رسائل إلى مهرجان مسرحي – 1

 

 

 

 

تشرفت أن أكون ضمن لجنة تحكيم في مهرجان المسرح المونودرامي بجامعة السلطان قابوس، وأن يكون المرء في هذا الموقع فذلك يعني عدم استمتاعه بالعمل من زاويته الجمالية كما تجدر متعة المتابعة، لأن نظارة أخرى ستغلف عينيه، باحثا عن حسنات العمل كما هو البحث عن السيئات، ويقارنه بآخر، وعليه أن يكون عادلا، والعدالة في الإبداع منقوصة حتما، فالمسرح كما هي الحياة، لا عدالة مطلقة فيه.
خمسة أيام من الأمسيات الجميلة، والحضور الأجمل، على الخشبة أو خارجها، شباب أعطوا جهدهم من أجل حياة مسرحية حينما غاب وغيّب الفعل المسرح عن حياتنا الثقافية، تمنيت أن يفاجئ رئيس الجامعة القاعة الممتلئة ليقول إننا معكم أيها الشباب، تمنيت أن يأتي أحد المسؤولين الآخرين بالجامعة ليدعم الروح الشبابية التي تنطلق في فضاء الإبداع.. إنما هناك ما هو أهم لينشغلوا به بعيدا عن ما لا يرونه مهما.
سعدت أيضا بمنحي فرصة إلقاء كلمة لجنة التحكيم في حفل الختام، ورأيت أن أنشر مقاطع منها ظنا مني أنها تستحق (النشر) وكما يقال “كلّ يعجبه طنين رأسه”..
“هذا المساء أصعد للخشبة بإغراء من حدثته نفسه بالمسرح، وأغرته الخشبة بالوقوف عليها، وكان عليّ أن أجد الكلمات التي تليق بكم، مسرحيين أو متابعين، من عشاق المسرح، على الخشبة أو خارجها.. أقف بينكم وأمامكم ليس بقصد التنظير في أبي الفنون، فقد أشعلتم قناديله على امتداد خمسة أيام هي عمر مهرجان المسرح المونودرامي، ورغم صعوبة هذا النوع المسرحي إلا أن قدراتكم أعطت إبداعا وجد الاحترام والتقدير ممن تابعكم وصفق لكم وبارك كل خطوة تسيرونها، في حياة الخشبة أو على خشبة الحياة.
كيف يمكن أن تكون كلمة لجنة التحكيم إن لم تبارك لمن فاز بجائزة، أو تبرر لمن لم يدركه ذلك؟!
لكنني أيها الأصدقاء لا أبارك ولا أبرر، حيث إن كلمة مبروك تستحقونها جميعا، ولا يوجد خاسر بينكم، جميعكم رابحون، ربحتم متعة الوقوف على خشبة كهذه، وتقديم إبداعكم أمام جمهور كهذا، الجوائز الحقيقية تقولها الأكف التي صفقت بإعجاب وانبهار، لا التي تقررها لجان التحكيم، فلا مقاييس محددة للإبداع، فهو الانطلاق الحر، الفن المراوغ، العواصف، الزلازل، البراكين، المحيطات الهادرة.. ومحاولات لجنة تحكيم، أيا كانت، يشبه عملها محاولة الإمساك بمسطرة لقياس ظواهر تتجلّى، بقدرة بشرية، مهما بدت تبقى محدودة، ومقاييسها بشرية لا تستطيع بلوغ الكمال، لأن الإبداع هو في الأصل ثورة روح في محاولة لبلوغ الكمال.
لا تنتظروا قرارات لجنة التحكيم ولا جوائز المهرجان، أي مهرجان كان، صدقوا قلوبكم فقط، هناك النجاح الحقيقي، المسرحي مكابر ومناضل بضاعته التحدي، وهامته لا تنحني من أجل الجوائز وأفعال التكريم، بل حينما يعجز عن الوقوف على الخشبة التي وهبها عشقه.
جائزتكم الحقيقية في الأكف التي صفقت لكم طويلا، هناك المركز الأول وحده، في العيون التي أبقيتموها تتابعكم، والأرواح التي حلقت بكلماتكم”.

 

محمد بن سيف الرحبي

http://www.shabiba.com/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *