قراءة النص الأدبي)، المركز الثقافي العربي، المغرب. ط 1، 2003م، ص 70.

[42]عبد العزيز طليمات، مرجع سابق، ص155.

[43] المرجع نفسه، ص 155.

[44]حميد لحمداني: القراءة وتوليد الدلالة (تغيير عاداتنا في قراءة النص الأدبي)، مرجع سابق، ص 72.

[45]أمبرتو إيكو: القارئ في الحكاية، ترجمة أنطوان أبوزيد، المركز الثقافي العربي-المغرب، ط 1 ، 1996م،ص 68.

[46]المرجع السابق، ص 68.

[47]المرجع نفسه، ص 62.

[48]المرجع نفسه، ص 63.

[49]المرجع نفسه، ص77.

[50]المرجع نفسه، ص 259.

[51]المرجع نفسه، ص 259.

[52]حميد لحمداني : القراءة وتوليد الدلالة، مرجع سابق، ص 32.

[53]-1 حميد لحمداني، القراءة وتوليد الدلالة، مرجع سابق، ص : 214

[54]المرجع السابق، ص 215.

[55]المرجع السابق، ص 216.

[56]نفس المرجع، ص 2016.

[57] عز الدين اسماعيل، الشعر العربي المعاصر، قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية، دار العودة ، بيروت،ط3، 1981م، ص 224.

[58]توفيق الحكيم، بجماليون، دار الكتاب اللبناني، 1974م، .ص9.

[59]محمد زكي العشماوي، دراسات في النقد المسرحي والأدب المقارن، دار المعرفة الجامعية، 1993م، ص204.

[60]-توفيق الحكيم، بجماليون، مرجع سابق، ص.124-125

[61]توفيق الحكيم، بجماليون، مرجع سابق، ص 120.

[62]رينيه ويلك، نظرية الأدب، ترجمة محي الدين صبحي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط 2، 1981م، ص 83.

[63]محمد زكي العشماوي، دراسات في النقد المسرحي، مرجع سابق، ص 204.

[64]المصدر نفسه، ص 203.

[65]نفسه، ص 203.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *