ملاحظات حول المونودراما التعاقبية

 

 

 

 

نشر الفنان المسرحي فاروق صبري تنظيرا عن مشروعه الذي اختار له اسم (المونو دراما التعاقبية) وهو يراه مشروعا جديدا و “ابتكاريا وغيرمسبوق عمليا” ويطالب بان يمنحه المختصون حق الامتياز!  مشروع الفنان فاروق صبري قائم على ثلاث نقاط يرى أنها الطرق التي يفترض اعتمادها لتقديم ” مونودراماه التعاقبية .”
الطريقة الاولى : ” يروي لنا الممثل ( الأول ) حكاية العرض فإن فرغ من عرضها يبدأ الممثل ( الثاني ) بسرد نفس الحكاية ولكن من وجهة نظر مختلفة ، وربما متعارضة عن الممثل (الاول)”.
ملاحظتي: انا وضعت القوسين للممثل الأول والثاني وهما فقط خارج الاقتباس من المقال المنشور في جريدة المدى.
بداية دعونا نثبت التعريف المعتمد عالميا للمونودراما وكل ما تذكره المصادر بهذا الشأن لا يخرج عن ان المونودراما هي ” مسرحية او قطعة درامية كتبت لممثل ، مؤد ، مغني ، شخص واحد.”
• ملاحظتي : ما ذكره الفنان فاروق صبري بخصوص رواية الحادثة الواحدة من وجهتي نظر مختلفة … اعتقد هذا يندرج ضمن مفهوم او اصطلاح Vantage Point وبالمناسبة استغل المخرج الأميركي “بيت ترافز” هذا الاصطلاح كعنوان لفلم كتبه “باري ليفي” والفلم مبني أساسا على رواية حادثة ارهابية من وجهة نظر ثماني شخصيات شاركت وكانت شاهدا على الحادثة ،فلم ظريف ! حيث قدم الحادثة من خلال وجهة نظر ثمانية شخصيات شاركت وشاهدت الحادثة. وهنا بودي ان اؤكد ان هذا لا يعني مطلقا ان صبري اخذ الفكرة من الفلم لاني اعتقد جازما انه لم يشاهد هذا الفلم المنتج عام الفين وثمانية ولكني انطلق من الاصطلاح ذاته الذي استخدمه الفلم كعنوان وهو يتماشى تماما مع الطريقة الاولى التي يقترحها الفنان فاروق صبري والتي أرى انها لا تخرج عن اطار المعالجة الأسلوبية ” الاخراجية ” لفكرة الانا والاخر وهي أساس لكل نص مونودرامي واعتقد بان اغلب المعالجات الاسلوبية لا ترقى الى مستوى النظرية خصوصا وان صاحب المشروع يحصر نفسه في مفهوم الثنائيات فيما يمكن ان تصبح هذه الثنائيات ثلاثيات ورباعيات وخماسيات حسبما يقتضيه النص المونو درامي والجميع يعرف ان الكثير من هذه النصوص خصوصا العربية منها تتشاطر في التشظي من اجل إرضاء رغبة الممثل في التشخيص وتنويعاته فتراه يمثل في العرض الواحد شخصيات قد تتجاوز احيانا عدد أصابع اليد . ايضا اجزم ان هذه المعالجة التي تقترح ان يؤدي اكثر من ممثل هذا الشخصيات وكل يروي وجهة نظره تتقاطع تماما مع التعريف المعتمد للمونودراما والذي ثبتناه أعلاه وهو تعريف يفترض الواحدية في النص والعرض شئنا ام أبينا.
الطريقة الثانية : ” ممثل واحد يروي حكايته والحكاية تفرش أمامنا أحداثا وشخصيات وما ان ينتهي او على وشك الانتهاء من روايته ، يحدث عبر تغيير بعض تفصيلات الخشبة : الإنارة والأزياء والإكسسوار و..و..و.. يظهر الممثل نفسه بملامح مختلفة بشخص او شخصية رئيسية ثانية من الحكاية ليرويها ولكن لبعض مفاصلها التي تبدو مختلفة و ربما متعارضة عن الحكاية الشخصية الاولى”.
• ملاحظتي : اجد بان هذا الاقتراح ايضا لم يغادر حدود المعالجة الاخراجية لاي نص مونو درامي مع امكانية ان تروى ايضا هذه الحكاية بأكثر من وجهتي نظر ليصبح التنويع اكثر حيوية مع تثبيت ان هذه الطريقة لم تخرج من مفهوم المونو دراما المتعارف عليه وبالتالي لا يصح بان يكون نظرية او اختراعا ينبغي ان يحصل صاحبه على براءة اختراع او امتياز من نوع ما ولكنه قد يسجل للفنان فاروق صبري كمعالجة اذا ما اعتمده في احد عروضه وتبقى هذه القضية مرهونة ايضا بالنقاد والمختصين الذي سيحضرون العرض.
الطريقة الثالثة: ” حكاية ما يرويها ممثل وما أن يصل نصفها نفاجأ بممثل أخر مختلف شكلا واداءً في الجسم يكمل الحكاية والنفس وفي بعض سياقات البنية المضمونة والجمالية للحكاية “.
• ملاحظتي: ان يؤدي الحكاية ممثلان ليقتسما روايتها او لعبها هذا ايضا اقتراح يضرب مفهوم المونو دراما في الصميم اذ اننا سنخرج منها الى فضاء عرض مسرحي اخر بممثلين اثنين ومتى ما تعدد الممثلون في العرض خرج من كونه مونو دراما حتما مع اني ارى ان الاختلاف في الشكل والأداء المقترح في الطريقة الثالثة سيكون افضل لو جرى على يد ممثل واحد يمتلك القدرة الجسدية والصوتية على تشخيص هذا الاختلاف في الرواية بل ان المونودراما نفسها هي الاقتراح الأفضل والنمط الأكثر فرصا لمنح الممثل مساحة كبيرة في التنويع الادائي واي استعانة بممثل اخر سيحجّم هذا التنويع او سينتقل به من فضاء المونودراما الى فضاء العرض المسرحي المتعارف عليه.
هذه الملاحظات أراها تنطبق ايضا على مشروع الفنان المسرحي ميثم السعدي الذي يتبنى مشروع اسماه “المونودراما المزدوجة ” وقد استمعت عبر موقع يوتيوب لما تحدث به السعدي بخصوص مشروعه ولم اره يبتعد كثيرا “على ضعف حججه التنظيرية ” عن الطريقة الاولى او الثالثة التي يقترحها الفنان فاروق صبري وبالتالي فان ملاحظاتي بشأنهما تنطبق على مشروعه الذي ايضا شاهدت تطبيقا له وكان عبارة عن عرضين مونودراميين عاديين تقليديين ولكن قدمها منفصلين على خشبة واحدة وبممثلين كل منهما قدم مقطوعته على جانبي المسرح ثم عمد الى الانتقال بينهما لينتهي العرض بتداخل المقطوعتين زمانا ومكانا لتنتهي المونودراما المزودوجة المقترحة الى عرض مسرحي بممثلين ولا ادري لم الإصرار على تسميته بالمونودراما؟ ولو مثلا اقترحت مثلا عرضا بثلاثة او اربعة ممثلين كل يلقي منولوجه في مكان ما على خشبة المسرح وجمعتهم في اطار عرض واحد هل يصح ان اسمي ذلك مونودراما ثلاثية او رباعية او خماسية وأطالب مثلا بحق اختراع نظري في المسرح ؟
بالمناسبة عرض الفنان ميثم السعدي شاهدت شبيها له في اميركا ايضا قبل عشر سنوات تقريبا للأسف الشديد لا اذكر اسمه مع الفارق الكبير طبعا في التقنيات الاخراجية وفي ذلك العرض ايضا قدمت الممثلة مقطوعتها لتؤدي دور زوجة مدمنة في جانب المسرح الأيسر فيما يؤدي الزوج او العشيق دوره في جانب المسرح الأيمن لينتهي العرض ايضا بتداخل عالميهما في النهاية…وهو عرض أثار جدلا في حينه وأتذكر جيدا ان شبكة CNN الأميركية غطت جزء منه والتقت ممثلته ومع هذا لم يتقدم مخرج العرض او أصحابه للقول بانه مونودراما مزدوجة مع انه بتقديري الشخصي افضل تطبيق لها اذا ما تبنينا تفسير الفنان السعدي وآمنا به وبمن نظّر له.
آمل ان تكون هذه الملاحظات البسيطة مدخلا للنقاش والجدل في هم المسرح العراقي الذي يعاني من مشاكل كبيرة إنتاجيا وإخراجيا وأدائيا ولنا فيها حديث طويل اخر.
ناصر النعيمي
http://www.almadapaper.net/

 

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *