اثر الحركة الفعلية كقيمة تشكيلية على الصورة المرئية فى العروض المسرحية المعاصرة / محمود صدقى

كان للتطور التكنولوجى وظهور النظريات العلمية الحديثة مثل تحليل الضوء  وقوانين الحركة لنيوتن والنظرية النسبية لأينشتين تأثيرهم  الكبير على وعى وتحرر فكر الفنان وخاصةً مبدعو الصور المرئية في العرض المسرحي .
وعليه فقد إختلفت النظرة إلى صياغة وتشكيل الفضاء المسرحى بناءاَ على المعطيات والأفكار الجديدة ومنها علوم الحركة since movement، والتي تعنى بتغيير الجسم – الحجم، الكتلة، وغيرهم -في المستوى أو الفراغ من مكانٍ لآخر بفعل قوة خارجية أو داخلية خلال فترة زمنيه محددة.
سواء كانت تلك الحركة ذهنية تعتمد على إيهام العقل مثل الفن البصرى أوب اًرت optical art  وهو فن خداع العين ، كذلك الفن المتحرك  art mobile   والفن الحركىkinetic art  وغيره من الأنواع الفنية للحركة .2
فقد ظهر منذ اَواخر القرن العشرين عروضاً مسرحية عديدة إعتمدت فى تشكيل صورتها المرئية على الحركة الفعلية والايهامية .كمكون رئيسى  فى التشكيل المرئى ، ولتحقيق أهداف جمالية ودلالية و درامية .
حيث مر الفن الحركى بسلسلة من التطورات ، وكانت له مصطلحات كثيرة، وقد أخذ يتطور ويتغيرعلى أيدى مجموعة من الفنانين الذين أخذوا على عاتقهم إعتناق هذا الفكر الجديد ، حتى أصبح الفن الحركى مدرسة مستقلة بذاتها ، لها قواعدها وأسسها فى الستينيات من القرن العشرين، و أصبح لها مفاهيم ومصطلحات دقيقة وهى  الفن الحركى (kinatek art)
إن كلمة kinatek  مشتقة من الكلمة اليونانية kinema  وتعنى “ الحركة وهى علم دراسة الحركة بغض النظر عن المسبب لها  “ 1.
و هو يعنى بالفن الذى يشتمل على الحركة الفعلية ، او الظاهرة . وقد إرتبط هذا الفن بالعديد من الظواهر منها الحركة السينمائية وأشكال الرسوم المتحركة ،وتطبق الحركة الفعلية فى الفن من خلال محركات كهربائية ،او بواسطة تيارات الهواء مثل اعمال الفنان كالدرcalder *. وهناك تعريف آخر حيث أستخدم هذا المصطلح للمرة الأولى في “ البيان الواقعى لجابو cabo *و بفسنرPevsner **1920 ؛ إلا أن عبارة الفن الحركى لم تصبح متداولة على نطاق واسع ، ولم تدخل فى قاموس مؤرخى الفن والنقاد إلا فى عام 1960”1
ويهدف هذا الفن الى صياغة فنية ذات أبعاد ثلاثة ؛ من خامات مختلفة تتحرك فى الفضاء ، وهى معلقة  ، أو توضع على قواعد خاصة بحيث تظهر معالمها وأبعادها فى كل الاتجاهات ، وقد نادى المنتمون للحركة بانهم لا يريدون فنا جامدا ثابتا فاقدا للحركة وكما كان فى الماضى _ ولكنهم _ يريدون فنا متحركا ليعطى إيحاءات وفراغات وسطوح وإيقاعات حركية دينماكية . 3
و إدخال الزمن كبعد رابع  (fourth dimension ) فى الشكل ثلاثى وهو محاولة تحقيق الزمن المكانى – آى الزمان والمكان معاً – وهو فكرة فى علم الفيزياء مؤداها أن الزمن والمكان متصلان، بعكس نظرية نيوتن إن الزمن والمكان مطلقان،وإنهما حقيقتان منفصلتان ، كما أن اينشتاين فى النظرية النسبية قد عرف الكون على أنه فراغ ذو أربعة إبعاد من خلال ثلاثة إحداثيات هم مكان وزمان الإحداثى الرابع هو الحركة .2
وبذلك قد إختلفت مفاهيم الحركة كنتيجة للأفكارالعلمية منذ النصف الثانى من القرن العشرين ، فى المجالات العديدة ومنها الفنون البصرية  . كما ظهرت فى بعض الإتجاهات التشكيلية وفى الرؤى التشكيلية داخل العرض،المسرحى سواء كانت حركة فعلية ، او حركة إيهامية ضمنية من خلال مكونات المناظر.
وعليه فإن الحركة فى العرض المسرحى قد سعى العديد من السينوغرافيين ، ومصممي الديكور ومعمارى المسرح لتحقيق تلك الحركة الفعلية بطرق مختلفة بما يتناسب مع متطلبات العرض . وكما يقول  اٌرنست فيشرA . FISHER   أن “الفن وليد عصره ، فيمثل الإنسانية بقدر ما يتلائم مع مطامح  هذا الوضع ومع حاجاته و اَماله “ .
ويعتقد بذلك أن لكل فترة معطياتها لما تفرزه من مفاهيم وأفكار ورؤى، وما يظهر فيها من تقنيات وعلوم وفلسفات ولذلك . فقد تطورت أفكار الإنسان عن الحركة إلى درجة كبيرة ،والفن من ضمن تلك التطورات ؛ ومن أهم المجالات التى استفادت من العلوم المختلفة ، مما يؤدى الى حركة الأشكال حركة فعلية من مكان لأخر وبشكل متعدد أو مستمر تكون بطريقة منتظمة أو غير منتظمة ، لها دلالات تعبيرية ورمزية فى الفراغات المسرحية المختلفة والمتعددة المحيطة بالشكل كما أن هناك أعمال فنية تعتمد حركتها على قوى مختلفة مثل mechanical power القوى الميكانيكية ، electromagnetic power  القوى الكهرومغناطيسية ،natural power  القوى الطبيعية .أو تعتمد في حركتها الفعليه على وسائط غير تقليدية مثل السوائلliquids  ، الغازات gasses  ، النمو الحيوى Bio growth 1
إن محاولات تحقيق الأبعاد الزمانية فى الفن قائمة على المكان ،وقد سعى الفنانون على مر التاريخ إلى تحقيق تلك الأبعاد ، ومثال على ذلك ما جاء فى القرن العشرين مثل أفكار المدرسة المستقبيلة   futurism * فى البحث عن مفهوم الحركة فى الرسم والنحت وغيرهم ، “ فقد تناولت المستقبلية  كل ما هو تحول واندفاع نحو المستقبل . فلم تعد مهمة الفنان فى نظرها مجرد تنظيم الأشكال. بل أصبح يبحث علم الجمال فى المعنى والتعبير.2
ووجدت فى المدرسة  البنائية constructivism”  “ ملامح  الفن الحركى  ، فالمناظر المسرحية ليست ثلاثية الأبعاد فقط ، ولكنها رباعى الأبعاد  . محاولة إلى  إستحضار عنصر الزمن في تلك المناظر “
لقد سعت البنائية الى تحقيق منظر مسرحى فى حركة ضمنية مع الجوانب البنائية فى التكوين . بهدف الحصول على فضاء مسرحى يكون  للحركة  فيه دوراً يتساوى مع البناء ، ومع الفراغ والتخيل، ولقد كانت تلك المحاولات الحركية التى قدمتها البنائية عبارة عن أعمال فنية  ، ليس للحركة فيها مكان مقصود ، بقدر ما هى معادل لإنشاء الشكل والفراغ ، وأن الشكل ليس ثلاثى الأبعاد فقط  بل رباعى الأبعاد طالما نحاول تجسيم عنصر الزمن فيه ، والمقصود بالزمن الحركة والإيقاع والحركة العقلية و الإيهاميه التى ندركها من خلال تدفق الخطوط والأشكال ، وإن الإيقاع فى العمل الفنى له أهمية مساوية للفراغ والبناء والشكل .
فالحركة الفعليه فى المنظر المسرحى لم تعد قاصرة على تحريك أجزاء المنظر المسرحى فقط ؛ بل إمتد إلى التعبير عن الحركة ذاتها ، ومعنى ذلك إن الحركة فى الصور المرئية المعاصرة ليست الحركة الميكانيكية فقط كما في العروض في أوروبا وأمريكا والمداخل المختلفة في تحقيق البعد الرابع في المناظر المسرحية التى تعتمد على الحركة .
وعليه ليس كل ما هو حركة على المسرح نطلق عليه حركة فعلية ،إن لم تكن كذلك

المراجع
* جابو cabo  : نحات روسى 1890 – 1977 ، أحد رواد المدرسة البنائية الروسية والفن الحركى .
** بفسنرPevsner  : نحات بلا روسي 1884 – 1962 .
1 – أسعد سعيد : نفس المرجع السابق
2-  محمد عبد الحفيظ هارون : مفهوم البعد الرابع واثره على القيم التشكيلية والتعبيرية فى النحت المعاصر ، رسالة دكتوراه ، كلية التربية الفنية جامعة حلوان ، 2009 ، ص 11
3- ارنست فيشر : ضرورة الفن ، ترجمة اسعد حليم ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1986 ، ص 14
1بوش  : اساسيات الفيزياء  ترجمة / سعيد الجزيرى ومحمد امين سليمان _ الدار الدولية للنشر _ الطبعة الرابعة _ 1990 .
2 نبيل عبد الوهاب حسن الحلوجى : المفاهيم الجديدة للابعاد المكانية والزمانية فى سينوغرافيا العرض المسرحى  “ دراسة مقارنة للنصف الثامن للقرن “  رسالة دكتوراة المعهد العالى للفنون المسرحية ، اكاديمية الفنون ، 2003 . انظر الفصل الاول .
1 – أسعد سعيد : المرجع السابق
2 – حسن محمد حسن : مذاهب الفن المعاصر ، دار الفكر العربى ، القاهرة ، ص 198 – 200 ، بدون تاريخ
‏1 – peter seliz : art in our times , apictoriel history . Thomas and Hudson , new york , 1982 , p . 100.
* كالدر  calder : هو نحات أمريكي 1898 – 1976 ، عرف بالمنحوتات المتحركة ومنحوتاته كانت مجرده ومكونة من أجزاء من المعدن والأسلاك والصفائح .
‏1- georges rickey : construct , London , studio vista , 1968 , p . 191
‏2 – jan chilevers , harlod Osborne , dennis farr : the oxford dictionary of art , oxford new york , 1988 , p .151.
3 – أسعد سعيد فرحات : الحركة الفعلية فى النحت الحديث والإفادة منها فى تدريس التشكيل المجسم _ كلية التربية الفنية جامعة حلوان ، 1998, ص.5

__________________

المصدر / مسرحنا

موقع الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *