عصام محفوظ وسؤال المسرح العربي

ضحى عبدالرؤوف  – المدى – مجلة الفنون المسرحية

 

ما استقرت الشخصية اللبنانية في مسرح “عصام محفوظ ” إلا من خلال الموروثات البيئية التي نسجها تبعاً للحالة الشعورية النابعة من الذات، والمثيرة للمفاهيم المسرحية التي قدمها من خلال كتابه “سيناريو المسرح العربي في مئة عام ” عن “دار نلسن” وهو مختارات” من كتابين ، أولهما بعنوان سيناريو المسرح العربي “، والثاني بعنوان المسرحي والمسرح” وقد تضمن مدخل الكتاب العودة الى بداية القرن العشرين، والمسرح المعروف انذاك مثل خيال الظل والقراقوز وصندوق الفرجة ” إضافة الى الفن الشعبي العربي الوحيد في هذا المجال المجسد في الحكواتية ” مع أبراز عدة جوانب لماهية هذا المسرح معتبراً” أن الحكواتية هي التعبير الأولي للشكل المسرحي” كما انتشر فن الدمى، وهنا أعود بالذاكرة الى القباني في الشام وجعفر لقلق زادة وابن الحجامة في العراق في القرن التاسع عشر، وهو عوضاً عن السينما والتلفاز يجلسون في المقاهي على المنابر يقرأون قصص أبو زيد الهلالي والسيرة الهلالية، وهم يماشقون سيوفهم يمثلون البطولة عند القراءة مثل صبري قباني وابن الحجامة 1875 . هكذا كانت أوليات العروض حتى دخل نابليون مصر فجاء بالاوبرا ورافيل والمسرح، ومسرح الدمى وخيال الظل الفنون التي تكلم عنها “عصام محفوظ” في كتاب سيناريو المسرح العربي في مئة عام والانغراس في الواقع الشعبي العربي من خلال عدة نصوص مسرحية قدمها محفوظ “بأسلوب العرض الوثائقي من خلال نقولا نقاش والرحالة الانكليزي” دافيد اركهارت ” وهكذا فالكتاب رحلة في المسارح العربية ونشأتها وبداياتها. لتستوقفنا عدة مسرحيات لنقولا نقاش مفصلاً الكثير من الاساليب التي اعتمدها النقاش في لغة المسرح التي ابهرته منذ عرفها 1846 عند سفره ايطاليا وبوصف”لهذه البداية على لسان شاهد ثاني” وهذا انما يدل على تأثر “عصام محفوظ” بمسرح النقاش مع الاهتمام بالشخصية اللبنانية .

يثير “عصام محفوظ ” في كتابه سيناريو المسرح العربي في مئة عام شجون الشخصية اللبنانية التي انهكتها الروايات الافرنجية على لسان سمعان الشخصية التي تحدثت في مشاهد مسرحيته الأخيرة “وتلك جرأة الفنان أمام التحدي التاريخي الذي يقوم به بصرف النظر عن نتائج هذا التحدي” فالمسرح الذي انتقل مع النقاش الى بلادنا بقوة الأمل في خلق الفن الممتلىء بالمادة الحيوية او الرواية المترجمة كالعائدة المترجمة عن الايطالية عادت لتشعر النقاش باليأس فقال ” إن دوام هذا الفن في بلادنا أمر بعيد” ربما لأن فصاحة الالفاظ في المسرح لم تكن تستساغ آنذاك ، فالمسرح العربي بعد ذلك دام وتوسع وانتشر وصار جامعات واكاديميات ، والقفزة المسرحية التي بدأت في الماضي وصلت الى المستقبل الذي كان يجهله النقاش وأدركه العصر أو تحول عبر الزمن الى عدة مدارس كان هو من اضاء مشعله . 

برزت الشخصية العربية الأجمل في نعوم وصفصف ومسرح صنوع الشعبي، وما بين تغريب وتعريب ومسرح موليير وغيره، ولدت الشخصية العربية مترنحة مع ما رافقها من نقد مسرحي من خلال ” الناقد المسرحي العربي الاول سليم البستاني “وان كنت لاستغرب الاقتياسات عن الكثير من الروايات مثل اقتباسات عن رواية “هوراس لكورني ” اضافة الى تلحين العمل المسرحي أو تطعيم العمل الشعري على المسرح. إضافة الى ندرة وجود الممثلة المسرحية انذاك والمشكلات التي واجهت المؤلف والمخرج ، والقائم على الاعمال المسرحية ونخبة نتاجها، وبهذا ندرك من خلال هذا الكلام إن الكثير من الصعوبات واجهت المسرح العربي أو بالاحرى إن صح القول المستعرب بتحديث تدرجي وفق الازمنة التي انتقل منها ، كما في الفصل الخامس من هذا الكتاب الذي يحمل الصورة التوصيفية للمسرح الذي اعجب به “عصام محفوظ” وتناقض معه وكأنه مر بمراحل من التذبذب . وربما هذا دفعني للقول ان المسرح الفينيقي في لبنان وتدمر وفي بابل أقدم من المسرح الاوروبي والاغريقي ، فالمسرح هو ساحة العرض والمدرجات هي اكبر دليل على ذلك ، ولم يخلف تاريخنا مسرحية عدا كلكامش ، فالمسرحية هي تراث الغرب ويبدو إن ما كنا نقوم به هو محاولات مسرحية نصوصها مترجمة الى العربية . 

في الفصل السادس برزت كلمة المشخصين، وربما لإبراز قيمة التقمص والسعي لفهم الشخصية بعد تمرس طويل في الاداء المسرحي. اذ لا يوجد في الحياة شخصين متشابهين، فكيف في الاداء المسرحي أو تحديداً في التشخيص المسرحي خاصة في مسرحية هاملت وبنقد اختصره عصام محفوظ بقوله” وتصرف انطانيوس عبده في الترجمة هو مثال لما كان يحدث في غالبية الترجمات في الفترة ما بين ولادة المسرح العربي على يد مارون النقاش وولادة الوعي العصري للتأليف المحلي على يد فرح انطون” فالوعي العصري هو سمة ذات دوافع توضح الافكار والمشاعر والهموم التي تنازع هواجسها “عصام محفوظ” مع سيناريو المسرح العربي في مئة عام والذي يمكن تقديمه على المسرح حاليا بتحديث لأزمنة ترسم مجد المسرح العربي قديماً، أوالمسرح الاوروبي المترجم برواياته على الخشبات المسرحية إن صح التعبير، والمسرح العربي الحالي والينبوع الذي نهل منه قبل قرون مضت.

مسيرة لمسرح عربي في سيناريو هو لمسرحية واحدة تضم تاريخ المسرح العربي في مئة عام هي مؤسسة له من كل النواحي التراجيدية والكوميدية والشعرية، ومن يوسف وهبي لعلي الكسار ونجيب الريحاني ” وكذلك المسرحية الشعرية التي كانت قد بلغت ذروة تقنيتها الغنائية مع أحمد شوقي ثم عزيز أباظة وأحمد باكثير وغيرهم” فأين المسرح الهزلي؟ ومتى بدأ ؟ وكيف كانت عروضه وعلى ماذا اعتمد الريحاني الأكثر إطلاعاً على المسرح العربي؟ 

نمى المسرح الحقيقي بعد الحربين بشكل مؤثر، وظهرت مدارس عدة العلمية والمنهجية خلال القرن الماضي حصراً، فالاوروبيون رسموا انطباعياً العصر العربي من القرن السابع عشر، وهذا يضعنا أمام تساؤلات من نحن في المسرح العربي ولمن ننتمي ؟

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *