مسرحية ‘زواج فيغارو’ السورية: لماذا الكوميديا الآن وهنا

 

أثارت مسرحية “زواج فيغارو” لبيير بومارشية الكثير من الجدل حين عرضت أول مرة في فيينا عام 1786، حيث منعت في البداية ثم تمكن كل من موزارت (تأليف موسيقي) وديبونتي (نصوص الأوبرا)، من الحصول على الترخيص لعرضها في شكل أوبرا للحديث عن الأرستقراطية الإسبانية وعلاقتها بالرعيّة.

هذه زيارة بومارشية الثانية لدمشق، الأولى عام 2010، واليوم عام 2014، على خشبة مسرح سعدالله ونوس (المسرح الدائري)، حيث يستعيد المخرج سمير عثمان “زواج فيغارو” بصيغة جديدة، إذ يقدم مسرحية كوميدية بحتة في ظل ما تشهده سوريا.

عمد عثمان في عرضه على تغييب الجانب السياسي من المسرحية، التي تناقش العلاقة مع السلطة وبالأخص حق الكونت بالليلة الأولى مع خطيبة كل من يريد الزواج من رعاياه، واعتمد في مقاربته على الكوميديا فحسب، متجنبا الصراع السياسي، وجعل فيغارو يبحث عن سبب للزواج فقط، بعيدا عن رغبته في تحدّي السلطة القائمة، فالمكائد والدسائس هي سبيله للوصول إلى ما يريد، فتحوّل فيغارو إلى شاب شبق لا يهمه غير حبيبته، والكونت ظالم فقط لأنه يريد سوزانا -خطيبة فيغارو- لا لأنه مستبدّ.

بالرغم من احتفاظ العرض بالمفارقات الكوميدية والألاعيب اللغوية، إلا أنها لم تتجاوز هدف الإضحاك، محاولا تجنب ما يمكن أن يحمله خطاب المسرحية من دلالات أعمق متمثلة في تحدّي السلطة السياسية، وفساد السلطة القضائية التي سيّرها الكونت لخدمة مصالحه، والظلم الذي تمارسه السلطة للوصول إلى أهداف شخصية متمثلة في حصول الكونت على النساء وتغطية خياناته للكونتيسا مع كل من تقع عينه عليها.

بعكس العديد من العروض التي قدّمت خلال الفترة الأخيرة في سوريا فقد قدّم الممثلون أداء متميّزا بعيدا عن الابتذال، مما جعل العرض ينال جماهيرية واسعة، حيث مدّدت أيام العرض بسبب الإقبال عليه، فالإضحاك كان عفويا، مرتبطا باللحظة التي يتمكن فيها الممثلون من امتلاكها، بالإضافة إلى المونولوجات الموجهة نحو الجمهور والتي جعلتها جزءا من العرض، بوصفها شواهد على المؤامرات التي تحاك أو على المحكمة في أحد المشاهد.

أداء متميز

أبرز كلّ من إيهاب شعبان “فيغارو” ولجين إسماعيل “الكونت” قدرتهما على أن يكونا بطرفي نقيض، دون الوقوع في عقبة الصراخ أو المبالغة، فالكونت مليء بالثقة والثبات أمام ما يحاك أمامه، وفيغارو يمتلك الحنكة اللازمة للوصول إلى هدفه، في حين كان لفارس ياغي “كيروبينو” القدرة على تأدية دور المشحون جنسيا بعيدا عن الإسفاف، بالإضافة إلى التنكر في زي امرأة بصورة مقنعة.

العرض قدم أداء متميزا إلا أنه ابتعد عن الجانب السياسي واقتصر على الكوميديا

أما أنطوان شهيد فقد لعب شخصيتين -الموسيقي بازيل والقاضي كانشيو- مبرزا قدرته على التحكم في صوته وجسده. في حين أن الحضور الأنثوي ضمن العرض أثبت قدرة الممثلات على تحقيق التوازن أمام حضور الذكور فكل من كندة حميدان وتوليب حمودة وريم حصوة، قدمن شخصيات متماسكة تعكس أبعاد الشخصية بصورة مقنعة دراميا، إلى جانب كل ذلك تفرّد جان دحدوح بتقديم شخصية الفلاح السكّير “أنطونيو” والتي جعلته الأكثر تميزا بالرغم من قصر الدور المسند إليه.

فضاء فقير

البهرجة البصرية وغنى الديكور والسينوغرافيا لم تكن موجودة، العرض كان يفتقر إليها، حيث اعتمد سمير عثمان في رؤيته على بساطة الفضاء والابتعاد عن التكلف، لاجئا إلى ما هو وظيفي فقط بعيدا عن الصيغة الجمالية التي يمكن أن توظف في مثل هذه العروض، بالإضافة إلى الإضاءة التي كانت بسيطة ولم تقدّم معنى جديدا.

فالفضاء كان شرطيا ويعتمد السرد على لسان الشخصيات بعيدا عن العناصر البصرية التي يمكن أن تتوافر على الخشبة، لكن يذكر الاستفادة من شكل المسرح والشرفات التي يحويها في سبيل تقديم صيغ تلقى مغايرة في بعض المشاهد – مشهد المحاكمة- حيث تتحدد العلاقة بين الشخصيات حسب تواجدهما في المكان سواء في الأعلى أو الأسفل.

 

عمار المأمون

http://www.alarabonline.org/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *