المصدر / الحوار المتمدن / نشر محمد سامي موقع الخشبة
وقد بدا واضحاً أن الشعوب على إختلاف بنيتها الإجتماعية وسلوكها الثقافي، إلا أنها تتشارك في الكثير من المضامين الفكرية الأمر الذي جعل من مقترحاتها النصية متقاربة على مستوى التشارك في الخطاب المسرحي، كما في مسرحية (فُلانة) تأليف ( هوشنك وزيري) إخراج (حاتم عودة ) تمثيل ( بشرى إسماعيل ، آلاء نجم ، باسل الشبيب ، عمر ضياء الدين ، نريمان القيسي) إضاءة (علي السوداني ) والتي قدمت مؤخراً في منتدى المسرح .
الدلالة الذكورية في النص الدرامي:
بدا واضحاً حضور الهيمنة الذكورية في ثنايا نص المؤلف (هوشنك وزيري) إبتداءاً من العنوان الذي إختار له توصيف ينتمي إلى (المؤنث / المجهول) رافضاً تعريف (الأنثى) ومنحها معنى معرفاً يضفي عليها صفة انثوية دالة، ويأتي إختيار العنوان ضمن قصدية بدت حاضرة في داخل المتن النصي في مواضع مختلفة تعيد إلى ذاكرة المتلقي أن يكون ذلك الحضور المهيمن للذكر على الأنثى ضمن سياق إجتماعي توالدي إعتمد فيه المؤلف على بنية دائرية هي الأقرب إلى بنية مسرح (اللامعقول) في توالد المضامين والعودة إلى بداية يمكن لها أن تسهم في توليد مضامين جديدة، وقد بدا ذلك حاضراً في شخصية (فُلانة / الأم) التي إختار الأب تغييب إسمها، ليتم بعدها تحويل فعل التجهيل الذكوري إلى (فُلانة/ البنت ) أو (فُلانة / البنات السبعة) ذلك الزخم الانثوي في فضاء النص لم يسهم في تغيير نظام الأب وسلطته المستمرة في تجهل ( الأنثى / فُلانة)، بل على العكس من ذلك فإن نظام التحول كان حاضراً في فضاء الأنثى التي إختار المؤلف أن تكون مستلبة غير قادرة على مواجهة تلك السلطة القهرية، التي تحولت بفعل السيطرة الذكورية من الأب المهيمن إلى الزوج الذي كثيراً ماكانت (فُلانة) تشير إلى أنها في كثير من الأحيان “تعتقد أن زوجها هو أبوها ” لما يحتكم عليه من سلطة قهرية شكلت بقسوتها ذاكرة (فُلانة/ المرأة)، وقد إختار المؤلف العمل على تداخل السلطة بين الأب والزوج من اجل تفعيل السلطة الذكورية داخل (البيت / المجتمع)، حتى وإن كان (الذكر) عاجزاً إلا أن سلطته تظل حاضرة ومهيمنة على (الأنثى)، وقد بدا واضحاً أن المؤلف مولع بفكرة السلطة والهيمنة الذكورية، إذ أن المؤلف لم يكتفي من التعبير عن تلك الفكرة في نص سابق له بعنوان ( إستيلاء) الذي قدمه إلى خشبة المسرح المخرج (إبراهيم حنون)، على الرغم من أن نص (إستيلاء) يذهب بشكل السلطة وتمثلها في المرأة التي تحول بفعل الهيمنة الذكورية إلى إكتساب سلوك (الذكر) والإطاحة بالأنثى، أما في (فُلانة) فنراه يعمل على إبقاء (الأنثى) مجهولة خالية من الملامح من دون أن يلبسها ثياب (الذكر/ الأب / الزوج) وهي فكرة تبدو محايثة لمقترحات المسرح النسوي التي تنادي بالخلاص من الهيمنة الذكورية.
الرؤية الإخراجية في فضاء منتدى المسرح :
يثير المكان المعماري المتشكل في مبنى (منتدى المسرح) حضور طاغياً ومقترحاً جمالياً لصياغة الرؤى الإخراجي، وقد إختار المخرج (حاتم عودة) إعادة تشكيل المعمار المكاني والعمل على بناء فضاء درامي ينسجم مع مقترحاته الإخراجية عن طريق تحويل (معمار المنتدى) إلى فضاء مسرحي هو الأقرب إلى مسرح العلبة الإيطالي مستفيداً من تأسيس علاقة مع الملتقي .
إن إختيار التواصل مع المتلقي بالصيغة التي تبناها المخرج يفرض عليه تأسيس رؤية إخراجية تنسجم مع تلك العلاقة، إذ نراه يعمد إلى بناء منظومته البصرية التي إعتمدت على نحو أساس على التحولات البصرية عن طريق (الإضاءة) من دون أن يتنبه إلى أن هذه المنظومة لاتنسجم مع فعل التواصل مع المتلقي ، إذ أن الإشتغال البصري به حاجة إلى مسافة بين المتلقي والعرض من اجل التعبير عن المقترح البصري الذي فقد الكثير من جماليته التي عمل المخرج مع مصمم الإضاءة (علي السوداني) على تأسيسها ، فضلا عن ذلك فإن الإعتماد على (المايكات) داخل فضاء بحجم (منتدى المسرح) لم تكن ضرورية سواء على مستوى الصوتي أو على مستوى المعالجة الإخراجية ، إذا ما إتفقنا مع المخرج في أن الأحداث الدرامية تقع في داخل (بيت) إذ بدت هذه المفردات دخيلة على فضاء العرض ، كذلك هو الحال مع مفردات مثل (الطبول) التي لم يكن حضورها منسجماً مع هيمنة السلطة الذكورية التي عمل المخرج على الكشف عنها على نحو مثير للإهتمام ، كما إن وجود (الطبول) في فضاء العرض بدا متقاطعا مع مفردات اخرى منها ( سجادة الصلاة) لاسيما وأن المخرج إعتمد على (سجادة الصلاة) في مشاهد عدة أسهمت في إنتاج دلالات عميقة جاءت منسجمة مع (سلطة الأب) المهيمن على فضاء العرض، الذي تحول في مواضع مختلفة إلى فضاء إجتماعي تم فيه تغييب الحريات الشخصية وفرض السلطة الدينية على أفراده .
ذاكرة السلطة في أداء الممثل المسرحي :
أختار المخرج بناء نظام للأداء التمثيلي يعتمد على نحو أساس على إيقاع متشابه يبدو للوهلة الأولى رتيباً إلا أن صعوبة الحفاظ على الشكل الأدائي دفع بالمتلقي إلى التواصل مع المنظومة التي بدت منسجمة مع فكرة العرض ، إذ بدت إنفعالات الشخصيات منضبطة في مواضع عدة وإن إختلفت أسباب الإنضباط ، ذلك أن سلوك شخصية (الأب) التي جسدها (باسل الشبيب) إعتمد على توظيف الصمت على نحو فاعل ومهيمن أسهم على نحو واضح في الكشف عن (سلطة الأب) من جهة أخرى فإن تعبيراته الادائية التي جاءت للتعبير عن حالة شعورية منكسرة تتمثل في عدم قدرته على إنجاب (الولد / الذكر) الذي يعد بالنسبة لعقله الذكوري إمتداداً للسلطة التي يطمح إلى ديمومتها داخل (البيت / المجتمع) ، الامر الذي دفع بالأداء إلى مناطق عميقة أسهمت في الكشف عن الجبل الجليدي الذي يظهر القليل منه في الملفوظ النصي تعبيراً عن سخطته وعجزه في تغيير حالة البيت الأنثوية ، إذ يتم التاكيد بين حين وآخر على حضور (سبع نساء) على الرغم من ان المخرج إختزلهن في ثلاثة فقط من دون أن ندرك السبب وراء ذلك، من جهة اخرى فقد جاء سلوك شخصية ( الأم ) التي جسدتها ( بشرى إسماعيل) بوصفه تعبيراً واضحاً عن (الأنثى الخاضعة) والمستسلمة لسلطة (الزوج) لما يمثله من حضور في ذاكرتها التي تختزن بدورها صورة مهيمنة لسلطة (الأب) الذي صار (زوجاً) بصيغة أخرى لتتحول من (فُلانة / الأبنة) إلى (فُلانة/ الزوجة) في متوالية للهيمنة الذكورية أحكمت من خلالها الضبط الادائي ، ولم تكن شخصية (البنت ) التي جسدتها ( ألاء نجم) بمعزل عن سلوك (الام ) إلا أنها أفادت كثير من تنوع التعبير بوصفها (بنتاً ) خاضعة لسلطة (الأب) من جهة وبوصفها (زوجة) خاضعة لسلطة (الزوج) من جهة اخرى ، إذ شكل (حضور / غياب) الزوج ذاكرة في نظام الاداء دفع بها إلى التعبير عن الخوف من (حضور الأب / السلطة) و ( غياب / الزوج السلطة) وقد أسهم ذلك في خلق سلوك ادائي تمثل في مشاهد عدة إعتمدت فيه على فكرة ( الستر) التي يقابها مبدأ (الفضيحة) التي دفعت بها إلى (سحب الثوب ) لتغطية جسدها ، حتى تحول إلى سلوك دائم للشخصية، وعلى الرغم من وجود شخصيات أخرى في فضاء العرض إلا أن المخرج لم يعمد إلى تفعليها ، ولاسيما مع وجود الممثل ( عمر ضياء الدين ) الذي لم يكن المخرج موفقاً في حضوره الذي إقتصر على الحركة التي تمثلت فكرتها في مواضع كثيرة من سلوك (الأب) ، ولا يتبقى إلا تفعيل فكرة تمثلت في أن شخصية (عمر ضياء الدين ) هي ذاكرة المستقبل، والتي إكتسبت فكرتها عن طريق الأزياء المعاصرة والدالة على حياة مستقبلية، إلا أن المخرج لم يعمد إلى تفعيلها ضمن مقترحات ادائية تحيل المتلقي إلى تلك الفكرة.
كذلك هو الحال بالنسبة للممثلة (نريمان القيسي) التي إختار المخرج أزياءها لتكون مقاربة لأزياء (عمر ضياء الدين) لتكون تعبيراً عن الزمن المستقبلي ، لاسيما وانها لم تكن فاعلة في التعبير عن الزمن الماضي أو الحاضر ، ربما أراد المخرج الإشارة إلى حضورها في المستقبل ، إلا أنه لم يعمل على تفعيل السلوك الادائي لتأكيد الإنتماء إلى المستقبل وأن لايكتفي بماتوفره الأزياء من دلالة .
فضلا عن ذلك فقد عمد المخرج إلى توظيف علامة دالة على حركة الزمن في فضاء الاداء التمثيلي ، إذ بدا واضحاً السلوك التعبيري للممثلين في مشاهد عدة متمماً للتعبير عن الزمن عن طريق (تعبير رقاص الساعة) الذي تناوب الممثلون على تجسيده بحسب الحالة الادائية لكل شخصية ، الأمر الذي يحسب للمخرج دخول ذلك السلوك في منظومة العرض وخلق حالة من الإنسجام الادائي .