ناصر عبد المنعم: لا بد أن يكون لدى المخرج رؤية للعالم واتصال بعصره / أحمد محمد الشريف

المصدر / مسرحنا / نشر محمد سامي موقع الخشبة

ما الساعة الأخيرة وما مدى أهميتها؟
هي الساعة الأخيرة في حياة الطيار الذي ألقى قنبلة هيروشيما، وهذه الساعة تعتبر درامية جدا، حيث طاقم الطائرة المكون من 12 فردا والذين قاموا بإلقاء أول قنبلة نووية في لم يكونوا

يدركون حجم الدمار الهائل الذي يمكن أن تسببه هذه القنبلة التي لم تجرب من قبل، وطبعا كانت النتيجة مروعة ومدمرة، مات سبعين ألف في اليوم الأول ومثلهم في اليوم التالي، بالإضافة إلى التشوهات التي لحقت بالأجيال التالية، جريمة مروعة بحق في حق الإنسانية، وما أعجبني في هذا النص هو أن الدراما تتناول صلة هؤلاء الطيارين بما كانوا يحملونه داخل الطائرة، وهذه الساعة الأخيرة في حياة قائد الطائرة ساعة مهمة جدا، حيث تنفتح فيها كل العوالم والذكريات وكل الشخوص التي مرت به وكل الوقائع التي حدثت في هذه المرحلة في نهاية الحرب العالمية الثانية والتي أجبرت اليابان على الاستسلام وكتبت بداية للتاريخ الحديث تكون فيه أمريكا قوى عظمى على النحو الحالي.
– لماذا تلك الساعة الآن رغم وجود أحداث حالية قد تكون أكثر إلحاحا لتسليط الضوء عليها؟
الاختيارات تخضع لمدى درامية الموضوع وإنسانيته، فالصراع داخل هذا ا لعرض صراع كلاسيكي مابين العاطفة والواجب، وهذا النوع من الصراع ليس له مكان وزمان، فهو يقدم في أي وقت ويعبر عن أزمة الإنسان القديم والحديث والمعاصر، إن الواجب يحتم فعل أشياء محددة على الأشخاص بحكم انتمائهم لأوطان ودول وأفكار، فتبنيهم لما يفيد هذه الأوطان يفرض عليهم واجبا محددا لا بد من تأديته، وهذا الواجب لو تناقض مع الإنسانية وتعارض مع الحالة التي كلنا نطمح إليها سوف ينشأ صراع فريد من نوعه، صراع قابل للتقديم في أي زمان وأي مكان ليس له موعد محدد وبالتالي فالاختيار ليس علاقة بالأوضاع السياسية، بل له صلة بجوهر الطبيعة الإنسانية، أي جوهر الإنسان وصراعه ما بين القلق الذي يعيشه أداء واجبه وعواطفه.
– هل يدق العرض جرس تنبيه لما قد يحدث الآن أو في المستقبل؟
نحن نتمنى عالما بدون حروب، توجد مقولة جميلة استعرتها وكتبتها في البانفليت، وهي أننا نحلم بيوم يأتي فيه طفل صغير إلى أمه ويسألها: أمي ماذا تعني كلمة حرب؟ نحن نتحدث أيضا عن حرب وأسلحة ومناطق نفوذ وعن رغبة في السيطرة على مصادر الثروة وتوزيع مناطق العالم وفقا للقوة والنفوذ والإرادة العليا للدول العظمى، كل هذا تعاني منه الإنسانية حتى هذه اللحظة وستظل تعاني منه، ولن ينتهي إلا بانتهاء الحروب، وانتهاء الحروب هذا حلم رومانسي، أي أنك تبحث عن يوتوبيا عالم خالٍ من الحروب والشر يعيش البشر فيه على اختلافهم في تآلف وتسامح، كل هذه أحلام لم ولن تنتهي.

– هل تعد العرض مرحلة انتقالية من الموضوعات ذات الخصوصية المحلية والتراثية والواقعية إلى الموضوعات الإنسانية؟
الاختيارات مهمة جدا لدى الفنان، في رأيي أن الإخراج ليس وظيفة، فالإخراج هم ورؤية لعالم، فالمخرج لا بد أن تكون لديه رؤية لهذا العالم وملتحق بعصره، يستطيع أن يرى أين مشكلاته ويستكشف الأزمات الإنسانية الموجودة، وبالتالي كلما كان الموضوع المقدم إنسانيا كلما تجاوز المكان والزمان، فيمكنك أن تقدم هذا العرض في أي منطقة في العالم، وسيشعر به الجميع لأن في كل مكان في العالم يوجد ضحايا للحروب وكثير عانوا من ويلاتها، وبالتالي الموضوعات التي تمس جوهر الإنسانية يكون لها مكانة أفضل إلى حد كبير.
– كيف تصورت التناول الشكلي لهذا الموضوع؟
الجديد دائما مطلوب، أحيانا تدور في جماليات مستهلكة وموضوعات مكررة، وكلما خرجت خارج الدوائر المكررة كان أفضل، ويترك الرصد للنقاد.لدينا موسيقى مسجلة تعبر عن التحولات الدرامية الموجودة وتراعي التوقيت الزمني، وتتناغم مع استخدام مادة فيلمية عن وقائع الحرب فالمعروض على الشاشة يساهم في أن يدخل المتفرج في الحالة، ثانيا يدرك كثير من المعلومات التي قد لا يكون على معرفة بها عن فترة الأربعينات والحرب العالمية الثانية وصراع القوى العظمى وإلى أين كان يتجه العالم وماذا حدث في التناقضات التي كانت موجودة وكيف تم حسمها، فكل هذه عناصر مساعدة، فكلما أوجدت عناصر تخدم الأفكار الموجودة كلما كان أفضل.
– هل إعادة صياغة التراث تمثل ضرورة اجتماعية الآن؟
يمكن رصد ثلاثة اتجاهات في التعامل مع التراث، الأول يعيد إنتاج التراث كما هو ويتعامل مع التراث بشكل متحفي، كشيء له قيمة متحفية وتاريخية وتراثية يجب الحفاظ عليها كما هي وبالتالي نقدمه كما هو، ويوجد اتجاه آخر يعلن القطيعة مع التراث ومع الجذور، بوصف هذا التراث مكبلا للشعوب ويجب التخلص منه والاتجاه لعصر آخر أو أفكار أخرى، والموقف الثالث والذي أؤمن به وأتبناه وهو الجدل مع التراث، فالتراث ليس كلا جميلا أو رائعا، التراث يحتوي على ما هو إيجابي وما هو سلبي، والإنسان المعاصر في تناوله لتراثه لا بد أن يدخل معه في حالة جدل، يكتشف ما ينفعه، لأن ما ينفعه يتجدد، كل الموروث الشعبي الذي نمارسه حتى الآن كشعوب هو الذي نفع الناس وهو الذي لبي احتياجات معينه للناس، وبالتالي فهو موجود، فالجدل مع التراث هو الذي أميل إليه أكثر ومعظم الأعمال التي قدمتها كان بها هذا الجدل لأن تقديم التراث كما هو ليس فنا ولا مسرحا بل هو مجرد طقس أو حالة طقسية ويمكن توثيق هذه الظواهر التراثية في متحف وليس داخل عمل فني. ومن ينادي بالقطيعة مع التراث اعترض عليه تماما لأنه لا يوجد أحد ينطلق من فراغ، فكلنا مشدودون لجذورنا وهويتنا، فكيف تنقلع من جذورك؟ فإذا انقلعت من جذورك وخرجت منها فرياح العولمة والتغيرات العالمية ستطيح بك ولن يكون لك وجود، أنت تريد أن تتشبث بجذورك وتنطلق منها، لكن في نفس الوقت لا تقدسها، بل تناقشها وتقيم معها جدلا.
– هذه العلاقة الجدلية هل تنتهي بحلول إيجابية؟
بالضبط، هنا فكرة مساءلة التراث، كيف تراه وتتعامل معه، فالسلبي منه تقوم بكشفه والإيجابي تؤكده، وفي النهاية المسرح يفجر أسئلة أكثر مما يقدم إجابات، لأن فكرة امتلاك العرض المسرحي لإجابات قاطعة ورؤية نافذة موضوع وهمي، لأن الفنان أصلا في حيرة، فأنت حين تقدم عرضا يكون أمامك أصواتا مختلفة يمكن أن تحتار بينها، ففي ما يتعلق بموضوع النوبة فالسد العالي مشروع قومي عملاق أنقذ مصر من الغرق، لكن على هامشه يوجد أناس أضيرت، فأنت دائما تتساءل أكثر مما تقدم إجابات جاهزة، وفكرة طرح التساؤلات تجعل المتفرج متفاعل أكثر ويبحث عن إجابات لهذه الأسئلة.
– إذن لماذا يبتعد كثير من المخرجين عن الموضوعات التراثية؟
التراث يكمن في داخلنا ومتجدد، فلدينا ممارسات موروثة من سبعة آلاف سنة، وفريدة. فالشعب المصري هضم حضارات مختلفة ونسج منها شيء يخصه هو، وهذه عبقرية الشعب المصري، فالموروث موجود ويجب التعامل معه دائما، ليس صحيحا أن نتجاهله.
– توجد فكرة أخرى تنادي بأن يبدأ التجريب من التراث..
أؤيد هذا تماما، وعرض الطوق والإسورة الذي فاز في الدورة الثامنة للمهرجان التجريبي سنة 1996، كان به تجريبا على التراث من خلال تناول حالة تراثية بشكل تجريبي، هنا نبتعد عن الشكل المتحفي، تقوم بدمج رؤى معاصرة وتستفيد من التقنيات الحديثة عند تناول الموضوع التراثي، فيكون متجددا وموجودا بقوة.
– أين نحن من مسرح الإبهار البصري والصورة؟
مسارحنا في حالة يرثى لها من ناحية التجهيزات التقنية، نحن نعمل بأجهزة وخشبات مسارح متهالكة وعفا عليها الزمن، وبالتالي فالمنافسة غير واردة، نحن ما زلنا نحاول أن نركز على الموضوع وفن الممثل، فلم ندخل مثلا في المسرح الرقمي، العالم كله الآن يتجه لاستخدام المسرح الرقمي والفنون الرقمية، التي تقوم على الديجيتال والهاي تكنولوجي داخا العروض المسرحية، نحن خارج هذا الإطار تماما ولا يمكن أن نلحق به إلا عندما توجد إرادة حقيقية لدى الدولة لأن توجد مسارح حقيقية مجهزة على أعلى مستوى كي تصل بنا لهذا التنافس.
– هل يمكن أن يكون المسرح التفاعلي هو الحل كي نصل إلى جمهور حقيقي في ظل أزمة الحضور الجماهيري الآن؟
طبعا هذا مهم جدا. فالخروج للفضاءات المفتوحة وأماكن وجود الجمهور لا بد منه، اليوم تقليد الفرجة المسرحية غير موجود مثلما كان في الستينات، في طفولتنا كانت أسرنا يأخذوننا للمسرح في تقليد متبع دائما، كانت أسرتي تصحبني لمسرح البالون، والمسرح كان موجودا في قاموس أسر الطبقة الوسطى، أما اليوم فيصعب أن تجد هذا، أن تصحب أسر الطبقة الوسطى أطفالها لتعرفهم أنه يوجد مسرح وموسيقى وأوبريتات وأنواع مختلفة من الفنون وهكذا، يمكن أن يكون هذا نتيجة عناصر ثقافية وعوامل اقتصادية كثيرة، لكن غاب الجمهور الذي يتوجه إلى المسارح فالخروج حيث يوجد الجمهور يحل جزءا كبيرا من الأزمة، لدينا مسرح تفاعلي في عروض الشارع لكنه تفاعل بين الممثل وبين المتلقي، شاهدت في مهرجان شرم الشيخ عروضا بها تفاعل جيد خصوصا التي قدمت في فضاءات مفتوحة، لكن هذا أيضا بعيد عن استخدام التكنولوجيا ويعتمد على علاقة الممثل بالجمهور. كانت هناك عروض على الشاطئ وفي الأسواق رائعة جدا وكان بها تفاعل كبيرا لأنك ذهبت إلى جمهورك، وهذا في رأيي نوع مهم جدا من أنواع المسرح.
– كيف ترى ما يثار حول حرية الفن والإبداع وخاصة في المسرح؟
المسرح شرطه الحرية، وازدهار المسرح يأتي في فترات الحرية، فالقمع والمصادرة لا ينتج مسرحا جيدا، وأنا شخصيا عندما حدثت واقعة نادي الصيد وقعت على البيان الذي يناشد الدولة بأن تفرج عن هؤلاء الشباب، أنا لم أشاهد العرض ولا أعرف التفاصيل فيما حدث، لكن أنا ضد مبدأ حبس فريق مسرحي، أن يطاح بفرقة مسرحية لأنها قدمت عرضا فهذا لا يجوز، وشيء مخيف للمستقبل، مخيف للشباب: كيف يبدؤون حياتهم وكيف يعملون؟ هذا تكبيل مرفوض للحريات، ولدينا دستور يعطينا حرية التعبير والإبداع وبالتالي لا بد أن نحافظ على هذا الدستور وهذه القيمة. وكذلك عروض الجامعة التي يتم إلغائها ليس من حق مسئولي الجامعات ذلك، فأنا ضد هذا تماما، ضد إلغاء عرض مسرحي وضد حبس مسرحيين وسأظل أنادي طوال عمري ما حييت بأن لا يحبس إنسان مبدع، ولدينا قنوات أخرى غير الحبس والمصادرة.

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *