حب بالإكراه فى «حادثة» لينين الرملى / هند سلامة

المصدر / محمد سامي موقع الخشبة

اعتدنا على تناول العلاقات الإنسانية وتحديدًا علاقة الحب بين الرجل والمرأة فى قالب درامى متكرر وتقليدى خاصة فى ممارسة أساليب العنف والقهر ضدها بالمجتمعات الشرقية، بينما فى مسرحية «الحادثة» للمؤلف لينين الرملى تناول هذا الشكل من العلاقات المريضة فى قالب مسرحى نادر وفريد، يحمل إسقاطًا شديدًا وسخرية لاذعة ممزوجة بالألم أكثر من اعتماده على سرد تفاصيل واقعية لشكل هذه العلاقة.

 الخطف بدافع الحب..!
قالب جديد وتناول شديد السخرية والاختلاف لهذه العلاقة الإنسانية التى لازالت شائكة، ففى وقائع حب بالإكراه تدور أحداث مسرحية «الحادثة» بقاعة مسرح الغد، التى سبق وأن قدمها الفنان أشرف عبد الباقى مع عبلة كامل وإخراج عصام السيد، واليوم يعيد تقديمها برؤية مغايرة إخراجيًا المخرج المسرحى عمرو حسان، فمن خلال مجموعة من المواقف الكوميدية تدور أحداث المسرحية داخل شقة صغيرة، تكتشف موظفة فقيرة أنه تم اختطافها بدافع الحب، فجأة تستيقظ من حالة التخدير على واقع مؤلم ومرير لتكتشف حبسها داخل منزل مهجور من قبل شاب يدعى عاصم والذى يؤكد لها أنه يهيم بها ويعشقها وسيبذل جهدًا كبيرًا من أجل إسعادها يحاول طوال العرض أن يدفعها إلى حبه كما يحبها بلا مبرر؛ فى البداية ترفض وبشدة وتحاول الهرب لكنها تكتشف أن الباب مغلقًا ولن يجيرها أحد.
حب التملك بالعزلة!
تتوالى أحداث العرض ونكتشف أن هذا الشاب مريض نفسى يعانى أحيانًا من حالة فصام، ومريض الفصام يعانى من الوُهام والهلوسة ويتصف غالبًا بالغرابة ويكون ذا طبيعة اضطهادية كلامه وتفكيره مضطرب يفقد تتابع الأفكار وضعف ترابط الجمل من حيث المعنى والاسترسال بكلام غير مفهوم ومن أعراضه أيضًا العزلة والانسحاب الاجتماعى كما حدث مع بطل رواية الحادثة، فبطل هذه الرواية رجل مختل يعيش فى منزل متطرف مسكون بالأشباح ويتصور أشياء غير حقيقية قد يتحدث إلى نفسه معظم الوقت، لا يستقر على حال فهو أحيانًا يبدو قاسيًا وعنيدًا وغالبًا يبدو رقيقًا وضعيفًا كطفل صغير، ربما أراد الرملى أن يكون بطل مسرحيته مختل عقليًا، فهذا هو حال الكثير من الرجال بالمجتمعات الشرقية قد يبدو على معظمهم العقل والرزانة لكنهم فى واقع الأمر يظهرون بمظهرهم الحقيقى بمجرد أن يغلق عليه بابًا مع زوجته أو حبيبته، وقتها تستيقظ الأمراض بداخله ويرتكب أفعالًا غير إنسانية وغير لائقة بدافع الحب والغيرة مثلما فعل بطل المسرحية، لخص الكاتب مجمل عقد الرجال فى حب التملك والتسلط التى يعانى منها أغلبهم فى مرض هذا الرجل وإصابته بالازدواجية فى رغبته بامتلاك هذه السيدة وفرض سيطرته وقوانينه عليها داخل هذا الجحر الصغير البعيد عن البشر، لأنه يحبها حبًا شديدًا فلا يطيق أن ينازعها فيه أحد.

الاستسلام للحبس والمرض
لكن ماذا فعلت هذه المرأة هل أحبته كما أراد؟!، بالتأكيد هى لم تقع فى حبه حتى وإن حدثت نفسها بذلك فى أحد مونولجات العرض، لكنها اعتادت وجوده بحياتها وألفت تملكه لها، فحاولت الهرب مرارًا وتكرارًا وفشلت، مثلت عليه الحب بالإذعان إلى أوامره ولم تفلح أيضًا فى الهروب، وفى نهاية مأساوية محتومة لهذه العلاقة المريضة، نكتشف أن نفس السيدة عندما استطاعت الحصول على المفتاح الذى سيحررها من سجنها  تخشى الخروج وتتردد فى الهروب وتقف حائرة هل تخرج أم تنتظر قدومه، فقد يحنو عليها ويتركها دون أن يؤذيها كما تخيلت ثم تظل فى هذه الحيرة حتى يعود إليها من جديد؛ لكن هذه المرة تلقى بالمفتاح من النافذة وتعلن أنها قررت حبسه معها داخل المكان المهجور المسكون بالأشباح إلى الأبد، فتتحول هذه السيدة أيضًا إلى مريضة تألف وتعتاد الحبس والإهانة؛ ترضى هى بالحبس معه، بينما هو يصرخ مستجيرًا لعل أحدًا ينقذه من هذا السجن..!

الاستمرار بدافع المرض..!
قدر كبير من العمق والفلسفة فى تناول الجرائم التى قد ترتكب فى حق المرأة باسم الحب، تحت مظلته يفعل الرجل ما يشاء وبالتالى ظلت المرأة بالشعوب العربية رهينة الأسر والحبس، حتى وإن تمكنت من الحصول على مفتاح حريتها تفضل الظلمة على الخروج للنور، فأراد الكاتب الإشارة إلى هذا المعنى بأنها مجرد علاقة مريضة بين اثنين دفعهما المرض للبقاء معا وليس الحب؛ لعبت شخصية الفتاة المقهورة أو المخطوفة ياسمين سمير والتى تفوقت فى تقديم هذه الشخصية بقدر كبير فى تحولها بالتدريج من فتاة مغلوبة على أمرها إلى أخرى قوية وصاحبة حيل ودهاء كى تنجو بنفسها من هذا الرجل ثم استسلامها فى النهاية وإصابتها بنفس أعراض الهلوسة لخاطفها بعد أن قررت حبسه معها، تمتعت ياسمين بحضور كبير فى أداء هذه الشخصية سواء على مستوى التمثيل أو الأداء الحركى أو الأداء الكوميدى فلم تؤد فقط دورها كممثلة مواقف تراجيدية بل استطاعت وبمهارة بالغة تأدية دورها ككوميديانة خفيفة الظل والحركة معًا؛ وكذلك بطل العرض مصطفى منصور الذى أدى دوره ما بين حالات الاستقرار والاضطراب النفسى بمهارة واحتراف وانتقل بين الشخصيتن بسلاسة شديدة فكانت بينهما مباراة تمثيلية ودية ممتعة تميز فيها بطلا العرض برغم صعوبة التمثيل بقاعة مسرح الغد لأنها قاعة صغيرة، يقع عبء التمثيل فيها عليهما فقط؛ وأحيانًا على الفتاة بمفردها لكنهما فاقا التوقعات سواء بالمشاهد الفردية أو بمشاهدهما معًا واستطاعا انتزاع الضحك من الجمهور ومس مشاعره بانسجامهما تمثيليًا حتى فى أوقات الخلاف، وكذلك كان لدخول الأشباح فى أكثر من موضع تحقيقًا كبيرًا لمعايشة الجمهور بهذا المنزل المسكون بالأشباح والذين بدوا من هيئتهم أشباحًا بالفعل حيث تفوق صانع المكياج ومصمم الحركة فى تحويلهم إلى أشباح حقيقية مثيرة للخوف والاشمئزاز، ثم ظهور شخصية الفتاة اللعوب التى جاء بها عاصم كى يثير غيرة منى عليه لعبتها بمهارة أيضًا ريهام أبو بكر، وبرغم من تقديم هذا النص أكثر من مرة فى أكثر من موضع وأشهرها مسرحية أشرف عبد الباقى «الحادثة المجنونة» إلا أن «حادثة» حسان لم تشبه حادثة أخرى بل تشبه نفسها فقط..!، شارك فى بطولة العرض فتحى الجارحي، إسلام بشبيشي، مجدى طلبة، عمرو أحمد، عمر أحمد، محمد شوقي، حسام بوريو ديكور محمد فتحي، إضاءة عز حلمي، تعبير حركى محمد على بكر، ملابس أحمد فرج، مكياج إسلام عباس.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *