الحقيقة حين تكذب فى مهرجان للمسرح

 

 

 

 

« صياغة شعرية» تشبه تمام الشبه عبارة أخرى رائجة هى «رؤية» التى يلجأ إليها البعض للتدخل فى نصوصكبار كتاب المسرح وتشويهها باعتبار أن ذلك «رؤية». كل تلك المصطلحات وما شابهها لا تمثل فى واقع الأمر سوى حالة احتيال فنى وأخلاقى صريحة
حفزنى لمشاهدة عرض « قهوة بلدى» من بين عروض المهرجان القومى للمسرح المصرى أنه من إعداد وتنفيذ مجموعة من الشباب قدموا العرض على أرض مكشوفة بدار الأوبرا تحت لافتة «مسرح الميدان» باستغلال كل ما لكلمة الميدان من إيحاءات وتداعيات سياسية ثورية، كما قدمت الاعلانات العرض بصفته» ليلة شعرية غنائية تتناول هموم المجتمع المصرى وهموم المواطن فى إطار شعرى غنائى». حكما بظاهر الأمور نحن إذن أمام عرض مرتبط بالميدان وطابعه الجماهيرى وقضايا المجتمع. لماذا إذن يتم العرض داخل دار الأوبرا الوجيهة التى تؤمها النخبة وليس فى ميدان أو شارع؟. هذا عن مكان العرض وجمهوره الذى يتناقض مع توجه العرض المعلن وجمهوره المفترض. ومع ذلك ليست المشكلة فقط فى ذلك التناقض بين مكان العرض ورسالته، إذ يمتد التناقض إلى موضوع العرض وما يدعيه من بحث فى هموم المجتمع. وأول ما يفاجئنا فى الإعلان هو التعريف بالقائمين عليه. تقرأ: محمد عادل إخراج وصياغة شعرية. فما الذى تعنيه عبارة « صياغة شعرية» فى نص يعتمد فى قصائده كلها على نصوص شعراء العامية المصرية المكتوبة والتى لا تحتاج لأى صياغة شعرية؟ ما المفهوم الأدبى أو حتى الأخلاقى هنا لعبارة «صياغة شعرية»؟ ما الذى صاغه محمد عادل فى قصائد صلاح جاهين وبيرم التونسى وأحمد نجم وفؤاد حداد وبديع خيرى وغيرهم؟. وعبارة « صياغة شعرية» تشبه تمام الشبه عبارة أخرىرائجة هى «رؤية» التى يلجأ إليها البعض للتدخل فى نصوص كبار كتاب المسرح وتشويهها باعتبار أن ذلك «رؤية». كل تلك المصطلحات وما شابهها لا تمثل فى واقع الأمر سوى حالة احتيال فنى وأخلاقى صريحة، يتسلق بها البعض أكتاف نصوص الكتاب والشعراء الكبار. ولو أن العرض نجح فى تقديم شىء ما لغفرنا له كل ما سبق. فما الذى قدمه إلينا مخرج العرض وصاحب» صياغته الشعرية»؟ لا شىء سوى لعبة فنية تم اختبارها طويلا. لعبة الحقيقة حين تكذب! أو الكذب حين تجرى فى عروقه بعض من دماء الحقيقة! العجيب أن مخترعهذه اللعبة هو المسرح التجارى الذى أدرك من زمن بعيد أن انتشاره مرتبط بمغازلة هموم الجماهيروالتلويح الرخيص بقضاياها. وأشهر مثال على ذلك هو صيحة عادل إمام فى إحدى مسرحياته «الحمد لله كل حاجة رخيصة.. وكل شوية يقولوا لنا فكوا الحزام فكوا الحزام»! هو يلمس مشكلة الجماهير لكنه لا يضعها فى سياق، ولا يقترح لها حلا، هو فقط يقوم بالتنفيس عن غضب الناس من وضع اقتصادى لا أكثر. هذا ما قدمه عرض» قهوة بلدى» حين اختار مجموعة من القصائد الملحنة معظمها لأحمد نجم والشيخ إمام تفيض بالغضب، مثل «شيد قصورك ع المزارع.. واقفل زنازينك علينا»! ثم ماذا؟ إلى من نوجه هذا الغضب؟ لنظام مبارك؟ لفترة حكم الإخوان؟ للنظام الحالى؟!. لا يقول العرض شيئا لأنه وضع نصب عينيه فقط أن يقدم فتافيت الحقيقة ونثار الغضب من دون أن تجمع كل ذلك فكرة أو رؤية أو نسق يحول فتافيت الحقيقة إلى وجهة نظر تكسبها قيمة فكرية وفنية. بالرغم من كل هذا أود أن أتوجه بالتحية لأولئك الشباب وما أظهروه من مواهب وقدرات فى التمثيل والغناء خاصة فاطمة عادل. وأعتقد أن آخر ما تحتاجه هذه المواهب أن ندفعها إلى طريق الكذب الفنى

د-أحمد-الخميسى
http://www.dostor.org/


 

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *