المسرح العراقي بين نسائم الديمقراطية وفخ الرقابة – 1

 

 

 

منذ بداياته ومنذ انطلاق صوت ممثله الأول “ثيسبس” وهو يترنم بأغاني الحرية ويرقص برفقة موسيقى القيثار والناي ، ظل المسرح يعمل وينجز عبر مبدعيه صرحا كبيرا لحرية الرأي والحلم وقد مر في مراحل عمره الممتدة لأكثر من ثلاثة الاف سنة ونصف بتحولات ومتغيرات عديدة حاول البعض فيها ان يحولوا هذا الصرح العتيد عن فعله التنويري وهدفه الاحتجاجي ودعوته للتحريض والتغيير ضد قوى الفساد وبؤر التخلف الا أنهم باؤوا بالفشل اذ بقي المسرح ومن خلال مبدعيه ومنظريه والباحثين المجتهدين في فضاءات عوالمه راسخا عصيا فظهرت المذاهب وتنوعت المدارس ونضجت الرؤى الساعية الى تأكيد هذا الصرح مدرسة للمعرفة والمتعة البريئة وليس غريبا ان يكون المسرح في بلدان العالم المتحضر مقياسا لذلك التحضر وعنوانا لرقي المجتمع وتطوره وليس بمستغرب ايضا ان يكون ذات الصرح مصدر خوف وحذر ورقابة في بلدان اخرى ينهش في جسد مجتمعاتها الاستبداد والتسلط والظلامية اذ يصبح المسرح في ظل تلك العقول المأزومة والحذرة من نيران الوعي موضع ملاحقة ومتابعة ومسألة مستمرة ويشتد أوار المراقبة والمسألة حين يكون بين تلك الجهات المتابعة واحد من أبناء المهنة من الذين يسهل شراؤهم عندها تكون عملية الإدانة والاتهام والملاحقة معبدة الطريق أمام القتلة ومتحجري العقول للنيل من الصوت الحر للمسرحي الواعي والمتمرد , وفي المسرح العراقي في مسيرته الطويلة المريرة والجريئة العديد من التجارب التي تعلن وتشير الى معاناة ونضالات فنانين كان المسرح بالنسبة لهم قضية وطن ومستقبل شعب سواء أكان هؤلاء الفنانون يعملون ضمن فرق عريقة او يعملون كأفراد وأساتذة فن في كلياتهم وفي معاهدهم الفنية وقد كانت العروض المسرحية التي يقدمونها الشعبية منها والعروض التي تنتمي للمسرح العالمي تملك خطابها المعرفي والوطني ونحن لا نستطيع ان نعتبر ان كل الفرق كانت تسير على ذاك النهج فتبتعد عن مغازلة السلطة والتزلف لها , بقي المسرح العراقي ومن خلال مبدعيه ينتج عروضا مسرحية ذات توجه مناوئ لكنه لا يجاهر بقدر ما يناور لإيصال الرسالة الأخلاقية والوطنية فظهرت عروض مسرحية شكلت حضورا وتأثيرا لدى المتلقين كما انها حققت تجربة متميزة في خارطة المشهد المسرحي العراقي ولان الكتابة والنقد والمتابعة لما قدم كانت تحرص على العوم عند حدود السطح والظاهر بقيت تلك العروض دون اضاءة وتحليل وقراءة نقدية صحيحة تمنح مبدعها حقه من التقييم والإجادة , اليوم ونحن نقف أمام مرحلة جديدة وحاسمة نرى فيها المسرح العراقي يتعرض للتضييق والرقابة المتشددة كان لزاما علينا وجزء من مسؤوليتنا الوطنية والفكرية والجمالية ان نتخذ موقفا توعويا للحفاظ على حركة مسرحية عراقية أسسها رواد متنورون وسعوا من خلالها الى تحصين مجتمع وتوعيته بأهمية دوره في صنع القرارالسياسي والاجتماعي الذي يبشر بوطن يحيا أفراده في جو حقيقي للحرية والديمقراطية وسنبدأ بتناول واقع الحياة المسرحية العراقية ما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق ومن خلاله سيتم التطرق الى طبيعة العروض المسرحية التي ظهرت حتى يومنا هذا وستكون دائرة السينما والمسرح هي النموذج بوصفها الدائرة التي تمتلك الرئة الوحيدة التي يتنفس من خلالها مسرحيو العراق عبق المسرح بعد دمار مسرح الرشيد وبعد ان اصبح مسرحا المنصور والاحتفالات ثكنة عسكرية للجيش الأمريكي وبعد ان غاب المسرح الفني الحديث وبيع مسرح الستين كرسي ورحل من كان يفعل عمل مسرح اليوم وقد كانت هذه المسارح ترتبط بأسماء فنانين ورواد ومؤسسين لم يتركوا من بعدهم من يتواصل ويديم مسيرتهم لذا حين غابوا انحسر من كان معهم عن فضاءات المسرح التي شهدت تأريخا من الإرث المسرحي أضاعوه حين التفتوا لمصالحهم ومنافعهم !! بقي المسرحيون العراقيون يعملون من خلال فضاءات محدودة لاتتعدى التجارب الطلابية والتجارب التي يسهم بها أساتذة يدرسون الفن المسرحي ويدعمون النظري بالعملي وهي حالة صحية وضرورية ليس فقط على مستوى الإنتاج والمساهمة بل على مستوى الاكتشاف ورفد الساحة الفنية العراقية بالطاقات الشابة المبدعة والتي يعول عليها في استمرار الحياة المسرحية العراقية وهذا جزء مهم وأساس في أهداف وتوجهات كليات ومعاهد الفن في العراق , لم يكن في تصور اي فنان ومثقف عراقي ان زمن الديمقراطية والحرية يعني عودة الرقيب الأمني وليس الرقيب الفني اذ ان وجود الرقابة الفنية يكون في أحيان كثيرة وسيلة ناجعة لتقويم العروض المسرحية التي تحتاج الى إعادة النظر في بعض الجوانب في الية اشتغال المسرح بالشكل الذي يرصنها ويقدمها الى المتلقين وهم المعنيون بالدرجة الاولى في تقييم هذا العرض أو ذاك ولكن رغم كل الأصوات التي تتشدق بالديمقراطية وحرية الرأي وضرورة تشخيص السلبيات ونبذ الفساد وتعرية العيوب وضعف الأداء في مفاصل الحياة العراقية السياسية والاجتماعية والمالية فان هناك من يبتكر الطرق ويلتف على شروط الديمقراطية والرأي الحر ليس لأنه اشد وطنية من غيره أو اشد غيرة على سلامة المجتمع من غيره بل لان الرقابة تسهل لذوي النفوس المريضة وأنصاف المثقفين والفنانين إزاحة الكفاءات المتميزة والفاعلة في المسرح العراقي ظهر المخبر السري ليعين الرقابة الأمنية في وأد التجارب المناوئة والمعارضة لكل ما هو فاسد وهزيل وما يشكل خطورة عليهم ويعري ضعفهم ولغرض تسليط الضوء وبشكل واضح وصريح سنتوقف عند عروض مسرحية كان للرقيب الأمني والمخبر السري دور كبير في محاولة تشويه وتحريف الخطاب المسرحي الذي تنطوي عليه ، لذا فإن للحديث تتمة!!

 

د. عواطف نعيم

http://www.almadapaper.net/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *