فتحية العسال: كتبت مسرحية «نساء بلا أقنعة» داخل المعتقل وعارضت اتفاقية «كامب ديفيد»

 

 

أُلبست فتحية العسال الحياة فلبستها، ولكنها ظلت تعيد نحتها وتفصيلها، كل فترة وحين، لتعيد تشكيلها فتتلاءمان.. فقد كتب عليها الصراع، ذلك ما تفصح عنه حياتها المليئة بالصراع وفواكهه المتنوعة.. حرمت من الدراسة فتحدت القرار الأبوي وتعلمت بين جدران البيت وخلفها. منعت من الحديث في البيت، فتحدثت إلى البلد كله، والعالم العربي بأسره، وبلدان ترجمت إليها نصوصها. ولما شبت عن الطوق، لم تستطع سلطة سياسية منعها من الحديث: تؤدي الضريبة أياما وأشهرا من عمرها.. وتجني فاكهة الصراع نصوصا مدرجة بالحياة والصراع والتفاؤل باحتمالات الإصلاح والثورة..

هنا جزء من بوح فتحية العسال، ذات لقاء، لم ينشر من قبل.. وهو مرفوع إلى كل من أحب فعلها، واحتجاجاتها، وكتاباتها قبل كل شيء. 
*لو سألناك في البداية، كيف أتيت إلى الكتابة؟
*أتيت إلى الكتابة من خلال حدوتة صغيرة.. أيام الحب والغرام مع زوجي الحبيب عبد الله الطوخي، كنت كتبت إليه «جواب غرامي» وإذا بي أحوله إلى قصة. فهو قد أحس أنني أتمتع بموهبة الكتابة. فقال لي «اكتبي»، لكنني لم أكتب.. ومع الأيام، وأنا أُدَرس بمدرسة لمحو الأمية الخاصة بالنساء، جاءتني ذات يوم امرأة تبكي وتحكي لي حكايتها. حكايتها في حد ذاتها كانت قصة. لم يكن يومها التلفزيون قد دخل حياتنا. عدت إلى البيت وقلت لزوجي عبد الله جاءتني امرأة اليوم وقالت لي حكايتي هي كذا وكذا.. قال لي: «فتحية اكتبيها زي ما حكيتيها.. للإذاعة». وكان الأمر كذلك، فكتبت أول تمثيلية للإذاعة وعنوانها «بداية النهاية». فقد توصلت السيدة، التي جاءتني تبكي، بجواب من زوجها ولم تستطع قراءته فالتحقت بمدرسة محو الأمية حتى تصبح هناك صلة بينها وبين زوجها. وكان هذا العمل أول عمل لي بالإذاعة، وبعدها توالت الكتابات للإذاعة لمدة عشر سنوات.. 
*لو نسترجع معك الرسالة التي كتبتها للمبدع الراحل الأستاذ الطوخي؟
*كتبت له «أحبك» وكلام من هذا القبيل طبعا، وقد كانت لي فكرة أكتبها، وكنت ما زلت صغيرة السن: كان عمري أربع عشرة سنة. كتبت عن فنان يبحث عن الحقيقة، فنان يريد أن يرسم لوحة اسمها الحقيقة، ولم يعرف كيف ينجز تلك اللوحة.. ولهذا غادر زوجته وأبناءه ورحل.. رحل يطوف عبر العالم ليعثر على لوحة تعبر عن الحب والحقيقة. وظل كذلك حتى طاف العالم كله وعاد إلى بيته وهو زعلان وحزين لأنه لم يستطع أن يرسم اللوحة. ورآه أبناؤه وزوجته وهو يدخل من باب الحديقة فجروا نحوه واحتضنوه.. جرى الدمع في عيني زوجته وأبنائه. ولحظتها رأى اللوحة التي كان يريد رسمها أمام عينيه وعنوانها «الحب والحقيقة». ورسم اللوحة. وقد كانت هذه أول قصة كتبتها لزوجي. 
*ما الكتب التي قرأتها، ومن هم الكتاب الذين قرأت لهم بشغف خلال مرحلة التكوين؟ 
*يا حبيبي أنا لم أكن دخلت المدرسة، ولا تعلمت في المدرسة خالص. فأنا علمت نفسي بنفسي القراءة والكتابة.. فقد رفض والدي أن يأخذني إلى المدرسة لأن جسدي كان قد ظهرت عليه معالم الأنوثة مبكرا، وجاء عريس يخطبني وعمري عشر سنوات. فصاغ الوالد فرمانا بعدم خروجي إلى المدرسة. فلما لزمت البيت قررت أن أتعلم ما فاتني.. وقد حرمت من التعليم، إذاً سأعلم نفسي بنفسي. أقفلت باب الغرفة علي طيلة سنة كاملة تعلمت خلالها القراءة والكتابة. وكان أول شيء حرصت على تعلمه هو كتابة اسمي. 
*كأنك تسعين إلى اسستعادة هويتك عبر إثباتها..ومن هم الكتاب الذين قرأت لهم؟
*قرأت لآرثر ميلر، ولهيمنجواي.. وقد كانت أكبر رواية أثرت في هي رواية «الأم» لماكسيم غوركي. وقرأت كل ما كتبه تشيخوف. وكان من كتاب القصة القصيرة يومها طاهر لاشين. وكان المازني يكتب، وبعد فترة ظهر محفوظ ويوسف إدريس.. وقد قرأت لكل الكتاب الذين ظهروا وكانوا يظهرون يومها.. وخلال قراءاتي تلك عشقت المسرح. فكنت أقرأ لنعمان عاشور في المسرح، ولمسرحيين عالميين. 
وفي هذه الفترة، كنت أكتب قصص الستات اللي حَوَلَيَّ. فلم أكن أذهب إلى المدرسة، وأنا ممنوعة من الخروج، لذلك كنت أجلس إلى عمتي وخالتي وستي وأختي.. وكل واحدة منهن لها قصة. فبدأت أكتب قصة كل واحدة، طبعا بلغة بسيطة جدا. تعلمت القراءة والكتابة بالعافية، ومع ذلك، لما كتبت أول جواب لزوجي، وأحس بما يعتمل من حب في صدري، وكنا بدأنا نحب بعضنا، وأحس بذلك وقال: «البنت ذي مش معقولة، ذي مادخلتش مدرسة وقادرة تكتب كده؟». ولما جاء وخطبني الأستاذ عبد الله الطوخي الكاتب الكبير.. بدأنا نجلس معا للقراءة، وبدأنا بقراءة سلامة موسى، وجبران وكل الكبار.. وقد صنع الحب منا توأمة روحية تسمح لنا أن نقرأ معا.. وبدأ هو يكتب، وعندما يكتب لم يكن يبعث نصوصه للنشر إلا بعد أن أقرأها وأبدي رأيي فيها.. وحين يقتنع برأي لي فهو يعيد الكتابة، وكان يقول لي «يا معذبتي»، [ضاحكة] «لأنك تفرضي علي إعادة الكتابة من جديد».. ولهذا أخذت الكتابة عندي أشكالا متعددة. وبعد أن كتبت للإذاعة، بدا أمرا غريبا أن أكتب للمسرح. وقد كتبت أول مسرحية سنة (1969)، وكنت أول امرأة تكتب مسرحية من ثلاثة فصول في مصر. وعرضت المسرحية على المسرح القومي، ومسرح السيد درويش، وأثارت ضجة كبيرة لأن كاتبة المسرحية امرأة، والمسرحية من ثلاثة فصول.. وكتب النقاد وقالوا إن لغة الإذاعة مسيطرة على لغة المسرح. وأنا عاشقة للمسرح، فأخذت قرارا بأن لا أكتب للإذاعة إطلاقا، وأكتب فقط للمسرح. 
*لو عدنا للقصة الأولى التي كتبتها «بداية النهاية»، كيف تم تحويل هذه القصة من اللغة العامية التي حكت بها السيدة إلى نص آخر بلغة مغايرة؟
*هذه هي الدراما الإذاعية، فهذه الدراما تقوم على حدوثة، ولما كتبتها لم أكن واثقة من أنها «حلوة ولا لأ». فقد قلت لصديق عمرنا الشاعر الكبير صلاح جاهين: «يا صلاح خذ، اقرأ هذه التمثيلية». فلما قرأها قال لي: «يا فتحية، هذا أجمل حوار قرأته في حياتي». وأشار علي باسم المخرج مصطفى أبو حطب وقال لي «روحي لو، وقولي له إن صلاح جاهين قرأها ويقول لك رائعة». أخذها المخرج، واشتغل عليها طيلة يومين، ودعاني في اليوم الثالث لأحضر التسجيل. ذهبت لأحضر التسجيل ففوجئت بحضور عظماء القوم، في عالم التمثيل والشاشة يومها: حسين رياض، وتوفيق الدقن، وتحية كريوكا، وصلاح سرحان وأخوه محسن سرحان، وملك الجمل.. وانذهلت.. لأن الإذاعة يومها كانت متربعة على عرش الدراما في مصر.. ولا وجود للتلفزيون يومها. وبعد ذلك بأسبوع واحد كتبت تمثيلية ثانية وتركز على الحكاية. وأنت تعرف أن الشعب المصري هو الشعب الذي تربى على «ألف ليلة وليلة» ويهوى الحواديث. وتعلمت أن أكتب له الحدوثة. وظللت أكتب الدراما الإذاعية طيلة عشر سنوات وتقوم على الحوار الشعبي..
*الحوار الشعبي في مصر تم تطويعه جيدا.. هل لأن هناك تراثا ظل يغتني منذ القرن التاسع عشر على يد شعراء شعبيين كبار اعتبروا روادا في هذا المجال (النديم، وبيرم…) وهم من دلل صعاب خوض مغامرة الحوار الشعبي؟
*طبعا. وأنا تتلمذت على أيديهم جميعا. وقلت لك أنا أحب السيرة الشعبية، وكنت أقرأ السيرة الشعبية. وكتبت تمثيلية اسمها «حسن الزوق»، وأنا أقرأ كتابا عن السير الشعبية عثرت على قصة حسن الزوق.. ثم كتبت مسلسل عنوانه «بدر البدور والباب المسحور» عمن؟ عن سندريلا لما دخلت القصر.. عملت إيه؟
*هذا التراث الشعبي الذي تستلهمينه، وهو جزء من الثقافة الشعبية المصرية.. يذكر بمبدع كبير أشرتِ إليه وهو نعمان عاشور، فهل كان له تأثير ما في كتاباتك؟ 
*طبعا تأثرت بنعمان عاشور.. وكان يوسف إدريس في الفترة ذاتها يكتب المسرح، وسعد وهبة أيضا، وأحمد باكثير يكتب المسرح.. وقد استلهمت من هؤلاء جميعا. وقد كانت قراءاتي كلها مرتبطة بالمسرح، بتاريخ التعبير الشعبي المصري، وبالأمثلة الشعبية. وقد استمررت في الكتابة على هذا المنوال إلى أن حصلت النكسة.. 
*ما أثر هذه النكسة عليك وفي كتاباتك، يا فتحية؟
*أثرها علي أنني كتبت أول تمثيلية للتلفزيون، وكان عنوانها «حبال من حرير»، عن الأم التي تتحول عواطفها إلى الحبال ولكنها من حرير. وتمنع ابنها من الخروج للمقاومة. وفي الأخير يقول لها ابنها: «يا أمي، طول ما فيه خطر بره، ما فيش أمان ﮔـوه، وأنا لازم أخرج للمقاومة». فقد كنت ضد الانسحاب أيام (1967). وكانت هذه أول تمثيلية كتبتها للتلفزيون. وكتبت ثاني مسرحية وكان اسمها «نساء بلا أقنعة»، ولما كانت هذه المسرحية تُعرض وكانت تجري عليها البروفات، وأنا كنت ضد عملية «كامب ديفيد» والمعاهدة، وكنت أوزع منشورات قبض علي ودخلت المعتقل. وعرضت مسرحيتي على مسرح السلام في مصر. وأنا في المعتقل بسجن القناطر، كتبت مسرحية اسمها «سجن النساء». ولما غادرت السجن عرضت المسرحية على المسرح القومي وأنت تعرف أن المسرح القومي هو أكبر مسرح في مصر. 
*نتوقف عند حدث اعتقالك، كم دامت مدة الضيافة الكريمة داخل السجن؟
*[ضاحكة]، ذا سؤال محرج جدا، أنا دخلت السجن تسع مرات، انطلاقا منذ سنة (1953). فقد قبض على زوجي لأول مرة، ودخل هو المعتقل فكنت أتظاهر ليفرجوا عنه، فكانوا يقبضون علي وأخرج وأنظم مظاهرات مرة أخرى فيقبض علي من جديد، ثم تعلن الأحكام العرفية سنة (1954)، وأرفضها، وأخرج في مظاهرات ضدها وللمطالبة بالديمقراطية فيقبض علي للمرة الثالثة.. لدرجة أنه قبض علي مرة وأنا حامل بابني.. وقد حدثت حدوثة ظريفة أحكيها لك. كنت أريد أن أخرج من السجن، وقد تم اعتقالنا سِتات ورجالة في زنزانة واحدة. فقلت للمعتقلين جميعا: «أنا سأهتف وأنتم تردون علي». فهتفت وقلت: «أريد أن أَوْلِدْ، أريد أن أولد». [ضاحكة]، فبدأ كل المعتقلين يهتفون معي: «أريد أن أولد..» وابني هذا الذي اعتقل معي وهو في بطني وبقينا بتخشيبة القسم، اعتقل معي مرة أخرى وكان عمره سبعة أو ثمانية أشهر.. وبقينا هناك معا طيلة أربعة عشر يوما في زنزانة اسمها المطرية. وكان سبب الاعتقال هو التعبير عن الرأي. والتعبير عن الرأي، وحرية الكلمة، وحرية الإبداع تشكل العمود الفقري لحياتي، وكان الثمن أن أدخل السجن.. والمرة الأخيرة التي كتبت خلالها المسرحيتين المشار إليهما، دام الاعتقال أربعة أو خمسة أشهر.. 
*الانتقال من الكتابة للإذاعة ثم المسرح فالتلفزيون بعد النكسة.. كيف يتم تشغيل وتغيير أدوات الكتابة، والإشارات المسرحية من مجال إلى آخر..
*أقول لك يا سيدي.. كان الوزير ثروت عكاشة قد أنشأ معهد كتاب السيناريو. وأنا لم أدخل المدرسة أبدا. فدخلت إلى هذا المعهد. وتعلمت أبجديات كتابة السيناريو. وقد تفوقت في التعلم والدراسة. تلك كانت الوسيلة، يضاف إلى ذلك أن دريني خشبة قد ترجم في المسرح ترجمات كثيرة جدا، منها كيف تكتب المسرح، وكيف تكتب السيناريو.. وكنت أستلهم تعلمي لكتابة الدراما من هذه الكتب.. كل ما تعلمته كان بجهدي الخاص.. وحتى الآن، ما أزال أجتهد..
*وقد تعلمت كتابة المسرح بجهد خاص، فهل تشكلت لديك «صيغة ذهبية» لكتابة السيناريو، بعد كل التراكم الذي حققته؟ 
*تقصد صيغة من زاوية المضمون؟ أنا يهمني المضمون أكثر.. لذلك كتبت مسلسل «والحب أقوى» قدمت فيه بانوراما لمشاكل مصر كلها من خلال عمل محامية. وأرى من خلاله أن مشاكلنا يمكن أن تحل إنسانيا وبالحب أو قد يحل جزء منها على الأقل. تعرف أنه يصعب على المرأة، الزوجة والأم، أن تدخل إلى المحكمة لتشكو بالزوج، الذي هو الأب. ويرى الأبناء أباهم وأمهم في المحكمة. وأنا أقول في هذا العمل إن هناك أشياء كثيرة يكون الحب أقوى فيها وقد يضع حدا لصراع يفترض فيه أن لا يقع، ويجب أن يحسم من دون أن يشاع أمره.. وكانت محاميتي البطلة في المسلسل لا تقبل إلا قضايا المظلومين وترفض المرافعة في قضايا فئة المجرمين.. 
*ننتقل إلى مرحلة أخرى مهمة من حياتك، مرحلة السيرة الذاتية..
*[ضاحكة ومقاطعة].. أيوه، شوف يا سيدي أنا عشت مع زوجي خمسين سنة. وكانت قصة حب كبيرة جدا جمعت بيننا، ولكن توقفنا في وسط الطريق وحصل بيننا خلاف جذري: فقد كنت ضد كامب ديفيد، وهو كان معه.. وقد أثر هذا الموقف على حياتنا الشخصية، ووصلنا إلى الطلاق، ولكننا عدنا إلى الحياة الزوجية بعد ثلاث سنوات. كانت هذه التجربة صعبة، صعبة جدا. فلي أربعة أولاد وثلاثة عشر حفيدا. وعبد الله الطوخي حبيب عمري، وأنا أحبه.. ولكن اختلفنا فكريا في السياسة فأثر ذلك على علاقتنا الإنسانية. ولما عدنا إلى بعضنا، بعد فترة الطلاق، وكنت ذات مرة أحكي له عن طفولتي، فقال لي: «يا ريث تكتبي مذكراتك». هي كلمة واحدة. فقلت له: «أوعدك أني سأكتبها. وسأكتب لك الإهداء: «إلى من تحملني بحلوي وبمري. إلى حبيب عمري عبد الله الطوخي». وكتبت له الإهداء قبل أن أكتب السيرة. فلما مات كان وقع الرحيل صعبا علي كثيرا. وكان ألح علي أن أكتب سيرتي قبل أن يموت بيومين.. وتذكرت ما قاله لي: «اكتبي سيرتك الذاتية». وكانت ابنتي الفنانة الممثلة صفاء الطوخي صغيرة السن، ومن كثرة ما كنت أحكي عن الطفولة وحرماني من التعليم، قالت لي هي أيضا: «يا ماما أكتبي سيرتك الذاتية». ولما قررت الجلوس لكتابة سيرتي الذاتية، لاحظت أن أول حدث يجب أن أعبر عنه هو يوم طلاقي. ويوم الطلاق هذا بالرغم من قسوته، وبالرغم من أنني عشت الطلاق بكل عذابه، فهو كان الحجر الأساس لعلاقة امتدت بعده خمس عشرة سنة جديدة. هي أجمل سنين العمر. وأجمل ما في هذه السنوات أننا، عبد الله وأنا، قد فصل بيننا الطلاق لكننا بقينا أصدقاء. فقد كان يحكي لي عن معاناته من الفراق والحياة، وأنا أحكي له عن معاناتي من الفراق والحياة. لكن كل واحد منا ظل ملتزما بموقفه ولم يحذ عنه. وبعد مدة معينة بدأ يحصل بيننا بعض التفاهم، وبدأنا نتفق حول بعض الموضوعات. وكنت أنا التي اعترفت له بأنني حمقاء، وأنني لم أكن أحتمل نقده لي، وأنني كنت أتصرف في رفض ذلك بعنف. فبدأ يحكي لي عن إحساسه من يوم زواجنا أنه كان يحس أنني ابنته. فابنته هذه يجب أن تسمع كلامه. فلم لا أسمع كلامه؟ [ضاحكة]. فبدأ التفاهم يخيم على لقاءاتنا. بدأنا نتفاهم، نتفاهم.. وذات ليلة قمرية، جلسنا في الهواء الطلق الجميل، فانتبهت إليه يقول لي: «فتحية، ممكن أشكرك؟».قلت له: «على إيه يا عبد لله». قال لي: «علمتيني إزاي ما أملكيش.لأن الملكية صعبة. وملكية لشخصية زي شخصيتك أصعب». قلت له: «إنت مش حاسس دل الوقت بحكاية بنتي وأنك تخاف علي». قال لي: «إطلاقا، ومعجب جدا بشخصيتك». نسيت أقول لك أننا لما كنا مطلقين دخلت السجن، وبدأ يزورني بالرغم من معارضتي لكامب ديفيد. وظل يزورني من دون انقطاع. قلت له:»إنت مُتَحَمِّلْ هذه الشخصية؟» قال: «وبحترمها وأقدرها وبحبها». فقلت له: «الساعة كم؟» [ضاحكة]. قال لي: «الساعة اثنا عشر وربع». قلت له: «بتجوزني يا عبد الله؟» [ضاحكة من الأعماق]. فقبل يدي، وقبلت يده. وذهبنا إلى المأذون، وكانت الساعة الثالثة صباحا.. وهكذا عدنا للزواج بعد ثلاث سنوات من الطلاق. والكلام الذي أحكيه لك الآن ستجدني قد كتبته في سيرتي الذاتية «حضن العمر». وقد كتبه عبد الله في سيرته الذاتية «سنين الحب والسجن» أيضا.
٭ كاتب وأكاديمي مغربي ـ صديق الراحلة 
(jadoskaya@gmail.com)

عبد العزيز جدير

http://www.alquds.co.uk/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *