«فوضى أنثوية» والبحث عن مسرح نصير للمرأة

على خشبة مسرح قطر الوطني وفي يوم الأحد 15/7/2012 والاثنين 16/7/2012 قدمت مجموعة شباب المركز الشبابي للفنون المسرحية، مسرحية «فوضى أنثوية» تحت إشراف ربان المركز الأستاذ محمد البلم ورئيس مجلس الإدارة ومن إبداع المخرج الشاب القادم بقوة الأستاذ إبراهيم عبدالرحيم، وكوكبة من المبدعات على رأسهن الفنانة المسرحية المطبوعة الأستاذة إيمان ذياب والمبدعة حنان صادق وسارا مرعي ولارا مرعي والموهبة ليلى طاهر وتصميم الديكور للتشكيلي الفنان ناصف الجمل وساعد في الإخراج المبدع يوسف الكواري.

 

 

تحكي المسرحية في تداع نفسي حر حكاية أربع نسوة وطفلة لقيطة وجدن أنفسهن كماً مهملاً وتقطعت بهن السبل وتشابكت عليهن الدروب، وتأهت وجدن أنفسهن قمامة ألقيت في طرف المدينة وهن يطاردن شبح رجل هو سبب أزمتهن وهو «مطلف الرجل»، متاعا، متهالكا وسبايا لنزاقته وجشعه وطمعه وحبه لذاته، فدفع بهن اليأس والانتظار إلى حافة أحلامهن وهن يتحدثن ربما قتلته إحداهن أو ربما قتلنه جميعاً ويتمنين أن يحيا مرة أخرى أو يعود ليقتلنه مئات المرات، وهذه هي المرأة عندما تذل أو تهان كرامتها وتصبح كسيرة الجناح مجهضة الأحلام من ظلم الرجل، تحركت خطوط الصراع والشخوص منذ بداية العرض وهن يجتررن لحظات وجدانية فيه سعيدة ولحظات انتظار قاتلة وأملا بعيدا بعودة الرجل. كل هذه الحالات الثلاث أنتجت لنا عرضاً دافئا وسخنا وتواترت الانفعالات الدرامية والأحداث لتلك الحالات الإنسانية المأساوية، وذلك الصراع الأزلي والتدافع التاريخي بين الرجل والمرأة وتلك الجدلية القديمة قِدم الخليقة، ليكون العرض، عرض حال لمن يهمه الأمر عن حال المرأة عموماً والشرقية خصوصاً في سعيها الدؤوب لتجد مساحة لها والبحث عن دور كفلته لها الشرائع السماوية والقوانين الوضعية ولكنه سُلب بواسطة الرجل وصارت تدفع ثمن جبروتنا وعنجهيتنا وسلطتنا الذكورية وأهوائها ونزاقة غرائزنا. جاء العرض لوحة بصرية عميقة الرؤى فكرياً وفلسفياً تغوص في قلب أزمة تلك النسوة مفجرة السؤال الكبير للعرض هل خلق الله الرجل فقط؟! ومن أعطاه هذا الحق في استلاب إرادة المرأة وسحق مشاعرها وكرامتها وهي الأم والأخت والزوجة والحبيبة، والكون ثنائية وجدلية منذ الأزل بين كائنين كرمها الله وهما الإنسان وأبى الرجل إلا أن يستأثر بهذا الحق وهذا التكريم. دفع المخرج بكل أدواته وكل عناصر العرض السمعية والبصرية في منظومة فنية عالية الدسم الدرامي والدلالات الواثقة وعلى رأسها الممثل الذي استطاع أن يقدم لنا هذا العرض وبقية العناصر في طبق من فن وأداء عال، ووضح تماماً من صياغة العرض بكل عناصره تمكن مخرج العرض وهو أيضاً صاحب فكرة النص ومن إعداد شخصي الضعيف في المعالجة الدرامية، وضح لنا جلياً أن مخرج العرض صاحب رسالة وفكر واضحين في استهدافه لنصرة هذا الكائن الضعيف المهضوم الحقوق وتمكنه التام من أدواته في تمكنه من القراءة العميقة لنص العرض والغوص واستخراج جمالياته، فكان أن حشد كل إبداعه خالقاً جواً درامياً عالي التواتر والقتامة المأسوية من خلال ومكان صنعه الفنان المبدع ومصمم الديكور الأستاذ ناصف الجمل ومن خلال زمان صنعته لنا الإضاءة العبقرية التي صممها مخرج العرض نفسه لتنتج هذه الثنائية بين الديكور والإضاءة جواً أسطورياً شكسبيرياً وحالة درامية عالية المأساة متمثلة في المكان وهو أحد أطراف المدينة حيث مقلب القمامة مأوى هؤلاء النسوة في وسط ليل نفسي بهيم لا صبح فيه حتى نهاية العرض، ونستدل على ذلك بالقمر المعلق حتى نهاية العرض وعامود النور في الشارع الذي ظل يكافح ذلك الليل النفسي وعتامة وقتامة واقعهن الحياتي دون أن تلوح بارقة صبح في حياة هؤلاء النسوة البائسات المنتظرات في عتمة المدينة وظلم الرجل، فكان الديكور والإضاءة والحركة المسرحية ذات الدلالة المكثفة وذلك الأداء الرائع من تلك المبدعات هو سيد العرض ومفجر جماله وأسئلته الكونية وكان تنقلهن الرائع على خشبة المسرح كالفراشات يدل على خبرة عالية في الأداء ووعي فكري بشفرات العرض ورسالته ودور المسرح كرائد للتعبير والتنوير في متعة بصرية وسمعية أمتعت جمهور ذلك العرض وقد وفق المخرج كثيراً في اختيار هؤلاء المبدعات لعرضه فلهن منا كل التحية والود والتقدير عن هذا العرض الرائع والتحية للأستاذ محمد البلم رئيس مجلس إدارة المركز الذي جعل من هذا الحلم ممكناً والتحية للمخرج الشاب إبراهيم عبدالرحيم الذي أذهلني بهذا العرض وهذا الجمال، التحية للأستاذ ناصف الجمل ذلك التشكيلي الشفيف الذي جعل من هذا العرض ثراء بصرياً أخاذا.. التحية للأستاذ يوسف الكواري مساعد مخرج هذا العرض وهيفاء سالم في إدارة الخشبة وماهر أحمد في إدارة الإنتاج ونجيب الصايغ في الإعلام التحية لهم جميعاً وهم يزينون فضاء مسرح قطر الوطني ويقاتلون ليجعلوا من هذا الكوكب مكاناً صالحاً للسكنى والتعايش الآمن بين الرجل والمرأة من خلال هذه التجربة القطرية السودانية في مزج وتلاق لتلك الخبرات لخلق ثراء مسرحي خلاّق ومبدع في الحياة المسرحية العربية والمساهمة في حركة التنوير ودوماً هي دولة قطر هكذا.. والتحية أولاً وأخيراً لوزارة الثقافة والفنون والتراث القطرية ممثلة في وزيرها الفنان الأستاذ حمد الكواري الذي كان الحضن الرؤوم لهذه التجربة السودانية القطرية المتفردة من خلال إدارة الشباب في الوزارة وعبر المركز الشبابي للفنون المسرحية، لهم منا كل التحايا والود والتقدير والله ولي التوفيق.
❍ مسرحي سوداني- الدوحة

 

مصطفى أحمد الخليفة

http://www.alarab.qa

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *