«عتبة الألم لدى السيدة غادة»: مسرحية سورية في دوار الشمس

سن الأربعين عند المرأة حساس سواء كانت عازبة أو متزوجة، معه تختلط كامل أوراقها، فالأنوثة والجمال والشباب في عد عكسي، وعليها هنا أن تؤمن معادلة متوازنة تمنعها من السقوط في مهالك نفسها قبل الآخرين.

 

 

هذه السنة إختارها المخرج عبد الله الكفري عنواناً بحثياً لعمله المسرحي: عتبة الألم لدى السيدة غادة، حمله من دمشق إلى بيروت، وقدمه في ثلاثة عروض فقط على خشبة دوار الشمس (في 28، 29 و30 تموز/يوليو) مع أربعة ممثلين (محمد آل رشي، حنان الحاج علي، ريم خطاب، وكامل نجمة) بالشراكة مع مؤسسة المورد الثقافي، والمجلس الثقافي البريطاني، والمعهد الدرامي السويدي في أستوكهولم.
وفيما كانت هناك منحة من برنامج مواعيد لنقل الفنانين والديكور من سوريا فقد وضع فريق العمل عبارة (يعود ريع المسرحية لصالح اللاجئين السوريين) أعلى زجاج شباك التذاكر في مسرح دوار الشمس.
وحده الممثل آل رشي نعرفه من بين المجموعة لأننا واكبناه في العرض الذي كان المسرح قدمه في قاعة متواضعة خلف مبنى المسرح وتحت تمديدات أجهزة التبريد ولم يسمح لأحد على مدى ساعتين من المغادرة، أما الباقون فنتعرف عليهم لأول مرة، خصوصاً ربم خطاب في شخصية غادة، وهي متمكنة، ومظهرها يدل على هذا العمر الذي يستخدم محوراً أساسياً للمسرحية مع كامل نجمة في دور طبيب أسنان، أما الفنانة حنان الحاج علي فتحضر كضيفة شرف تقريباً في العمل في دور والدة غادة التي لا تتفق معها خصوصاً وهي عانس بعدما ذرفت على الأربعين، وهي تمنت لو أنها نزعت رحمها قبل إنجابها لما كانت ولدت وعانت ما تعانيه اليوم من إحراجات في حياتها الخاصة. وهي تعيش غير نساء الدنيا من دون رجل، من دون علاقة، من دون أفق واحد يجعلها تتفاءل بما تعيش من أجله، وهو مناخ ترصده المسرحية التي كتبها المخرج وصب فيها جام دعمه لـ غادة، في ظرفها الدقيق هذا، حيث لا مجال معها لأي نقاش تهدئة، وهي الذاهبة إلى طبيب الأسنان وكل همها أن يلتفت إليها، أن يشم رائحة طيبة منها، وأن يبادر إلى محادثتها عاطفياً لكي تتجاوز معه الأفق المقفل أمامها في يومياتها.
تجاوب قليلاً، لكن الأمور لم تستقر على نتيجة،  لتحاول مع طبيب آخر (آل رشي) قصدته لكي تخفف من وزنها خصوصاً أزالة بعض الشحم في بطنها، وكانت كلما لمسها أقتربت منه أكثر، وهو يطلب منها أن تتراجع قليلاً، أيضاً هذه المحاولة باءت بالفشل ولم تجد لها أي حل آخر، سوى الرحيل، الموت، تحت التخدير، أم في الحياة الواقعية، فالذي تعيشه لا يساوي شيئاً في المعادلة المعروفة عاطفياً.
الموت جعل الأسى يخيِّم على المكان والشخصيات، وكأن لها ثأراً عليها أن تأخذه من الدنيا قبل موعد الرحيل، لكن كيف. لم يعثر النص على مخرج لهذا المناخ، أو حل يقدم لـ غادة بديلاً معقولاً عما لم تنله، لكن المسرحية تقدم خلفية شامية محضة مؤشرة على الرقم أربعين، وعلى ما زرعته دمشق في ذاكرة غادة المراهقة والشابة والسيدة من ألغام، وها هي يتربص ماضيها بحاضرها، فتقرر إعادة تشكيل ذاكرتها وتجريف الآلام التي راكمتها المدينة على مر السنوات الماضية.
الديكور أحببناه كثيراً، وكان مطواعاً، وسهل التركيب، والتحريك، وتشكيل المشهد الذي يريده المخرج، وسعدنا بمقاعدنا التي إحتلت نصف الخشبة، التي تناصفناها مع الممثلين، فجلسنا قبالتهم على المسرح بينما مقاعد الصالة خالية من وجودنا تماماً، وأثمر هذا القرب من الممثلين ووقائع المسرحية، ألفة خاصة، جعلتنا أقرب إلى الاحساس بحالة غادة وثقل الأيام على كاهلها وأحاسيسها كإمرأة تريد أن تعيش، وتنجب وتعرف معنى الحب مثل كل البشر، لكن الأيام، قدرها لم يعطها هذه الفرصة الكبيرة والمهمة والتي تحذرها كثيرات من النساء ببساطة وسهولة مضافتين في يومياتهن.
«عتبة الألم لدى السيدة غادة» مسرحية عميقة، لها في المرأة، ولها في الوطن، لها في الأمس والحاضر، وكثير من شظاياها تؤشر على دمشق الغد.
محمد حجازي

 

http://www.aliwaa.com


شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *