عن الزومبي.. والمسرح يجمعنا

يتابع الجمهور حتى بداية الأسبوع القادم مهرجان الصواري للشباب الذي يعود بعد انقطاع طويل، هذه العودة رغم ما ستحمله من اختلافات في وجهات النظر الا انها تبقى

التجربة المتميزة في حراك المسرح البحريني، فلا المهرجانات التي دأبت المسارح الأهلية على تنظيمها جادت بالنفع ولا العروض المتفرقة هنا وهناك… لماذا؟

ثمة عامل مهم في هذه التجربة وهو عنصر الشباب الذي قد يقف بعضهم للمرة الاولى امام الجمهور، ومن بعدها هذا الحراك الذي يقدم عشرة عروض يختصر حراك عام كامل، ففي أحسن الأحوال قد تجد خمسة او سبعة عروض طوال ١٢ شهرا.. لكن هذه المرة فعلها الصواريون ومن معم من مؤسسات اخرى كمسرحي البيادر وجلجامش ومؤسسة الجارح.
في هذه الخطوة ليس مفهوما الان البحث عن النوعية رغم توفرها في بعض العروض، بل ما نحتاج الى استيعابه هو فكرة هذا الجمع وهذا الحراك وكم تحتاج الساحة الان الى إيقاد جذوة الحماس من جديد وبث روح التحدي بأن المسرح لازال بخير رغم الخرافات التي يوزعها البعض عن موت المسرح… فالمسرح في الأصل لا يموت وإنما نحن من نموت مخلفين ورائنا عار التخلي عن ابسط أحلامنا.
في (الزومبي) لمؤلفها عبدالله السعداوي ومخرجها عيسى الصنديد تعيدنا المسرحية الى فورة التجارب الاولى وتلمس الطريق، وقد يكون اختيار المخرج لهذا النص تحديدا هو عمق تأثره بتجربة الصواري كونه حديثاً عليها انه يحاول ان يكون همزة الوصل او الجسر الذي يربط ما بين جذوتين، فالمسرح بالنسبة الى عرض (الزومبي) يمثل حالة مجتمعية اكثر منها رفاهية، انه يخاطب الناس باعتبارهم ذوات وليسو آلات.
كثيرة هي النصوص التي تستعرض علاقة مؤلف او مسرحي بشاب حديث العهد بالمسرح لكن المسألة هنا لا تقترب من كون المسرح حالة ابداعية صرفة فقط بل تذهب الى الانسان بتاريخه وانتصاراته وإخفاقاته.. تذهب الى المعتم والقسوة لإخراج حالة النور الكائن بين ضفتين.. أليس هذا هو المسرح؟ 
في علاقته بالنص يبقى الصنديد امام تجربة سابقة للصواري… انه يستدعيها كمشعوذ ويستأنس بها كراهب ويلهو بها كصعلوك، اذا ثمة خيط رفيع بين ما هو محصور في صندوق (الانا) وبراح (الاخر)، وفي تعامله مع الفضاء المسرحي يحاول الصنديد ان يختزل تجربته وملاحظاته ومشاهدتها في تأثيث ذائقة البصر وهدوء الحركة، فقد اظهر العرض محاولته الجادة في الاستفادة من كل ذلك والتعامل مع مكونات المسرح بما فيها الممثل باعتبارهم حدث دال.
يدرك المسرحيون انهم عراة الا من أجسادهم وأفكارهم التي تترجمها حواس الإضاءة والصوت وأنين الممثل، يدرك المسرحيون انه لا سبيل لهم سوى يضعوا أجسادهم بكل هدوء وطمأنينة على خشبة المسرح دون الدخول في متاهات التأويل والاسقاطات… ان يلامسوا خشبة المسرح من دون وضع قاموس التفاسير… ان يجمعهم المسرح وتصيبهم هستيريا الإبداع، فالطبيب يشخص المرضى بعلمه لكن المريض يعرف بم يعالج نفسه وهكذا هم ونحن في المهرجان.. يضعون أجسادهم المعنفة من سطوة الكلام الى سطوة الفعل والمقدرة والمشاكسه، يضعون المائدة بتواضع الفقير لتخجل منهم عيون الأغنياء، يلملمون سنواتهم المتعبة ويضعونها في سلام البيت مرة اخرى… يفتحون أبوابهم مشرعة امام الجميع ليقولوا ادخلوها بسلام آمنين من دون الحاجة الى تأويل او دراسة حالة او سلطة… أليس المسرح يجمعنا؟!

 

خالد الرويعي

http://www.alayam.com

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *