شكسبير.. خادم المسرح وسيده

 

يعد وليم شكسبير، هو الأديب الإنجليزي الأشهر على مر التاريخ، كما يعد من أبرز كُتّاب المسرح على الإطلاق، إذ تتكون أعماله من 38 مسرحية و158 سونيته واثنين من القصص الشعرية إضافة إلى بعض القصائد الشعرية، وقد ترجمت مسرحياته إلى كل اللغات الحية، وقدمت على جميع مسارح العالم.
أنتج شكسبير أشهر أعماله بين ١٥٨٩ و١٦١٣ حيث كانت مسرحياته الأولى بشكل عام كوميدية وتاريخية وقد تميزت بالتعقيد والحبكة الفنية وبحلول نهاية القرن ١٦ كتب العديد من التراجيديا المتميزة منها الملك لير وهاملت وعطيل وماكبث وقد اعتبرها بعض النقاد من افضل الأعمال التي كتبت باللغة الانجليزية على الإطلاق.
وقد احتُرم شكسبير بشكل كبير جدًا في حياته كشاعر وكاتب وإنسان، ولكنه لم يصل بحال من الأحوال إلى القمة التي وصل لها اسمه وأعماله في الوقت الحالي، فأعمال ومسرحيات شكسبير لا تزال تتمتع بشعبية كبيرة حتى اليوم وتتم بشكل مستمر دراستها وتنفيذها وإعادة تفسيرها في مختلف السياقات الثقافية والسياسية في جميع انحاء العالم.
ولد شكسبير في سنة 1564 وكان ترتيبه الثالث بين أخوته وكما تذكر بعض الروايات أن والدة رباه لبعض الوقت في إحدى المدارس المجانية ولكن سوء ظروفه وحاجته إلى مساعدة ابنه له في موطنه أجبرتاه على سحب ابنه من المدرسة وعلي الرغم من ذلك تعلم شكسبير القليل من اللاتينية التي استخدمها في بعض رواياته وفي 27 نوفمبر 1582 عندما كان في سن الثامنة عشرة، حصل هو وآن هاثاواي، وكانت هي نحو الخامسة والعشرين، على إذن بالزواج، وفي مايو 1583، أي بعد زواجهما بستة أشهر، ولدت لهما طفلة أسمياها سوزانا، وأنجبت آن فيما بعد للشاعر توأمين هما هامنت وجوديث.

من خادم بالمسرح إلى ملك على عرشه
بدأ شكسبير – كما تروي بعض القصص- في المسرح كخادم في مرتبة ضعيفة جدًا ولكن صدره كان يجيش بأشد الطموح “يتلهف على فن هذا ومقدرة ذاك، دون أن ينصرف تفكيره إلى شيء سوى الجلال والعظمة، وسرعان ما كان يمثل أدوارًا صغيرة، جاعلًا من نفسه متعة وبهجة للنظر، ثم مثل دور “آدم الشفوق” في رواية “على هواك” والشبح في هملتوربما ثم صعد إلى مرتبة أعلى لأن اسمه تصدر قائمة الممثلين في رواية جونسون” Everyman In His Humour “، وفي أواخر 1594أصبح مساهمًا في فرقة تشمبرلين للممثلين، ولم يكسب ثروته من كونه كاتبًا مسرحيًا، بل لكونه ممثلًا ومساهمًا في فرقة مسرحي..
بدأ شكسبير حياته الأدبية “طبيبًا للرواية” يعالجها ويفحصها فحرر المخطوطات ونقحها وكيفها للفرقة، وانتقل من مثل هذا العمل إلى الاشتراك في التأليف، وإن الأجزاء الثلاثة من “هنري السادس” (1592) لتبدو أنها من مثل هذا الإنتاج المشترك، وبعد ذلك كتب روايات بمعدل اثنتين كل عام، حتى بلغت جملتها ستًا وثلاثين أو ثماني وثلاثين رواية كما أن عدد من رواياته الأولى هزلية مليئة بالمزاح المرهق لنا الآن، وإنه لمن الدروس المفيدة أن نعلم أن شكسبير صعد سلم المجد بالعمل الشاق والجهد المضنى، ولكن الصعود كان سريعًا، وأوحت إليه رواية مارلو “إدوارد الثاني” أن يلتمس في التاريخ الإنجليزي أفكارًا لموضوعات مسرحية كثيرة وضارعت رواية “ريتشارد الثاني” (1595) رواية مارلو، أما رواية “ريتشارد الثالث” (1592) فكانت بالفعل قد غلبتها.

حكم بالإعدام
لقد تأثر شكسبير في بعض كتاباته بالأحداث الواقعية التي كانت تمر بها إنجلترا في ذلك الوقت، فيذكر أن طبيب الملكة اليهودي ردريجو لوبيز، حكم عليه بالإعدام لقبوله الرشوة لدس السم للمكلة إليزابيث، ورغم شكوك إليزابيث وانتظارها طويلًا قبل تنفيذ حكم الإعدام إلا أن عامة الشعب الإنجليزي أتخذ الواقعة على أنها أمر مسلم به، ومن هنا جاءت رواية شكسبير تاجر البندقية التي صور فيها اليهود بصورتهم الواقعية والتي تعتبر أبشع صورة لتاجر يقرض بالربا وينتظر الفرصة للانتقام من الآخرين والقضاء عليهم.
فقد أظهر شكسبير براعته في أن يؤلف صورة متناسقة الأجزاء من خيوط مختلفة من قصص جاءت من الشرق ومن إيطاليا، كما انصرف شكسبير طيلة أعوام خمسة إلى الملهاة بصفة أساسية، وربما أدرك أن الجنس البشري المنهوك يختص بأسخى جوائزه أولئك الذين يستطيعون إلهاءه بالضحك والخيال، فقدم رواية “حلم منتصف ليلة صيف” ورواية “أسمع جعجعة ولا أرى طحنًا” ورواية “الليلة الثانية عشرة” و”ترويض الشرسة” وهي رواية زاخرة بمرح صاخب بشكل لا يصدق، اراد أن يقول من خلالها من المستحيل ترويض النساء ذوات الألسنة السليطة، هذه الرايات كلها كانت إنتاجًا لمجرد كسب المال، وإرضاء جمهور الدرجة الثالثة، ولكن بجزئي “هنري الرابع” صعد الساحر العظيم ثانية إلى القمة، وجمع بين المهرجين والأمراء وتابع شكسبير العمل فأخرج “هنري الخامس” يهز بها مشاعر المشاهدين ويسليهم في نفس الوقت.

كوميديا سوداء
يتفرد شكسبير بحالات خاصه تميزه دون غيره من الكتاب فأشد المآسي قسوة في أعماله لا تخلو من لحظات تزخر بالهزل المكشوف وهو يصور الحياة التي تنبض في صوت مكتوم على توقيع العواطف والشهوات، والمتناقضات، بلغة تتسم أحيانا بالغرابة، وأحيانا أخرى بالعاطفة. مما أكسب أعماله طابع المأساة العالية.
يمكن تقسيم نتاج شكسبير المسرحي إلى ثلاثة أنواع رئيسة هي: المأساة والملهاة والمسرحيات التاريخية، كما كتب عددًا من المسرحيات التي يصعب إدراجها ضمن هذه التصنيفات المألوفة، واعتاد النقاد إطلاق صفة “المسرحية الرومنسية” أو “التراجيكوميدية” عليها.
لا يمكن مقارنة الشهرة التي اكتسبها أي كاتب آخر بشهرة شكسبير عالميًا على كل المستويات، فقد دخل إلى جميع الثقافات والمجتمعات الأدبية والفنية والمسرحية في كل بلدان العالم، وقد اعتمد في مسرحه وشعره على العواطف والأحاسيس الإنسانية، مما عزز من عالميته واستمراريته، فأبطال مسرحياته المأسوية شخصيات تتميز بالنبل والعظمة والعواطف الإنسانية، وتؤثر في الجمهور والقراء أينما كانوا ولاتزال الشخصيات الكوميدية تضحك الجمهور لما في تصويرها من ذكاء ودقة وفكاهة، وتترك شخصياته النسائية، مثل كليوباترا وجولييت والليدي ماكبث وروزالند وبورشيا وبياتريس وميراندا، أكبر الأثر عند القراء وجمهور المسرح والسينما أينما كانوا، وتكمن براعة شكسبير في القصص المثيرة التي يستخدمها في مسرحياته، والمخزون الغني من الشخوص التي يمتزج فيها الخير والشر والعاطفة والعقل، واللغة الشعرية البليغة، والبراعة في التلاعب بالكلمات والألفاظ، والمفردات الجديدة.

سر الخلود
تعود أهمية شكسبير في كونه الابن النجيب لفكر وفن عصر النهضة الأوربية بامتياز، فهذا الفكر الذي عالج جوهر الإنسان الفرد وموقعه في الكون ودوره في الحياة، على كل الصعد، انعكس بجلاء في مسرحياته وتعتبر شخصيات هذه المسرحيات، على تنوعها وتباينها تعبيرًا عن معاناة الفرد في واقعه وتوقه إلى الانفلات من أي قيد يعرقل تفتحه وطموحه، ويتجلى نضج شكسبير الفكري والفني في صياغة الصراع الذي يخوضه الفرد بين نوازعه وغرائزه وطموحاته وبين ظروف الواقع المحيط والحتمية التاريخية، فلا توجد في مسرحيات شكسبير شخصيات معلقة في الهواء، بل هي دائمًا ابنة واقعها بتجلياته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وعلى الصعيد الفني كان شكسبير نفسه ابن واقعه ومعطياته، وقد تجلت عبقريته الفنية في استيعاب الأشكال الفنية التراثية والمعاصرة والشعبية وإعادة صياغتها استجابة لمتطلبات العصر ولشروط الممارسة المسرحية في دور العرض الفقيرة بالتجهيزات المسرحية آنذاك ومن هنا خروجه على القوانين الكلاسيكية وتأكيده على الحبكة المزدوجة، بل الثلاثية أحيانًا، كما في “حلم ليلة منتصف الصيف”، ومزجه المرهف بين الواقعي والخيالي وبين العواطف والأهواء المتضاربة، واستخدامه الشعر والنثر في العمل المسرحي الواحد وبمستويات لغوية مختلفة حسب طبيعة الشخصية وموقعها الاجتماعي، هذا إضافة إلى التأكيد على تعدد أمكنة الأحداث وفتح الزمن من دون أية تحديدات تقيد حريته” إن من يتعمق في أعماله يتلمس بشكل واضح كون شكسبير ابن إرهاصات الثورة الصناعية والازدهار الاقتصادي والانفتاح على العالم الواسع تلبية لطموح الفرد الجديد، ابن أواخر عصر النهضة.

من أشهر مقولات شكسبير
– أكون أو لا أكون
– أيها النوم أنك تقتل يقظتنا..
– هناك وقت في حياة الإنسان إذا انتفع به نال فوزًا ومجدًا، وإذا لم ينتهز الفرصة أصبحت حياته عديمة الفائدة وبائسة..
– إن الآثام التي يأتي بها الإنسان في حياته، غالبًا ما تذكر بعد وفاته، ولكن أعماله الحميدة تدفن كما يدفن جسده وتنسى..
– إن المرء الذي يموت قبل عشرين عامًا من أجله، إنما يختصر مدة خوفه من الموت بنفس العدد من السنين..
– إن أي مركز مرموق كمقام ملك ليس إثمًا بحد ذاته، إنما يغدو إثمًا حين يقوم الشخص الذي يناط به ويحتله بسوء استعمال السلطة من غير مبالاة بحقوق وشعور الآخرين..
– الرجال الأخيار يجب ألا يصاحبوا ألا أمثالهم..
– هناك ثمة أوقات هامة في حياة سائر الرجال حيث يقرر أولئك مستقبلهم أما بالنجاح أو بالفشل.. وليس من حقنا أن نلوم نجومنا أو مقامنا الحقير، بل يجب أن نلوم أنفسنا بالذات..
– نكران الجميل أشد وقعًا من سيف القادر..
– الدنيا مسرح كبير، وان كل الرجال والنساء ما هم إلا لاعبون على هذا المسرح..
– لا تطلب الفتاة من الدنيا إلا زوجًا.. فإذا جاء طلبت منهُ كل شيء..
– إن المرأة العظيمة تُلهم الرجل العظيم.. أما المرأة الذكية فتثير اهتمامه بينما نجد إن المرأة الجميلة لا تحرك في الرجل أكثر من مجرد الشعور بالإعجاب.. ولكن المرأة العطوف.. المرأة الحنون.. وحدها التي تفوز بالرجل العظيم في النهاية..
– إذا أحببتها فلن تستطيع أن تراها.. لماذا؟ لأن الحب أعمى..
– يمكننا عمل الكثير بالحق لكن بالحب أكثر..
– لكن الحب أعمى والمحبون لا يستطيعون أن يروا الحماقات الصارخة التي يرتكبونها هم أنفسهم..
– الرحمة جوهر القانون، ولا يستخدم القانون بقسوة إلا للطغاة..
– يموت الجبناء مرات عديدة قبل أن يأتي أجلهم، أما الشجعان فيذوقون الموت مرة واحدة..
– أن الحزن الصامت يهمس في القلب حتى يحطمه..
– أننا نعلّم الآخرين دروسًا في سفك الدماء.. فإذا ما حفظوا الدرس قاموا بالتجربة علينا..
– على المرء أن ينتظر حلول المساء ليعرف كم كان نهاره عظيمًا..
– إن الغيرة وحش ذو عيون خضراء..
– الذئب ما كان ليكون ذئبًا لو لم تكن الخرافُ خرافا..
– لا يكفي إن تساعد الضعيف بل ينبغي إن تدعمه..
– قسوة الأيام تجعلنا خائفين من غير أن ندري تمامًا ما يخيفنا.. إذ أن الأشياء التي تخيفنا ليست إلا مجرد أوهام..
– مداد قلم الكاتب مقدس مثل دم الشهيد!..
– ليس من الشجاعة إن تنتقم، بل إن تتحمل وتصبر..
– من خلال أشواك الخطر، نحصل على زهور السلام..
– لا يتأوه عاشق مجانًا..
– عندما تأتي البلايا لا تأتي كالجواسيس فرادى.. بل كتائب كتائب..
– لا ترى كل ما تراه عينك ولا تسمع كل ما تسمعه إذنك..

رحيل
وفي مثل هذا اليوم 23 إبريل من عام 1616 رحل عن عالمنا مشكاه الأدب والمسرح العالمي وليم شكسبير تاركًا خلفه كنوز لا تقدر بثمن من أشعار وروايات وأعمال مسرحية ستظل مثار جدل ونقاش ما بقي المسرح والأدب والأدباء.

 

 

ياسر الغبيري

http://www.albawabhnews.com/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *