حقوق الرجال.. تقنية السخرية لإيصال المتعةِ في خطاب العرض المسرحي

 

الكوميديا النقدية الساخرة في مفرداتها تختزن طاقة هائلة من التأثير، مايجعلها تبعث متعة خاصة لدى المتلقي، دعائمها تنهض على كشف وتعرية متناقضات تتعايش داخل المجتمع في صور شتى، منها ماهو ظاهر ومنها ماهو مستتر، وعندما يكتمل حضور عناصرها الفنية في بنية العرض المسرحي تنجح في تحقيق أثر عميق ومباشر لدى المتلقي، وكلما كانت موضوعة العرض تحمل في داخلها تقاطعات وتداخلات ذات بعد إشكالي كلما جاءت النتيجة النهائية بالغة التأثير من الناحيتين الذهنية والعاطفية ، كما هو الحال مع قضية حقوق المرأة في مجتمعاتنا الشرقية ، فهذه المسألة مازالت بما تحمله من تعقيدات مبعثها أعراف وتقاليد وطقوس دينية واجتماعية ، تأخذ صفة التقديس والتمجيد وتشكل في مجملها ملامح مجتمعاتنا الشرقية كل هذا يجعلها تملك ثقلاً مهماً في مساحة الصراعات القائمة رغم ما تحقق من متغيرات في إطار حقوق الانسان ، سواء على المستوى الدولي أو داخل مجتمعاتنا ، خاصة بعد ارتفاع أعداد المتعلمين من كلا الجنسين ، كذلك اتساع مشاركة المرأة في الحياة العامة والوعي بحقوقها.

تأليف واخراج:رفيق نوري حنّا
مكان العرض:قاعة ميديا/اربيل
تاريخ العرض:27 /3/ 2014  
انتاج : مديرية المسارح في أربيل ، بالتعاون مع منتدى عنكاوا للفنون.

وعليه ليس جديدا عندما نقول بأن المعالجة الفنية بشكلها الفني الساخر طالما لجأ إليها الكتاب والمسرحيون منذ البواكير الأولى لنشوء الظاهرة المسرحية أيام الإغريق قبل الميلاد بأكثر من 500 عام ، واستمر هذا الفهم والتفهّم القيمي المتبادل ما بين الجمهور والعرض المسرحي للمعالجات الفنية التي تفكك شكل القضية الواقعية المطروحة ، ليتم تقديمها بشكل آخر حسب ما تفترضه مخيلة المخرج ، وقد ينجح أو يفشل في معالجته ، وهذا يعود الى جملة من العوامل، منها ما يتعلق بشخصية المخرج ذاته ــ ثقافةً وتجربةً وموهبةً ــ ومنها ما يتعلق بالظروف الموضوعية التي ترافق وتحيط بالانتاج ، وعادة ماتتألف من عناصر بشرية ومفردات انتاجية متنوعة ، وهنا ، لا  يشكل توفر العامل المادي وضخامته ، شرطاً أساسيا لنجاح العمل على الرغم من أهميته الكبيرة لتوفير أرضية مادية صلبة يقف عليها الانتاج ، بينما في مقابل ذلك ، يبقى الشرط الأساسي للنجاح مرتبطا بشخصية خالق العرض ، بما يمتلكه من مؤهلات ذاتية سبق أن اشرنا إليها. 
الكوميديا إطاراً للمعالجة 
العرض المسرحي المعنون(حقوق الرجال)للمؤلف والمخرج رفيق نوري حنّا، يأتي ضمن ما أشرنا إليه، بعد أن لجأ الى الكوميديا في معالجته لقضية حقوق المرأة، وشاء أن يكون طرحه لها، ضمن اشتراطات الفن المسرحي بكل مايتيحه من افاق واسعة في الرؤية الفنية والمعالجة الاخراجية.
ابتدأ نوري مشروعه المسرحي ــ الذي أراد من خلاله أن ينصف المرأة بعتبة عنوانٍ صَادمٍ وساخرٍ في آن واحد : (حقوق الرجال) وضعه أمام المتلقي قبل أن يشاهد العرض، ليأخذه مُسبقا وقبل دخول الصالة الى فضاء درامي مُفارقٍ من حيث الدلالةِ لِما هو راسخٌ في قناعاتهِ، من قيم وثوابت أخلاقية، كان وما يزال المجتمع حريصا على تكريسها في  تقاليده وقوانينه واعرافه، مِن خلالها يضع حقوق الرجل في مكانة عليا، مقارنة مع حقوق المرأة، وليس من السهل على القوى المجتمعية بكل فعاليتها ــ رغم كل الجهود التي تبذلها منذ عقود ــ  زحزحتها عن  مكانها التقليدي، سعياً منها لتحقيق توازن معقول ومنصف ما بين المرأة والرجل . 
شكل العرض
مفردات المعالجة الفنية التي اعتمدها المؤلف والمخرج رفيق نوري حنّا لم تكن تتوسل الإبهارَ في إطار شكلانية العرض، لذا جاءت أدوات مشغولاته، بسيطة، انحصرت بعدد محدود من دلالات واقعيةٍ، أخذت في سياقها العام بعداً رمزيا ً طغى على مدلولها الوظيفي، كما هو الحال في الشبكة التي شكلت حاجزا ما بين عالمين: الواقع والحلم، اضافة الى قطع اثاث أخرى ــ كراسي، مناضد، مكعباتٍ بمستوياتٍ مختلفة  ـ  تم التعامل مع مدلولاتها الواقعية، وفقاً لما يقتضيه الشغل المسرحي، وليس وفقاً لمنطوق الإزاحة في وظيفة الدلالة. وهذا يعود إلى أن المؤلف والمخرج رفيق نوري حنّا ، مُدركٌ وفي إطار اللعبة المسرحية أنَّ خيار الكوميديا الاجتماعية بشكلها النقدي الساخريتيح لخالق العرض مساحة من الحرية تجعله في موضعٍ لايُثقلُ الفضاء الدرامي بعلامات سينوكرافية معبأةٍ بمستويات وطبقات متراكبة ومتشظية المَداليل والتأويلات عادة مايُعوَّلُ على مفرداتها في عروض أخرى غير المسرحيات الكوميدية النقدية الساخرة لإيصال شفرات الخطاب المسرحي، على العكس مما هو الحال في هذا العرض، حيث يقف الممثل إلى جانب الحوار ليشكلا نقطة ارتكازٍ انطلق منها المخرج في بناء الفضاء الدرامي. 
بنية النص
إعتاد رفيق نوري أن يعتمد على ذاته في كتابة نصوص العروض التي يقدمها، وهذا ما أعطى لتركيبة الجُمَلْ في حواراته ــ وفقا لخبرته العملية في الاخراج ــ  قصيرة وموجزة، مبتعدا بذلك عن الجمل الطويلة التي لاتساهم في تطوّر الفعل الدرامي، سواء لدى الممثل أوالمشهد في آن واحد.
المخرج رفيق نوري حالفه التوفيق في معالجتة الفنية التي تناول من خلالها طرح قضية حقوق المرأة عندما ارتكز في رؤيته على عنصر المفارقة، مُستعيراً هذه الآلية من تقنية التغريب في المسرح الملحمي، ليعكس بذلك على الخشبة  كل الوظائف التي يمارسها الرجال والنساء في الحياة الواقعية، وفقا لما تفرضه الأعراف والتقاليد التي تعارف وتآلف عليها المجتمع البشري، انطلاقا من فروقات بيولوجية وفسلجية تفصل ما بين الاثنين، وبتعاكس الأدوار التي اصبح عليها الرجال والنساء وما نتج عن ذلك من مفارقات كوميدية، تمكن العرض من إيصال شفرات رسالته بما تحمله من أسئلة تتوخى الوصول الى مناخ يعيد تنظيم وترتيب العلاقة ما بين الرجل والمرأة بالشكل الذي يحفظ لكليهما المكانة الذي يستحقها من غير أن يكون ذلك على حساب انتهاك حق الآخر وتدمير مكانته .
القدرات الأدائية للممثلين
فيما يتعلق بأداء الممثلين،لايمكن تجاهل أهمية أن تتواجد خمسة عناصر نسائية على خشبة المسرح طيلة زمن العرض الذي يصل الى 90 دقيقة(خرمان ابراهيم، بلور محمودي، ميزوو جاهد، جنورمحمودي، سلامةكوركيس، هيمن هيوا)عِلماً ان جميعهن في مقتبل العمر، ولايمتلكن تجارب طويلة في الوقوف على الخشبة، إلاّ أن حضورهن كان جميلاً ،خاصة وأنّ حركتهن اتسمت بالاسترخاء بالشكل الذي يتوافق تماما مع مناخ العرض بشكله الكوميدي.
اما العنصر الرجالي من الممثلين(كوفار انور، نوزاد خانقيني، محمد مهدي)فيمكن التوقف بإعجاب أمام قدرات الممثل كوفار انور الذي اثبت في أكثر من عرض مسرحي سبق أن شارك فيه، امتلاكه موهبة فطرية عالية في التمثيل، تؤهله لأنْ يكون نجما كوميدياً مميزاً، نظراً لما يمتلكه من عفويةٍ واسترخاءٍ ورشاقةٍ في حركته على الخشبة، رغم وزنه الثقيل الذي يصل الى اكثر من 150 كيلو غراما!. ايضا جاءت قدرات الممثل نوزاد خانقيني الادائية موفقة في تجسيد تحولاته ما بين شخصيتي الرجل والمرأة. كما تمكن الممثل محمد مهدي في تقديم شخصية  الشاب راكب الدراجة بشكل لطيف وكان وقع حضوره خفيفا على الجمهور، أمّا فيما يتعلق بالممثل الشاب هيمن هيوا سعاد، فعلى الرغم من قصر مساحة الشخصية التي لعبها إلاّ أنه حاول أن يترك انطباعا مقبولا.

 

مروان ياسين الدليمي

http://www.almadapaper.net/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *