‘قصر الشوك’ التونسي .. يعيد الحياة للمسرح النفسي

على قاعة المسرح الوطني ببغداد وفي حفل اختتام فعاليات مهرجان بغداد لمسرح الشباب العربي الدورة الاولى 2012, عرضت مسرحية (قصر الشوك) من تونس,

تاليف واخراج وتمثيل (نعمان حمده) الى جانب ممثلين تونسيين اخرين وهم: (عبدالمنعم شويات, وجميلة الشبحي, وغازي الزغباني, وامينه الدشراوي, ونور الدين بو سالمي), وموضب صوت (محمد الهادي بن خوفاش) الى جانب فريقين كبيرين في التقنيات المسرحية (الضوئية) و(الصوتية) بوصفهما الركيزة المحورية (السمعبصرية) التي اعتمد عليها خطاب العرض كثيرا وفق رؤيته الاخراجية المتفردة عن باقي عروض المهرجان.

 

في البدء اسوقفنا عنوان العرض كثيرا (قصر الشوك) بحسب برنامج المهرجان .. فاذا ما قلبنا (الكاف) (قافا) في كلمة الشوك فسيقفز امامنا مباشرة (قصر الشوق) المصري عنوانا مشهورا لرواية الكبير (نجيب محفوظ) الجزء الاول من ثلاثيته العالمية, ونفترض ان عنوان العرض نفسه فلا يفسد في الود قضية ابدا بحسب المتن الحكائي للعرض, لان احالة المخرج كانت ستصل تماما عن (قصر الشوق) التونسي الذي تعرض الى كوارث انسانية وتحولات وامراض فكرية ونفسية احالت شخصياته الى طلب الانقاذ والبحث عن الخلاص.

واذا ما ابقينا الكاف كما هي في (قصر الشوك) فاننا سنكون ايضا امام ذلك القصر التونسي المليء بالاشواك المسننة التي اطاحت بناسه المعذبين المنتظرين لمنقذ قادم عسى ان يأتي.

كما ينبغي التعرض الى اشارة اخرى دفعتنا اليها بيئة العرض وشخصياته, اذ التناص الواضح مع بيئة وشخصيات مسرحية (مارا صاد) لبيتر فايس المشهورة, واظن اننا لم نبتعد كثيرا عن مارا صاد وجوها (السايكو درامي) بوصفها النص الغائب في هذا العرض.

يعرف كمال الدين عيد (الدراما السايكولوجية) بانها “الدراما التي تسعى جاهدة الى التركيز على مصدر الابداع من داخل النفس البشرية, لترصد كل التحركات والتغييرات الداخلية التي تتطور فيها الشخصية المسرحية (نفسيا), وتبدو المسرحية هنا كأنها في حالة جامدة ساكنة, مع ان شخصياتها تغلي وتتفجر من عوالمها الداخلية والحسية, أو هي تعاني من كبت وضغوطات وافكار في قمة غليانها واضطرابها النفسي, هذه الحالات تقود هنا الى صراعات غاية في القسوة والمرارة”.

وهذا فعلا ما اثبته لنا العرض عبر خطابه السايكو درامي وبهذا يكون (قصر الشوك / ق التونسي) قد اعاد الحياة فعلا الى المسرح النفسي كما ادركناه سابقا عند فحول هذا المسرح امثال: جان راسين وهنريك ابسن ووهاوبتمان وانطوان تشيخوف وسترندبرغ ثم يوجين اونيل وتينيسي وليامز وغيرهم.

كنا امام فضاء مؤثث بأدوات منظرية موحية وبسيطة لمصح نفسي يعاني شخصياته من علل ذاتية وهلوسات وفواجع فكرية جعلتهم في حالة من الهيجان الحواري المطول مقابل الصمت المنتفخ الما ومعاناة لدرجة الاصابة بالشلل الجسماني الذي هيمن على احدى الشخصيات كبيرة السن فلجأ الى (العلم التونسي) ملتحفا به ومنقذا له من هول ما اصابه او احاط به فجأة ومنتظرا خلاصه القادم ولو الى حين.

وبالضرورة في هذا النوع المسرحي النفسي يلجأ العرض الى المونولوغ الطويل, لا الى الدايالوغ الحواري في اغلب مواقفه الدرامية, الامر الذي جعل من العرض مشاهد او مسامع اذاعية يقف الممثل فيها امام المايكرفون الاذاعي, مصوتا مونولوغاته المتراتبة, ممثلا بعد اخر, وبالاعتماد على الفعل النفسي الداخلي والعيش في اهاب الدور, وعلى طريقة (ستانسلافسكي) المشهورة في التمثيل الواقعي, اذ ان اللاشعور هو المعين الذي لا ينضب لكل عمليات الخلق الفني, التمثيل او غيره بحسب هذه الطريقة الادائية الرصينة.

الا ان الاشكالية التي فصمت علاقة التلقي في هذا العرض هي (اللهجة التونسية) الصعبة الفهم على الجمهور العراقي, وهذه اشكالية نلمسها في كافة المهرجانات المسرحية العربية, الامر الذي ينعكس مباشرة على فاعلية التلقي وتقبل العرض بكليته. ومع هذا حاول التمثيل بمستواه العالي ان يوطد هذه العلاقة ادائيا ونفسيا ويبث المشاعر الساخنة طيلة زمن العرض بمصداقية كبيرة جدا وبذلك ترممت فجوة (اللهجة) المحلية حتى نهاية العرض، الى لحظات تكميم المايكات الصوتية نفسها حين عجز الجميع عن ايصال اصواتهم, انه الشعور بالخيبة وبالاحباط, وما أقسى ذلك .. لا احد يسمع .. لا احد يهتم .. لا احد يبالي .. لكننا نبقى دائما (نحب كل شيء على خاطرنا) بحسب حوار الشخصيات وبلهجته التونسية الرقيقة. ومن ثم عودة الى صافرة الانذار ثانية كما انذرتنا في بداية العرض فهي تبقى تنذرنا حتى لحظة خلاصنا / ملاذنا الآمن والمنتظر, حتى ولو بعد حين, المهم اننا يجب ان نبقى ننتظر, ولا نستسلم ابدا, ابدا.

mhusseinhabeeb@yahoo.com

بقلم: د. محمد حسين حبيب

http://www.middle-east-online.com

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *