الرقيب يعيد المسرح العربي الى طفولة تاريخية

تظل الذاكرة الابداعية العراقية تعاني من ثقب وخرق لا زال ماثلاً في العقل الثقافي وماثلا في عمقه، ولازال الداء مستقراً في التكفير الجمعي للمثقف والمبدع العراقي وربما العربي، انه خرق الرقابات المتعددة وفوبيا الرقيب، وداء المنع الذي مارستهُ انظمة الاستبداد العربي على المبدع ومن ثم على عامة الناس، بحجج واهية، ودواع مختلفة، تؤطرها دائماً بأطار الحفاظ على الذوق العام والرأي العام من التلوث الفكري والثقافي، وبذا يمارس النظام السياسي العربي الابوي ابشع رقابة عرفتها البشرية، انها رقابة التفكير ومنع حرية التعبير.

 

 

طبعاً فكرة “القيمومة “لا تزال شاخصة في العقل العربي “واقصد هنا النخبة العربية” فالسلطة العربية لا زالت تعتقد وتظن أنها القيم الشرعي على امة جاهلة ولذا وبدافع اخلاقي تمنعها كأي فتاة قاصر”مع تحفظي” من ممارسة دورها وحريتها خوفاً من انزلاقها، فهي تساهم في اختياراتها لأنها عاجزة عن صناعة ذوق خاص بها.

أذن الامة لازالت في طفولتها التاريخية!، وبذا تحرم السلطة العربية، ومن بعدها بعض النخب ذات التفكير المركزي الامة من ممارسة حقها والخروج من عنق الوصاية الى فضاء التعبير الحر والاختيار الارادي ، بالمناسبة “اقصد ايضاً بالنخب المركزية هي تلك التي تقود القرار الديني والاجتماعي وربما الثقافي وتوجهه حسب رؤيتها وتمارس هويتها في القمع الفكري والابداعي”.

اخاطب هنا رجلاً مثقفاً عانى هو قبل غيره من الرقابات والمنع والمصادرة الفكرية، ودفع لذلك ثمناً باهضاً، ولكنني فقط أقول وبأمانة ان من عانى من اضطهاد فكري وثقافي واضطر للهجرة من اجل الكلمة سيكون بالتأكيد مدافعاً قوياً ضد اي ممارسة يشم منها مصادرة فكرية او ابداعية وخصوصاً في دولة ينص دستورها على احترام الابداع والمبدعين.

ولكن يحق لي الاستغراب مما تناهى الى مسامعي يوم أمس من منع فرقة مسرحية من العرض في محافظة ذي قار الا بعد ان تطلع عليها لجنة اعلامية!، ولا ادري ما الرابط بين الاعلام والمسرح، ومن سمح للاعلام ولاي جهة ان تراقب وتحاسب وتمنع وتجيز الاعمال الفنية والابداعية.

ما الداعي لممارسة رقابة على عمل ابداعي ما في ظل هذا الانفتاح الكبير والتعدد الواسع لوسائل الاعلام التي تعرض الغث والسمين ولا نملك سوى ان نترك الأختيار للمشاهد ليكون هو وحده الرقيب على نفسه فقط.

لماذا تطالب فرقة مسرحية بعرض سيناريو عملها على لجنة مكونة من عدة اشخاص يختلفون في اذواقهم واطلاعهم وسعة افقهم الفكري لكي يكونوا حكاماً على عمل ابداعي، يظل الحق في الحكم عليه للمتلقي فقط، فهو المعني وهو الذي يمارس دوره في رفض العمل المسرحي أو قبولهِ.

الامر الاخر الكل يعلم أن العروض المسرحية وخصوصاً الشعبية منها هي خاضعة لمنطق العرض والطلب، ولذا فأن المشاهد هو من سيكون الحكم من خلال اقباله على العرض المسرحي أو عزوفه عنه اذا ما رأى فيه اسفافاً وابتذلاً.

كما ان ممارسة الرقابة على العروض المسرحية قد غابت مع النظام السابق الذي كان يخشى ان تمسه هذه العروض من بعيد او قريب، ولذا فأن الاعمال المسرحية في بغداد العاصمة والمدن الاخرى تعرض بدون اي اجازات او المرور بسلسة من الاجراءات التي يحاول البعض الان اعادتها الى الحياة.

ختاماً اود ان اؤكد ان ما كتبه البعض في مواقع النت من انتقادات لمحافظة ذي قار لسماحها بعروض مسرحية خادشة حسب تعبيراتهم هي صادرة بالضرورة عن بعض البسطاء الذين لا يفقهون الف باء الثقافة والادب والفكر وربما لا يعجبهم نسيم الحرية.

 

ذي قار (العراق) – من حيدر قاسم الحجامي

http://www.middle-east-online.com

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *