المصداقية في العرض المسرحي – 1

لكي نحكم على قيمة أي عرض مسرحي عراقي او اجنبي لابد لنا أن نتلمس مقدار الصدقية او مدى الأحقية في أي عنصر من عناصر ذلك العرض. وهنا أقصد بالصدقية التبرير الحياتي او التبرير الفني لكل كلمة تقال ولكل حركة تنفذ ولكل خط وشكل وكتلة ولون وملمس وفراغ في الصورة المسرحية التي نشاهدها او في الحدث المسرحي الذي يفعله الممثلون بأدائهم الصوتي والجسماني وهم يرتدون ازياء معينة ويحيط بهم منظر معين وتسلط عليهم اضاءة معينة. واقصد بالتبرير الحياتي احتمالية الفعل او الحدث في الحياة اليومية وانعكاسها في فضاء المسرح . فالمادة المسرحية يقتبسها مؤلف المسرحية من المادة الحياتية ثم يأتي المخرج ليصوغها بالصيغة المسرحية المؤثرة في الجمهور والتي قد لا تكون المادة الحياتية تمر عابرة من غير تأثير او قد تكون لها تأثيرات مختلفة بالنسبة للشخوص العابرين. وتعتمد صياغة المخرج على التبرير الفني وهو كفنان لابد ان يضيف من ابداعه شيئاً الى كل عنصر من عناصر العرض.
العنصر الأول من عناصر العرض هو الشخصية المسرحية والتي يلتقطها مؤلف النص مما يمر به من شخصيات في حياته اليومية ويضيف لها من خياله شيئاً وعلى وفق رؤيته وفلسفته او قد يعّدل او يغيّر من صفاتها وفقاً لذلك، ويأتي المخرج ووفقاً لرؤيته وتبريره الفني يحدث عليها تغييرات او اضافات ليجعلها اكثر  تأثيراً في عقول ونفوس المتفرجين وبشرط ان لا تفقد اضافاته وتغيّراتها صدقية اقوال وافعال تلك الشخصية، بمعنى ان تكون الشخصية المسرحية المعروضة مقنعة لغالبية المتفرجين.وبحيث تكون أقوالها وأفعالها مناسبة لصفاتها . وفي مجال تمثيل الممثل للشخصية قد يستدعي التبرير الفني ان يبالغ الممثل في تعبيره الصوتي والجسماني الى الدرجة التي لا يكون فيها ذلك التعبير كاذباً او مصطنعاً ولايتناسب مع صفات الشخصية، ولكي يكون الممثل مقنعاً في ادائه لا بد ان يكون مؤمناً بالشخصية التي يمثلها متبنياً لصفاتها وافعالها واهدافها وعلاقاتها بالشخصيات الأخرى. وأضرب مثلاً على الاداء الصوتي الصادق والكاذب يدعمهما من تبرير فني، في ممثل يمثل شخصية تتحدث باللغة الفصحى واذا به في لحظة من لحظات العرض يتحدث بلغة عامية فلا بد ان يعطينا المخرج تبريراً حياتياً لمثل هذا التغيير في اللغة ونوعها ويكون عندئذ قد برره فنياً. اما اذا لم يكن هناك مثل هذا التبرير كأن يخاطب الممثل كشخصية مسرحية مجموعة من الناس البسطاء ،الذين لا يتعاملون باللغة الفصحى، بلغة عامية بعد ان كان يخاطب شخصيات من طبقته ومن حاملي ثقافته وعندئذ تكون اللغة العامية مبررة. ومن ناحية حركة الممثل على خشبة المسرح فان التبرير الفني لها لا يختلف الا قليلاً عن التبرير الحياتي . فالانسان يتحرك نتيجة لدافع يدفعه لذلك فعندما يعطش الانسان يدفعه العطش الى التوجه نحو مصدر الماء ليرتوي منه. وعندما يواجه الانسان خطرا معينا فانه يبتعد عنه بحركة معينة بجسمه وقد تكون حركة موضعية او حركة انتقالية. وقد يضيف المخرج بعض الحركات يؤديها الممثل قد لا يكون من ورائها دافع وانما هناك تبرير فني هو اضفاء الحيوية على المشهد المسرحي . اما اذا تحرك الممثل كثيراً او قليلاً ومن غير دافع او من غير مبرر فلن يكون صادقاً ومقنعاً في حركته. نعم جيب ان تكون جميع التعبيرات الجسمانية والصوتية للممثل في العرض المسرحي مبررة او منطقية اما حياتياً او فنياً وإلا فانها زائفة وغير مقنعة.

 

سامي عبد الحميد
http://www.almadapaper.net/

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *